*( ولكني لم أجد يوماً ، أن في المذلة عيباً إذا كانت من خارج الذات لأنها بمثابة أردان على رداء .. .. فكم من مصور رفع مجد الأجيال وخلد هيبة الدهور كانت يداه وثيابه ملطخة بألوان فنه..). -....- .. حكاية عن باب عادي، لا يملك أية مواهب أو إمكانيات، وحتى أنه بلا قفل... يقف في مكان ما دون أن يعترض طريق أحد...هذا المكان يشبه الرصيف ولعله يشبه ساحة قديمة في بلدة هادئة... لم يعامله أحد باحترام حتى الآن... فكل سكان البلدة كانوا يضربونه بأرجلهم وهم يمرون عبره... ولابد أنكم تعرفون أن كل أطفال القرية تعلموا الكتابة على هذا الباب والجدار المجاور الذي يظن أنه أحسن حالاً لم يُبتَل بهذا المخلوق الخشبي ولهذا فقد كان يشارك ببعض السخريات التي تتم من الباب ولو أنها تطاله هو أيضاً في معظم الأحيان. كنت أقول أن كل أطفال القرية تعلموا الكتابة على هذين التعيسين وقد يتبادر إلي الذهن أن هناك أقلاماً أو طباشيراً تستعمل ولكن الحقيقة أن الحروف كانت تحفر بأدوات حادة كالسكاكين وأسياخ الحديد مما يسبب الألم المستمر. وقد بلغت السخرية بأحد الفتيان حداً لا يطاق حين كتب بحروف واضحة لا تمحى (هذا باب) مما جعل صديقنا الخشبي يقضي عمره يعاني الخجل وكأنه لم يكن ينقصه إلاً هذا التنويه... كان يدرك أن هاتين الكلمتين لهما مدلول واحد فقط وهو أن هناك من يشك في كونه باباً.. أصبح لديه شعور قاتل بأن هذه العبارة قد كتبت لأن رأياً أنتشر بين البلدة أنه قد يكون مجموعة أخشاب ملقاة على كومة الحجارة تلك.... وهذا دليل على أن صاحبنا يخجل من صحبة ذاك الجدار وربما كان يظن أنه سبب نظرات الإزدراء تلك من كل من يمر بهما... ولكي يثبت أنه باب حقيقي أصبح يفتح ويغلق كأحسن باب في العالم ، بل إنه أستطاع مرة أن يفتح متفادياً ضربة قدم أحد العابرين.. .. كان يتعذب كثيراً بسبب تلك العبارة ويقول لنفسه إنني باب حقيقي فلماذا الشك بحقيقتي صحيح أنني لا أملك قفلاً وليس لدي جرس لكنني أؤدي معظم أعمال الباب الضرورية.. .. وحين يهدأ كان ينظر إلي نفسه نظرة أكثر واقعية ويعترف بالنقص وأحياناً كان يضحك من وضعه الشاذ ويقول لنفسه :( يا لي من باب أحمق... فقط لو أني في بيت أو أقف في سور حديقة... أو حتى لو كنت باب زريبة حيوانات أما هنا في الساحة حيث أضطر إلي الوقوف طوال النهار مع هذا الجلف، كومة الحجارة التي تظن نفسها جداراً...). كانت كل أبواب البلدة قريبة ومتقابلة بشكل يسمح بتبادل الأحاديث وكذلك كانت تعلم الوضع الشاذ لقريبها المسكين... وكانت مواقفها مختلفة فأبواب بيت شيخ القرية وأقربائه كانت تشعر بالفخر كونها أبواباً محترمة في بيوت كالقصور وبأن ذاك الباب وصل إلي تلك الحال بسبب إهماله وربما بسبب إرتكابه الكثير من المعاصي... أما بقية الأبواب فكان بعضهما يشعر بالرثاء والشفقة مع الشعور بان قريبهم ذاك مُهمِلٌ شيئاً ما... أما أبواب فقراء القرية فكانت جميعاً تحب ذاك الباب وتشفق عليه من كل قلبها وكانت تشعر أنه ليس مسؤولاً أبداً عن هذا المصير وأن قدره ونصيبه هكذا وقد يأتي يوم تتحسن فيه أحواله. كل تلك الأحاديث والمشاعر لم تكن تهم صاحبنا... ما كان يؤثر فيه هو أيام الأعياد والأفراح حين تنظف جميع الأبواب وبعضها يعاد طلاؤه ويتم إصلاحه ... لم يكن حسداً ما يعتريه... لكنه فقط كان يريد أن يقول : أنا باب أيضاً... وأفتح وأغلق... فقط لو كان سوراً هذا الجدار الأصم، لو كان بيتاً ، أو إصطبلاً ، أو أي شيء يجعلني كالأبواب الأخرى المحظوظة .. بقي عليّ أن أخبركم بقية الحكاية : فقد حدث في إحدى الليالي أن مر بالقرية رجل غريب، وقف أمام الباب وطرق طرقتين مهذبتين، أبتعد قليلاً ... ثم أقترب من الباب بكل احترام... ومرة أخرى طرق طرقتين مهذبتين ووقف ينتظر... ما حدث بعد هذا كان عادياً تماماً فالباب الذي أحتمل آلاف الدفعات والركلات القاسية من الأقدام اللامبالية، أصدر صريراً خفيفاً يشبه الصوت الآتي من اللا مكان... ثم هوى بهدوء... وكأنه كان طوال عمره المعذب ينتظر شيئاً من اللطف كي يمضي هانئاً مطمئناً... ومنذ أن مات لم يعد أحد يسمع شكوى أو أنيناً ينبعث من باب مُهمَل ... بقاؤه واقفاً كل تلك الفترة كان يجعل من كومة الحجارة تلك ، شيئاً يشبه الجدار. [email protected] - - - - - - - - - - - - - - - - - تم إضافة المرفق التالي : Dr.Nael.jpg