مازالت كلمات الأستاذ والقائد الفذ الراحل / الأستاذ الخاتم عدلان مؤسس حركة القوي الجديدة الديمقراطية ( حق)* في ذكري تأسيسها العشرين في 28 يوليو تسيطر علي المشهد السياسي* وتسطر رؤيته السياسية علي الراهن السياسي . فقد جاء في إحدي كتاباته بعنوان ( البديل الديمقراطي السلمي للإنقاذ ) المقتطفات التالية * :- لا اعتقد أن هناك مهدد اكبر لبلادنا واهلها من استمرار نظام الإنقاذ الحالي بمقدرته الاسطورية علي صناعة الكارثة . السلطة وقرينها المؤتمر الشعبي وطبيعة الصراع بينهما لها خصوصيتها ومميزاتها :* إنها ببساطة قصة موت معلن يرشح لها توأمة كل من الشقيقين وهو يسعي دون هوادة لسحقه والحلول محله . والطبيعة الإستئصالية لهذا الصراع نابعة من وجود كينونتين متشابهتين في كل شئ مع وجود فرصة واحدة للنجاة ومقعد واحد في السفينة المنقذة من الطوفان الوشيك . الأيديولوجيا واحدة والبرنامج السياسي واحد والشعارات والدعوات والتعاويذ هي ذاتها والموقف العابد المتبتل للقوة في كل مظاهرها متساو لديهما وربما يشير التحليل السياسي والإجتماعي السليم إلي أن الخيار الوحيد المفتوح أمامهما والذي تكاد البداهة ان تمليه إملاء هو أن يتحد الطرفان ضد الظروف القاهرة التي يواجهانها كلاهما وضد القوي التي تتربص بهما معا . ولكن البداهة المرسلة والمنطق البسيط لايصلحان في تقويم خيارات ( الربانيين )* الذين لايرون ما لايراه الناس ويحكمون بما يتجاوز الفهوم القاصرة لغير ذوي الخطوة والإطلاع علي الغيب ومعرفة الطرق الخفية لمواجهة ( الإبتلاءت) . عندما احكمت حلقات الحصار الدولي والإقليمي وسار التجمع الوطني في طريق إعداد قوات عسكرية لمواجهة النظام كان في قلبها لواء السودان الجديد الذي عمل علي تحويل الشعارات الي واقع علي عكس حلفائه من اهل الضعوط علي الإنقاذ دون منازلتها شعر الترابي وهو الاكثر اهتماما بالإستراتيجية والارهف إحساسا بالمآلات النهائية أنه لايمكن إنقاذ نظامه إلا بذبح عظيم من بعض أبنائه الأكثر تلطخا بالدماء وبدلا من إستشارة هؤلاء الأبناء في ذبحهم شأن الأنبياء شرع في إجراءات الذبح بسرية كاملة شأن المتآمرين . وبدلا من أن يزعن الأبناء لرؤية أبيهم تغدوا به قبل أن يتعشي بهم . هذا شرخ لن يلتئم وجرح لن يداوي وكسر لايجبره الدهر فالمسلك نفسه يمثل منهجا قديما للدكتور حسن الترابي ففي مسيرته المعوجة والشديدة التعاريج والمليئة بالكسب المشبوه كان محتاجا في كل منعطف الي ماتحتاجه الثعابين في كل عام من تغيير جلودها بعد أن يكون الجلد القديم قد خدم أغراضه أو ضاق عن صاحبه أو هرأته السموم بنفثها المحموم . فعل الترابي ذلك بعد اكتوبر فسمي تنظيمه جبهة الميثاق الإسلامي . بعد أن صار إسم الأخوان المسلمين مرادفا للتآمر والخيانة والعنف . ثم سماه الجبهة الإسلامية القومية بعد تعاونه المذموم مع النميري وتورطه في إغتيال الشهيد محمود محمد طه . ومشاركته في كل أعمال الدكتاتورية والقمع وتسويغه للطوارئ وسكوته عن نقل الفلاشا واحتكاره من خلال البنوك الإسلامية لأقوات الشعب . ثم غير الإسم مرة ثالثة ليصبح المؤتمر الوطني بعد أن استلم السلطة بليل ذاهبا الي الأسر ومرسلا البشير الي القصر وتاركا المفاتيح كلها في يد علي عثمان من مال وأمن وقوات مسلحة ومليشيات شعبية . في كل هذه التقلبات لم يضطر الترابي إلي