عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    الهلال يرفض السقوط.. والنصر يخدش كبرياء البطل    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الجيش ينفذ عمليات إنزال جوي للإمدادات العسكرية بالفاشر    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    عصار تكرم عصام الدحيش بمهرجان كبير عصر الغد    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عرض وتلخيص لكتاب: "الثورات المدنية في السودان الحديث: ربيع1964 و1985م بالخرطوم"

Civil Uprising in Modern Sudan: The Khartoum Springs' of 1964 and 1985
ويلو. جي. بيريدج Willow. J. Berridge
عرض وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي
هذا عرض وصفي وتلخيص لبعض ما جاء في كتاب البريطانية ويلو. جي. بيريدج المحاضرة بجامعة نورثهامتون بعنوان "الثورات المدنية في السودان الحديث" عن ثورتي الربيع العربي في السودان عامي 1964م و1985م، والصادر عن دار بلومزبيري للنشر ببريطانيا.
عملت الكاتبة من قبل في قسم التاريخ بجامعة درم البريطانية، ونشرت عددا من المقالات المحكمة عن أجهزة الأمن والشرطة والسجون في السودان، ومقالا عن الثورة المصرية على نظام حسني مبارك.
ولعل هذا الكتاب هو الكتاب الغربي الثاني المؤلف حصريا حول ثورة أكتوبر السودانية بعد كتاب المؤلف الأمريكي، بروفيسور تومسون كلايف، الذي عمل مدرساً بكلية القانون في جامعة الخرطوم، وعايش شخصيا أحداث ثورة أكتوبر 1964م في الخرطوم، وكان الشاهد الأجنبي الذي رصد يوماً بيوم أدق التفاصيل التي وقعت تلكم الأيام في كتاب "يومية ثورة أكتوبر" الذي قامت بنشره صحيفة "الأحداث" مترجما في ذكرى مرور خمسة وأربعين سنة على تلك الثورة.
قامت الدكتورة بيريدج ببحثها عن ثورة أكتوبر 1964م وانتفاضة أبريل 1985م (أو ثورتي الربيع السوداني، كما أسمتهما) مستعينة بوثائق محفوظة في دار الوثائق السودانية وجامعة درم ودار الوثائق القومية بلندن، ومعهد التاريخ الاجتماعي العالمي بأمستردام، وبحصاد مقابلات شخصية مع 48 من الذين قادوا أو شاركوا أو عاصروا الثورتين المدنيتين السلميتين الوحيدتين اللتين أفلحتا في إسقاط حكم الديكتاتورية العسكرية بقيادة الفريق إبراهيم عبود في أكتوبر 1964م والمشير جعفر نميري في أبريل 1985م، بينما باءت كل الانقلابات العسكرية للإطاحة بهذين النظامين العسكريين بالفشل الذريع وبنتائج دموية. وشملت المقابلات سياسيين من اليمين (مثل الصادق المهدي وحسن الترابي والطيب مصطفى) والوسط (مثل عمر عبد العاطي وموسى آدم عبد الجليل) واليسار (مثل محجوب شريف وفاروق أبو عيسى وعبد الله علي إبراهيم) وغيرهم من النقابيين وممثلي طلاب دارفور وغيرهم. واستفادت في كتابها من كثير من المقابلات التي أجرتها بعض الصحف السودانية مع مختلف الشخصيات النقابية والسياسية. واستخدمت أيضا الكثير من المصادر الأولية والثانوية باللغتين الإنجليزية والعربية. وضمنت الكتاب ثبتا بمراجع ومذكرات عديدة كتبت باللغتين.
وشكرت المؤلفة في باب "الشكر والعرفان" منظمة Sudanese society for achieving knowledge على استضافتها لها بمقرها بالخرطوم في زيارتها البحثية الأولى، والموظفين والموظفات بدار الوثائق المركزية على عونهم لها في الحصول على الصحف والمجلات السودانية في سنوات مضت، وكمال أحمد يوسف الذي قالت إنه لعب دورا مهما في تحضير مقابلاتها مع الشخصيات السودانية التي لعبت دورا بارزا في الثورتين. وشكرت أيضا القائمين على أرشيف السودان بجامعة درام وأرشيف الحزب الشيوعي السوداني بأمستردام.
