ظل النظام الحاكم منذ مجيئه يتبع سياسة التمكين والإقصاء في السودان والذي لم يسلم منه المعارضين أو الغير منتمين للنظام فتفشت المحسوبية والواسطة وضاق الحال بكثير من الشباب فكانت الغربة خيار الكثير منهم هروبا من وطأة الفقر بعد أن فقدوا الأمل في تحقيق طموحاتهم بأن يجدوا وظيفة ينفعوا بها أنفسهم وأهليهم فدب اليأس فيهم بعد أن إستحال عليهم الإلتحاق بالمؤسسات الحكومية أو القطاع الخاص بسبب أن القطاع الخاص نفسه أصبح ملك لأجهزة الدولة أو للنافذين والمنتمين للحزب للحاكم وحتى لو أخفي ذلك تحت مسميات وهمية . أما الحرفيون أو من لجأوا للعمل الحر طالهم ظلم النظام بالجبايات والضرائب زائدا على غلاء المعيشة فأستحال عليهم العيش في السودان وبدأوا في الهروب من السودان . السعودية بسبب موقعا الجغرافي المتاخم للسودان هي أسهل الطرق للخروج من السودان زائدا على انها تستوعب أعداد أكبر من العمالة مقارنة بنظيراتها من دول الخليج فهي تستوعب العماله المؤهلة والغير المؤهلة ونظام العمل فيها يساعد على شراء الإقامات والدخول إليها . الهجرة الغير مقننة إلى السعودية واحدة من أكبر الأخطاء التي يقع فيها الشباب في السودان فبعد أن إستحال عليهم العيش في السودان أصبحوا ينشدون أي طريقة للهروب منه من غير رؤية لمآلات الامور . تصيب النشوة هولاء الشباب بعد ان يجدوا إقامة أو تأشيرة دخول للسعودية ويقعوا في خطأ عدم التعاقد مع الجهة التي سيعملون فيها في السعودية أفراد كانوا أم مؤسسات بل يرضى بعضهم بالعمل في غير تخصصه إن كان من حملة الشهادات الجامعية وبراتب زهيد خصوصا أن كثير منهم معهم شهادات علمية بدون خبرات عملية . تأتي الطامة بعد أن يدخلوا إلى السعودية وهم يحملون معهم أحلامهم الوردية ظنا منهم أنها آخر المعاناة وما أن يلجوا في العمل حتى يصابوا بخيبة الأمل فالأجور زهيدة مقارنة بحجم العمل ناهيك عن بيئة العمل وقطرسة أصحابه . يلامس هولاء الشباب حقيقة الخطا الذي أرتكبوه ولكن بات لا مجال لتصحيحه فيرضخوا لواقعهم المرير فهم يدفعون ضريبة إغترابهم بفناء زهرة شبابهم وأجمل ايام عمرهم من غير مقابل . تأتي الطامة الكبرى بتأخير رواتب الكثير منهم رغم زهدها إن لم يستحلها صاحب العمل فيظلوا يتنقلون بين الكفلاء بعد إستنزافهم بدفع مقابل للتنقل بين عمل وأخر أو لتجديد الإقامات ودفع الرسوم الباهظة لمكتب العمل . نظام العمل في السعودية لا يحمي المتعاقدين وينحاز للمواطنين وأرباب العمل ناهيك عن هولاء الشباب الغير متعاقدين أو نظاميين ( يعملون مع كفلاءهم ). تصيب هولاء الشباب الحيرة ويدب فيهم اليأس من جديد فلا بقوا في أوطانهم ولا استطاعوا تحقيق أحلامهم ولا بات بإمكانهم الرجوع إلى الوطن فرغم زهد ما يجدوه في السعودية إلا أنهم يقتاتون منه ويرسلون ماتبقى لأسرهم التي تنتظرهم فيرضخون للواقع الأليم فالحياة تفترسهم بين بين تبدد الأحلام ووطأة الكفلاء ونار الغربة ومضي السنين والبعد عن الاهل والديار أوالعوده لجحيم الوطن . عباس مبارك قراء الراكوبة [email protected]