التضحية برجل واحد من رجاله . كان يكتفي بطي الرايات لأن الشعب السوداني في تقديره لايستحق أكثر من ذلك . ولم تكن المؤامرات تعود بخير كثير ورزق وفير عليه وحده بل كانت تعود بكل ذلك وبكل وعود التمكين علي حوارييه جميعا . وكان الحواريون يعجبون من المقدرات المعجزة لشيخهم العالم في التخلص من المواقف الصعبة والإبتلاءات المرعبة . ولابد أنهم إنتبهوا في نفس الوقت إلي أن الشيخ لايرد عن مطلوبه شئ ولاتثنيه عن غاياته عقبة كما ولابد قد لاحظوا وهم جميعا ذو عيون مدربة علي الملاحظة والرصد والبلاغ أن أشلاء القيم العظيمة مثل الصدق والإستقامة والوفاء والثقة والعرفان دع عنك العدالة والمساواة والإيثار ونصرة الضعفاء تلقي علي الطريق دون شفقة ودون إلتفاته . ونسبة لأن الشيخ كان وقتها حريصا علي الشوري فقد تورطوا جميعا بالموافقة علي خططه ومنهجه وجاءت السلطة لتجعل القلوب أكثر قسوة والضمائر أكثر يأسا من الغفران البشري والإلهي والتضحية بالقيم العظيمة ممارسة يومية . ووقف الجميع في صف العراة عن الفضائل بترتيب يراعي ( كسبهم )* من التآمر . ولأن الذين مازالوا يمسكون بأزمة السلطة يعلمون كل ذلك عن شيخهم وعن أنفسهم فهم يعتقدون أن كل خطوة يخطوها حتي ولو كانت في إتجاه المصالحة إنما تنم عن مؤامرة جديدة لم يستبينوا أبعادها بعد . وهكذا فإن تاريخ التآمر المديد ينتصب أمام هذا التنظيم ليجعل كل عمل قائم علي الثقة وحسن النوايا ضربا من الخيال المحض والإستحالة الكلية . لن يقبل الترابي أن يحتل موقعا أقل من مواقع أشخاص خلقهم بيديه فهو يمكنه أن يتنازل عن الشريعة ولا يتنازل عن عبادة القوة والسلطان و لن يرضي له أولئك الذين يمسكون بالسلطة حاليا ولو كان قد صنعهم بيديه أن يكون علي رأسهم من جديد لأنهم لا يأتمنونه حتي علي رقابهم دع عنك مواقعهم وامتيازاتهم . ولم يبقي إذن غير خيار واحد هو خيار المنازلات المتتدة حتي نهاية أحدهما أوكليهما وفي هذا الإطار فإنهما سيكونان مثل ديفيد لويد جورج الذي قال عنه مارغوث اسكويث أنه لم يكن يري حزاما دون أن يضرب تحته مع اختلاف انواع الضرب بطبيعة الحال ! ولن يتردد الترابي وحزبه في إستخدام كل الوسائل المتاحة للعودة الي السلطة لن يكف عن ذلك لأن معناه الموت السياسي والمعنوي وربما الجسدي كذلك . ولن يتأخر فيه لأن بعد العهد بالسلطة سيحجب كثيرا من الفرص المواتية لضربها ولكن الأمر الغالب أن مؤامراته كلها ستنكشف وذلك وفق قانون التساوي في المكر . فمع أن المؤتمر الشعبي قد خلف وراءه بعض أخلص اتباعه المجهولين عندما غادر السلطة فإن السلطة أيضا قد ارسلت بعض اخلص اعوانها للمؤتمر الشعبي . وهذا وضع يجعل الترابي علي علم تام بما يدور في اروقة السلطة كمايجعل السلطة علي وعي تام بمايجري في اروقة المؤتمر الشعبي . وليس ثمة فرق هنا إلا في أن السلطة هي الأقدر علي إستثمار معرفتها عن الترابي وحزبه من هذا الاخير وهذا احد المعاني لإنقلاب السحر عن الساحر . ستكون الضربات موجعة للطرفين ولكنها تكاد ان تكون حتمية ولن يأسف عن التآكل الذاتي للوحش الإسطوري المتعدد الأسماء والرءوس سوي الأغبياء او المنتفعين . وتبقي مع ذلك الحقيقة الأهم بالنسبة للحركة الجماهيرية المعارضة :* الإعداد العسير والحاذق للبديل الديمقراطي للإنقاذ عن طريق النضال السلمي الجسور . [email protected]