ويتكون الكتاب (292 صفحة) من مقدمة وثمان فصول وخاتمة. وشملت الفصول: ثورة أكتوبر وأسبابها، وانتفاضة 1985م ونميري وتدميره لذاته، والأحزاب السياسية في عامي 1964 و195م، والقوى الحديثة في 1964و1985م، والقوات المسلحة: هل هي حامية للشعب؟ ثم فصلين عن الحكومتين الانتقاليتين اللتين أعقبتا سقوط نظامي عبود ونميري. وحمل الفصل الأخير عنوان "ثورة الإنقاذ – يونيو 1989م". وسأقتصر هنا على عرض وصفي وتلخيص لبعض ما جاء في الكتاب عن ثورة أكتوبر.
وشرحت المؤلفة في الفصل الأول طبيعة النقاش الذي دار ويدور حول عما إذا كان ما حدث في أكتوبر 1964م هو "ثورة" بالفعل أم غير ذلك، وأقرت بصعوبة حسم الأمر وذلك لعدم وجود تعريف متفق عليه لكلمة "ثورة" نفسها، إذ أن البعض يرى أنه لا يلزم للثورة أن يصاحبها عنف أو أن تثمر عن تغيرات اجتماعية أساسية، وأنها يمكن أن تنجز سياسيا فحسب. ولاحظت المؤلفة أن كثيرا من فصائل الشعب السودان المتباينة كانت قد اشتركت في ثورة أكتوبر ... من أقصى اليمين (مثل الإخوان المسلمين) إلى أقصى اليسار (مثل الشيوعيين) ومن الذين لا ينتمون لأي من الفصيلين. وعرفت المؤلفة في الفصل الأول ثورة أكتوبر بعبارة موجزة جاء فيها أنها كانت "ثورة سياسية" عبئت فيها النخبة المثقفة (الانتلجنسيا) المهمشة نفسها من أجل اسقاط نظام حاكم.
وذكرت المؤلفة أن الثورات قد تكون عفوية أو تفاوضية أو مخطط لها. والذين يقولون بأن ما حدث في ثورة أكتوبر كان مخططا له ينسبون ذلك التخطيط للأحزاب السياسية، خاصة الإخوان المسلمين والحزب الشيوعي. والذين يقولون بأنها ثورة عفوية ينسبون قيامها لحركة المهنيين (جبهة الهيئات) التي تكونت في غضون أيام الثورة نفسها. ويصعب في الحقيقة تصنيف ثورة أكتوبر من هذه النواحي، ففيها جوانب عفوية وجوانب تفاوضية وأخرى مخطط لها. وتعتقد الكاتبة بأنه كان هنالك دور للدين (الإسلامي) والعنصر الأخلاقي moralistic element في ثورة أكتوبر، وهذا من شأنه أن ينفي عنها صفة العلمانية الخالصة. غير أن دور الدين هذا كان قد جاء عرضيا أكثر منه دورا مخططا له، ولا يمكن اعتباره عاملا تعرف به الثورة. وللتدليل على دور الدين والأخلاق في مجريات أحداث الثورة ضربت الكاتبة مثلا بحرمة تشييع جنازة أول قتيل في الثورة (أحمد القرشي طه) وزعمت أن ذلك كان أحد أسباب عدم تدخل الشرطة في مسيرة التشييع، والسماح لها بالسير (إلى ميدان عبد المنعم). وضربت المؤلفة لذلك الدور الديني في الثورة بمثل آخر هو عقد الأحزاب السياسة لاجتماعاتها في قبة المهدي برمزيتها الدينية "المقدسة"، والتي لا تجرؤ القوات المسلحة على اقتحامها. وأوردت هنا ما قاله جعفر شيخ إدريس من "إسلامية" فكر وتوجهات ثورة أكتوبر اعتمادا على فكر وتوجهات قادتها. بينما رأَى عبد الله جلاب أن ثورة أكتوبر كانت ثورة "دين اجتماعي civil religion" بعيد كل البعد عن الماركسيين وعن الإسلاميين على حد سواء، وعبر عنه شعراء وفنانين مثل محمد المكي إبراهيم وفضل الله محمد وهاشم صديق ومحمد الأمين ومحمد وردي وعبد الكريم الكابلي.
