لازالت ميادين الإبداع في بلادنا تفتقد الي واسطة عقدها الاستاذ الشاعر والاديب والموسيقار والفنان عبد الكريم الكابلي الذي هجرنا ، بل هجر الوطن كله لينعم بشيخوخة هادئة في تلك البلاد التي تحترم كل شيء ، فمابالك بسفير النوايا الحسنة الدكتور كابلي ، و برغم تقاطعات السياسة الدولية والإستقطاب الحاد فيها. صديقنا واخونا الكبير السر قدور قد تفوق علي نفسه حين إختار حلقتين خصصهما لترديد غناء الاستاذ عبدالكريم الكابلي ، والذي سبق لنا أن قمنا بمحاولة توثيق معقول لمسيرته ، قبل سنوات عديدة عندما أتي الدور للفنان طه ( الضرس ) لأداء تلك الرائعة التي كتبها استاذنا المربي الجليل والشاعر الفخيم الراحل ( صديق مدثر ) وهي اغنية ( ضنين الوعد ) ومع روعة الأداء الموسيقي من الأوركسترا المبدعة ، فإن الأامر قد اعادني إلي نصف قرن من الزمان ، حيث كان الطالب ( صلاح الباشا) ذو الأربعة عشر ربيعا ، يعتلي مسرح المدرسة الأهلية الوسطي ( ب ) بودمدني، ليغني في واحدة من ليالي الجمعية الأدبية التي تقام كل يوم إثنين اسبوعيا كحال تراث التعليم في كل السودان سابقا ، ليترنم بضنين الوعد ، والطلاب يرددون ويصفقون ، والمعلمون يبتسمون وأيضا يصفقون ... ويرجع الامر لسبب بسيط وهو ان الاغنية الخالدة كتبت بالفصحي وكانت قد نالت إعجاب شعبنا بجديد مفرداتها . وكان طه سليمان لها في تلك الحلقة. الاستاذ الفنان مصطفي السني قدم مقطعا اوليا من انشودة البروف الراحل الاديب الشاعر ( تاج السر الحسن ) ولكن بترديد مخارج صوت أبوداؤد ، فنجح، لكن كنت أتمني علي السر قدور أن يتحدث عن مناسبة كتابة الشاعر والطالب الجامعي حينذاك تاج السر الحسن لهذا النشيد الخالد ( أسيا وأفريقيا ) وكيف اصبح بسببه استاذنا كابلي مقتحما ساحة الغناء بقوة بعد ان كان يغني خارج الأجهزة . ولكن ، حينما غردت البنت الفنانة والمتمكنة التي لا تملك غير أن تطرب لأدائها ولقرار صوتها ولفهمها للنصوص ، وللطلعات الصوتية وكيف تخفضها وهي الشابة (إنصاف فتحي ) فإن أغنية ( الكل يوم معانا ) كانت سيدة الموقف في الحلقتين، فقد كنا في زماننا ذاك نطلق علي وجبة ( الفول ) ... الكل يوم معانا .. حين كانت الاغنية جديدة تبث في الاذاعة ، لأن الفول يتبعنا في وجبتي الافطار بالمدارس والعشاء في البوفيهات او المطاعم ، قبل ان تسيطر الوجبات السريعة من بيرقر وشاورمة وبيتزا علي الموقف خلال السنوات ألأخيرة . وهنا اذتكر جيدا حلقة برنامج ( نسائم الليل ) الفخيمة التي كان يقدمها لسنوات طويلة بالتلفزيون القومي طيب الذكر الاديب والموثق للفنون الفريق اول شرطة أبراهيم احمد عبدالكريم رحمه الله ، حيث كان ضيفه في إحدي الحلقات الامام الصادق المهدي حين ذكر الامام بأنه يطرب للغناء الجاد وتعجبه ( حراسك يا حالم ... الحياء والفضيلة ... والوعي المبكر .... والعاطفة النبيلة ) .... وهي مقطع من رائعة كابلي ( الكل يوم معانا وما قادرين نقول ليك ...إنك في قلوبنا .. وكم نشتاق لعينيك ...حنانك ياحالم ) . وقد كنت ضيفا لآخر حلقة قدمها الراحل في برنامج نسائم الليل في العام 2001م وبعدها فارق الدنيا ، عليه الف رحمة ونور ..فهو برنامج تراثي ضحم جدا ، وياليت إدارة البرامج بالتلفزيون تنفض عنه الغبار وتقدم حلقاته من وقت لآخر ، تقديرا للراحل ولضيوفه وللجيل الجديد الذي لم يشهد ذلك الإبداع التوثيقي. وأخيرا ... شكرا للسر قدور وللشباب ... ونقول لهم ( ما قصرتو.. تب ) . [email protected]