وأوردت المؤلفة وصفين مختلفين لتسلسل الأحداث ليلة 21 أكتوبر 1964م. فذكرت أن بعض المصادر أشارت إلى أن حسن بشير نصر (الرجل الثاني بعد الفريق عبود) كان قد أمر الشرطة قبل حضورها لمكان الندوة بإطلاق النار على الطلاب المتجمعين في الندوة. وأوردت الكاتبة كذلك راوية أخرى تفيد بأن الشرطة أطلقت النار على الطلاب ردا على محاولاتهم جذب البنادق من أيادي رجال الشرطة، بينما ورد في مصادر أخرى أن رجال الشرطة سمعوا صوتا عاليا لعادم سيارة قريبة فحسبوه طلقا ناريا. بينما عزا البعض إطلاق الشرطة للنار على الطلاب إلى عصبية وقلة خبرة قائد رجال الشرطة يومها (زين العابدين عبد القادر). غير أن ذلك القائد الشرطي نفي لاحقا تلك التهمة في مقابلة صحفية له، وزعم أنه لم يأمر رجاله بإطلاق النار، ولكن بعضهم – كما قال - تصرف بتلقائية عندما أمروا طلابا كانوا يتقدمون نحوهم بالتوقف ولكنهم لم ينصاعوا للأمر.
وأوردت المؤلفة في كتابها سردا مختصرا لأحداث تلك الثورة وقالت إنها بدأت حركة طلابية محضة، غير أنها انتشرت فيما بعد بسرعة بين كل قطاعات الشعب. فما أن سرى نبأ مقتل أحمد القرشي طه عن طريق سائقي سيارات الأجرة (التاكسي) والقادمين من مركز المدينة حتى انتشر الخبر من بيت لبيت وتقاطر الكثيرون لمستشفى الخرطوم لمعرفة أخبار المصابين. وأوردت المؤلفة طرفة للشاعر محمد عبد الحي عن سماعه لنبأ إطلاق الرصاص في الساعة الثانية من صباح الخميس 22 أكتوبر من فم رجل سكران كان يهتف "حكومة ما في"!
وشهد نحو 30000 فردا مراسم تشييع القرشي في ميدان عبد المنعم، كان معظمهم من طلاب الجامعة والمدارس الثانوية والعمال والمهنيين، وكان من بين المشيعين بعضا من قادة العمل السياسي بالبلاد. وبعد أيام قليلة بدأ الأضراب السياسي العام الذي شمل غالب القطاعات إلا قطاعات خدمية قليلة كان يقوم عليها بعض الأجانب.
وتناول هذا الفصل أيضا التركيبة الاجتماعية لمن اشتركوا في مظاهرات أكتوبر. وتدل قائمة من قتلوا أو أصيبوا في أحداث الثورة على تلك التركيبة. كان كل هؤلاء من الذكور، وغالبهم من طلاب الجامعة والمدارس الثانوية وموظفي الخطوط الجوية السودانية وعمال مصنع النسيج (الياباني) في بحري. وكان كل هؤلاء من الشماليين (بحسب أسمائهم العربية) عدا رجل جنوبي واحد هو مبيور شول، العامل بجامعة الخرطوم. وشاركت طالبات الجامعة والثانويات في تلك الثورة، وتظاهرن مع الرجال، وكن يبعثن الحماس بالزغاريد المجلجلة. وقتلت امرأة واحدة في تلك الثورة وهي سيدة بخيتة مبارك، حينما كانت تتظاهر بين أطفالها وأحفادها، وتعرضت بعض النساء للإصابة في مظاهرات أكتوبر (من هؤلاء إحدى قائدات الاتحاد النسائي السوداني، السيدة محاسن عبد العال. المترجم).
وانتقلت الثورة إلى المناطق القريبة من الخرطوم مثل مدينة الحصاحيصا ومدني، ثم عمت كل مدن السودان مثل الفاشر وشندي ونيالا وسنار وبورتسودان وغيرها. وأتى من كسلا للخرطوم قطار ممتلئ بالمحتجين. ولم تكن المظاهرات في تلك المدن تحمل أي أجندة إقليمية، فقد كان المتظاهرون (وهم من ذات التركيبة الاجتماعية لمتظاهري العاصمة) ينادون بذات ما ينادي به المتظاهرون في الخرطوم من المطالبة بتنحى العسكر وعودة الديمقراطية. ولم يكن هنالك أي مظهر عرقي في كل مظاهرات أكتوبر عدا من خرجوا في الحصاحيصا وهم يحملون راية "الحلاوين بالحصاحيصا".
وتساءلت المؤلفة في ختام هذا الفصل عن كيف أن رجلا مثل حسن الترابي، والذي يعتقد الكثيرون أن كلمته في الندوة التي سبقت قيام الثورة كانت بمثابة "الشرارة التي أشعلت السهل" في اكتوبر 1964م، هو ذات الرجل الذي سيقوم لاحقا بلعب دور "مهندس" يحاول بناء دولة إسلامية في السودان، وينظَّر لثورات إسلامية في البلاد العربية. وتعتقد أن حل تلك المفارقة (الظاهرية) يكمن في أنه لا توجد في الحقيقة فروق محددة بين مختلف أنواع التحْشيد والتعبئة (mobilization) سواء أن كانت علمانية أو إسلامية.
وتخلص المؤلفة إلى أن ثورة اكتوبر ثورة علمانية (على الأقل ظاهريا)، ولا غرو، فلم يكن بها أي مظهر ديني بائن، وتقول إن تلك الثورة وقعت قبل أن تفقد الثورات العلمانية في العالم العربي مصداقيتها في أعين كثير من الناس، خاصة بعد هزيمة النظام الناصري في 1967م. ولم تحدث تلك الثورة في / من فراغ سياسي، فقد عمل الشيوعيون (وإلى حد أقل الإخوان المسلمون) على وضع الأساس لقيام تلك الثورة.
أما في الفصل الثالث فقد تناولت المؤلفة أدوار الأحزاب السياسية (الشيوعيين والإسلاميين والبعثيين والطائفيين) في ثورة 1964م وانتفاضة 1985م. وهنا سنستعرض هنا بعض ما جاء في هذا الفصل عن هذه الأحزاب في ثورة أكتوبر 1964م. لا تعتقد الكاتبة بصحة الاعتقاد السائد (بين العناصر اليمينة مثل الإخوان المسلمين) أن الحزب الشيوعي السوداني كان رافضا في البدء لثورة أكتوبر، وترى أنه من الصحيح القول أيضا بأن ذلك الحزب لم يكن هو من المحضر الأول أو الوحيد لتلك الثورة، رغم أنه استخدم جماهيريته الكبيرة في أوساط العمال والطلاب وصغار الضباط لإنجاح الثورة. أما جماهير الأحزاب الإسلامية (سواء التاريخية التقليدية الطائفية مثل الأمة / الأنصار أو الشعب الديمقراطي / الختمية، أو الأصولية الحديثة مثل جماعة الإخوان المسلمين) فقد شاركت وبقوة في أحداث ثورة أكتوبر بعد انطلاقها. ورغم أن الإخوان كانوا يسيطرون على اتحاد طلاب جامعة الخرطوم (حيث نشأت الثورة) إلا أنه لا يمكن القول بأن الإخوان أو الأحزاب التقليدية قد قامت بمفردها بإشعال فتيل ثورة أكتوبر. فجماهير هذه الأحزاب شاركوا (مثل الشيوعيين)، وعلى مستويات مختلفة، في الثورة بعد وقوعها، ولعبوا أدوارا مهمة في إنجاحها. غير أن الكل يجمع تقريبا على الدور البالغ الأهمية الذي لعبه حسن الترابي في أحداث الثورة. وتخلص المؤلفة إلى أن الترابي لا بد أن يكون قد أدى دوره في تلك الثورة بتنسيق تام مع زعماء جماعة الإخوان المسلمين الآخرين، وليس بمفرده، خلافا لما يدلي به هو نفسه من أحاديث تدل على تضخيمه لذاته self aggrandizing ولدوره، إذ أنه كان محاضرا أكاديميا بكلية القانون بجامعة الخرطوم ولم يكن رجلا سياسيا متفرغا عند قيام ثوة أكتوبر.
ولا تعتقد الكاتبة أنه من الإنصاف القول بأن الأحزاب التقليدية (مثل الأمة والاتحاد الديمقراطي أو الشعب الديمقراطي) جنت ثمار ثورة أكتوبر دون مشاركة نشطة فيها. فقد قدم الصادق المهدي زعيم حزب الأمة لمستشفى الخرطوم بعد ساعات قليلة من إطلاق النار على الطلاب في 21 أكتوبر، وأفلح في إقناع عائلة أحمد القرشي (الأنصارية) بتأييد المسيرات المظاهرات. وكان لوجود ممثل للختمية في اجتماعات "قبة المهدي" تأثير كبير على حفز الفريق عبود (صاحب الميول الختمية) للقبول لاحقا بالتخلي عن السلطة.
وتناولت المؤلفة في الفصل الرابع الأدوار المهمة التي قامت بها القوى الحديثة من طلاب ومهنيين ونقابات عمالية في ثورة أكتوبر 1964م (وكذلك في انتفاضة أبريل 1985م). فقد كان الطلاب هم من بادروا بإيقاد شرارتها ومواصلة التظاهر والاحتجاج، بينما تكفل الساسة والمهنيون والنقابيون (الأكثر نضجا) بإكمال تنفيذ مطلب الثورة بإسقاط نظام نوفمبر العسكري. ومثل طلاب جامعة الخرطوم (خاصة من نشطاء اليسار واليمين) رأس الرمح في تلك الثورة. وكان نشاط الطلاب المناوئ موجها في البدء ضد إدارة الجامعة ووزارة الداخلية، إلى أن تصاعدت الأحداث فانفجرت يوم 21 أكتوبر 1964م. وكانت من آثار تلك الثورة أنها ربطت بين الحياة الطلابية وساحة قضايا البلاد السياسة العامة، وبقي هذا واقع الحال حتى يومنا هذا. وظلت الجامعة هي مركز الحياة السياسية، ولا غرو، فمعظم خريجييها هم الوزراء وكبار موظفي الدولة.
ورغم أن الطلاب كانوا هم من أشعلوا فتيل الثورة، إلا أن العامل الحاسم فيها كان نشاط هيئات المهنيين، والذين كان دورهم في نجاح ثورة أكتوبر أكبر من ذلك الدور الذي لعبته النقابات بسبب صعوبة قهر السلطات العسكرية للمهنيين، بعكس ما يمكن لها فعله مع عمال النقابات. وكان أغلب المهنيين وهيئاتهم التي اشتركت في مناهضة حكم الفريق عبود من العلمانيين اليساريين أو الشيوعيين، إلا أن قسما صغيرا (ومؤثرا أيضا) منهم كان إسلامي التوجه.
أما الفصل الخامس فقد جاء تحت عنوان مثير وهو: "القوات المسلحة: هل هي حامية للشعب؟". وبدأت المؤلفة في هذا الفصل بذكر الشعارات المتداولة بين المتظاهرين في ثورتي السودان مثل "جيش واحد، وشعب واحد" و"الجيش لحماية الشعب". وذكرت أن قوى الأمن ظلت، وفي كل الأنظمة التي مرت بالبلاد، مرتبطة بالمجتمع ومنفتحة عليه وقابلة للتأثر به (socially porous). وتعتقد المؤلفة أن هذا القرب من الشعب هو الذي جعل لتلك القوى اسهاما مقدرا في ثوة أكتوبر وانتفاضة إبريل. وهذا يخالف ما هو معروف عن قوى الأمن في البلدان العربية الأخرى (مثل سوريا والعراق).
وتناولت الكاتبة دور الجيش في ثورة أكتوبر بعد فشل الشرطة في احتواء الموقف وعدم فعاليتها في إيقاف مد المظاهرات والإضرابات. وتناولت غضب رجال الشرطة من محاولة نظام عبود إلقاء اللوم عليهم في أحداث ليلة 21 أكتوبر بتحميلهم وزر إطلاق النيران على الطلاب دون صدور أوامر قانونية تخول لهم ذلك. وأوردت رأي أحد الأوربيين الذين شهدوا أحداث تلك الثورة من أن الشرطة كانت محطمة المعنويات تماما عندما حلت ليلة الجمعة 23 أكتوبر، فقد كان المتظاهرون يخطفون بسهولة مفرطة مكبرات الصوت من رجال الشرطة، ويشعلون النار في سياراتهم. ويذكر قليل من كبار السن الذين شهدوا تلك الثورة أن بعض رجال الشرطة كانوا يخلعون زيهم الرسمي في منازلهم ويخرجون في ملايس مدنية للمشاركة في المظاهرات الشعبية المناهضة للنظام، بينما امتنع أغلبهم عن إيذاء المتظاهرين مخافة العواقب القانونية أو الغضب الشعبي.
وأفردت الكاتبة في فصلها الخامس صفحتين عن عملية نشأة الفصائل السياسية في داخل القوات المسلحة، ولكنها لم تناقش فيه تلك القضية المهمة ضمن سياق ما حدث قبيل انتفاضة إبريل 1985م، ودون أن تسرد شيئا عن تاريخ تلك النشأة قبل ذلك التاريخ. فقد كانت لطائفتي الختمية والأنصار (وأحزابهما السياسية) بعض المناصرين من كبار الضباط. فحسب ما أوردته الكاتبة نقلا عن سفير بريطاني عمل بالسودان كان عبود وحسن بشير مثلا من "الختمية"، بينما كان أحمد عبد الوهاب متعاطفا مع حزب الأمة.
ولعب "الضباط الأحرار"، وبحسب فهم المؤلفة، دورا في ثورة أكتوبر اختلف الناس في تقويمه. فمنهم من يعتقد أن دورهم في "الوقوف إلى جانب الشعب" كان حاسما في إنهاء الحكم العسكري الأول بالبلاد، بينما يعتقد آخرون أن ذلك الدور كان دورا محسوبا ولا يخلو من رغبة "مؤجلة" في استلام السلطة لاحقا، بدليل أن هؤلاء "الضباط الأحرار" قاموا في 25 مايو 1969م بانقلاب على السلطة الشرعية التي يقول البعض أنهم عملوا على إعادتها لسدة الحكم. وتعتقد قلة من المراقبين أن بعض هؤلاء "الضباط الأحرار" ربما كانوا يفكرون في القيام بانقلاب عسكري على نظام عبود في غضون أيام تلك الثورة، حين بدا واضحا تضعضع ذلك النظام في نهايات شهر أكتوبر 1964م.
ولم تنس المؤلفة أن تشير إلى أن دور صغار "الضباط الأحرار" في ثورة أكتوبر (سواء أكان حقيقيا أم متخيلا) يجب ألا ينسينا الدور الذي لعبه كبار الضباط (من أمثال أحمد الباقر وعبد الرحيم عوض صغير ] وليس صغيرون كما ذكرت الكاتبة[ وغندور والشريف الحبيب) في التفاوض مع صغار الضباط (وكثير منهم من المتعاطفين مع القوميين العرب والشيوعيين)، ومع "ممثلي الشعب" المجتمعين في مبنى القيادة العامة للجيش، وفي قبة المهدي (في محاولة لتخطي "القوى الحديثة" وجبهة الهيئات بعناصرها اليسارية). وأشارت إلى أنه كانت لبعض أولئك الضباط العظام (مثل عمر الحاج موسى ومحمد إدريس عبد الله) صلات عائلية بطائفة الأنصار، وكان هذا مما سهل مهمتهم في مفاوضات قبة المهدي.
أما الفصل السادس والمعنون: " 1964 – 1965م – الحكومة الانتقالية: فرصة ضائعة؟" فقد تناول أمر الحقبة الانتقالية التي أعقبت نجاح ثورة أكتوبر وسقوط النظام الديكتاتوري العسكري الأول، والتي لم تعمر غير نصف عام. وكونت بعد نجاح الثورة حكومة قومية انتقالية (وصفتها الكاتبة بأنها "برجوازية") غلب على تكوينها اليسار السوداني (من شيوعيين ويساريين وقوميين عرب) إلا أنه لم يمثل فيها من العمال والمزارعين غير وزيرين هما الشفيع أحمد الشيخ والأمين محمد الأمين. ونادى "التقدميون" في جبهة الهيئات بمطالب عديدة لم تجد آذانا صاغية من "القوى التقليدية" شملت حل الإدارة الأهلية وسن سياسة للإصلاح الزراعي والالتزام بسياسة الحياد الإيجابي. وبدأت مصاعب الفترة الانتقالية من أول يوم سقط بعده النظام العسكري، عندما اقترحت جبهة الهيئات أن يكون رئيس الوزارة هو المحامي اليساري عابدين إسماعيل. ورفض ممثلو الأحزاب التقليدية ذلك المقترح، وتم الاتفاق في نهاية المطاف على القبول بسر الختم الخليفة رئيسا للوزارة. وتم تكوين حكومة انتقالية مثل حزب الأمة فيها محمد أحمد محجوب (وزيرا للخارجية) ومثل الحزب الوطني الاتحادي مبارك زروق (وزيرا للمالية). ومثل الحزب الشيوعي أحمد سليمان والشفيع أحمد الشيخ والأمين محمد الأمين. وتقلد عدد آخر من اليساريين مناصب وزراية مثل عابدين إسماعيل وموريس سدرة وطه بعشر وغيرهم. ونال القوميون العرب منصبا وزاريا واحدا (تقلده خلف الله بابكر وزيرا للإعلام).
وظل الفريق عبود رئيسا للبلاد بحسب الاتفاق بين العسكر وممثلي الأحزاب. وحاولت القوى المحافظة استغلال الفترة الانتقالية للتخلص من عناصر تنظيم "الضباط الأحرار" الذين ساهموا (كما هو شائع) في إسقاط نظام عبود، فحدثت مواجهة بين العسكر والمدنيين في 7/11/1964م حين أقدم الفريق عبود باعتقال سبعة من عناصر تنظيم "الضباط الأحرار" كان منهم جعفر نميري وفاروق حمد الله والرشيد نور الدين بتهمة التخطيط لانقلاب عسكري لصالح دولة أجنبية (لعلها مصر). غير أنه تبين أن السبب الحقيقي للاعتقال هو تقديم أولئك الضباط لمذكرة تطالب بفصل كل طغمة نظام 17 نوفمبر من القوات المسلحة. وأدان تنظيم "الضباط الأحرار" قرار الفريق عبود ووزع منشورات علنية مضادة له. وإثر ذلك اتصل زعيم الحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب بفاروق أبو عيسى وطلب منه لقيام بتعبئة جماهير "جبهة الهيئات" للاحتجاج على قرار عبود. وأتصل أبو عيسى بجعفر كرار وقادة "جبهة الهيئات" الآخرين لتعبئة الجماهير في دور السينما واستاد الخرطوم والأماكن الأخرى وإعلامهم بمحاولة القوى "الرجعية" القيام بانقلاب مضاد. وفي ذات الليلة اجتمع سر الختم الخليفة وكلمنت أمبورو وعابدين إسماعيل ومبارك زروق مع الفريق عبود للاحتجاج على قراره بفصل الضباط السبعة. وتحت ضغط الوزراء وجماهير "جبهة الهيئات" قبل عبود بإطلاق سراح أولئك الضباط المعتقلين، وقبل أيضا بفصل بعض طغمة الحكم العسكري من أمثال أحمد عبد الله أبارو وعباس محمد فضل وأحمد خير من الخدمة. وكان ذلك نصرا مبينا ل"جبهة الهيئات" ضد تصلب العسكر. وبعد يومين من تلك الحادثة (أي في يوم 9/11/1964م) سرت إشاعة بأن الضابط عثمان نصر (من سلاح الإشارة) يحضر للقيام بانقلاب على السلطة الديمقراطية الجديدة. فقامت "جبهة الهيئات" بالدعوة من إذاعة أمدرمان للتظاهر وحماية الثورة ووضع المتاريس حول دار الإذاعة وقفل جسري الخرطوم بحري وأدرمان لمنع الدبابات من الوصول للخرطوم. وسميت تلك الليلة ب "ليلة المتاريس" (ألف مبارك حسن خليفة نشيدا عنها غناه في ذات الأيام محمد الأمين. المترجم). وبعد ساعات ألقى سر الختم الخليفة بيانا من الإذاعة نفى فيه صحة أنباء الانقلاب، ودعا فيه الجماهير للعودة للمنازل. ولا تزال الحقيقة ضائعة تماما في صحة الزعم بأن عثمان نصر كان يحضر فعلا لانقلاب عسكري، فبينما كان يقول الشيوعيون (خاصة فاروق أبو عيسى) بذلك ويتهمون بعض ضباط سلاحي الإشارة والخدمة بالتخطيط للانقلاب بناء على معلومات استخبارات الحزب الشيوعي جاء في بعضها أن عثمان نصر خطب في جنوده ووعدهم بإعادة شرف القوات المسلحة الذي لطخه "الأفندية" في الوحل. غير أن آخرين كانوا يرون أن الأمر لا يعدو أن يكون محض تكتيك شيوعي، بينما كان الضابط محجوب برير يرى أن نبأ انقلاب عثمان نصر كان مجرد إشاعة، غير أنه برأ الحزب الشيوعي من تهمة إطلاقها، وقال بأنها خرجت من بعض صغار ضباط الجيش، والذين كانوا يرغبون في مزيد من "التطهير" في صفوف قادة الجيش.
ولم تطق "القوى التقليدية" على تلك الوزارة "اليسارية" صبرا فأجبر سر الختم الخليفة على الاستقالة وتكونت وزارة أخرى غلب عليها أهل اليمين بفضل حشود من الأنصار "غزت" الخرطوم قادمة من النيل الأبيض وكردفان والنيل الأزرق. وأصدر أحمد المهدي في يوم 16/2/ 1965م بيانا قال فيه بأن لحزب الأمة "القدرة على تغيير الحكومة، إلا أنهم يفضلون حلا مدنيا لحل الأزمة السياسية بالبلاد. وإن لم ينجح ذلك الحل السياسي فسيجد حزب الأمه نفسه مجبرا على استخدام القوة". وكرر نقد الله سكرتير عام الحزب ذات التهديد بجلب الأنصار من مناطق نفوذ الحزب بالأقاليم. وتم بالفعل في يوم 19/ 2/1965م حل الحكومة الانتقالية التي كان معظمها من اليسار، وتكونت تحت رئاسة سر الختم الخليفة حكومة "قومية" جديدة. وأعترف الصادق المهدي لاحقا (بحسب ما ذكرته المؤلفة) أن ذلك الأمر تم ب "حيلة دستورية" من صنعه، حين أتفق مع سر الختم الخليفة والتجاني الماحي رئيس مجلس السيادة على قيام التجاني الماحي بتولي زمام إدارة البلاد لفترة قصيرة، على أن يقوم بعد ذلك بإعادة تعيين سر الختم الخليفة رئيسا للوزراء وتكوين حكومة جديدة "أكثر اعتدالا".
وواجهت الحكومة الانتقالية مشاكل عديدة ومن جهات مختلفة، كان من أهمها مشكلة التطهير، والتي جلبت الكثير من الخلافات بين أحزاب السودان السياسية. وبرزت أيضا مشكلة الجنوب، والتي عقدت لها الحكومة مؤتمرا سمي "مؤتمر المائدة المستديرة" شاركت فيه الأحزاب السياسية الشمالية والجنوبية، وخرج بتوصيات لم يحظ معظمها بالتنفيذ. ووقعت في تلك الفترة الانتقالية أيضا أحداث يوم "الأحد الأسود" الشهير حين تأخرت طائرة كليمنت أمبورو وزارة الداخلية عن الوصول للخرطوم عن موعدها، فسرت بين جموع مستقبليه من الجنوبيين إشاعة مفادها أن تأخير وصول الوزير قد حدث بسبب اغتيال الجيش له في الجنوب. وعزز من تلك الإشاعات أن كليمنت أمبورو كان قد هاجم الجيش السوداني في زيارته تلك للجنوب هجوما قاسيا وأتهمه بارتكاب جرائم فظيعة في أوساط الجنوبيين، ووعد بتقصي تلك الجرائم وتقديم المتورطين فيها للمحاكمة. ووصف أحد المعلقين الأوربيين تلك المظاهرات الجنوبية يوم "الأحد الأسود" وما تلاها من أعمال انتقامية مضادة قام بها الشماليون بمثابة "إرجاع المهمشين في المناطق الطرفية للحرب ضد صفوة سكان المناطق النهرية في المدن".
أما الإدارة الأهلية فقد مثلت مشكلة عويصة أمام الحكومة الانتقالية، إذ كان من مطالب جماهير "القوى الحديثة" إلغائها، بعكس مطلب "القوى التقليدية" القاضي بالإبقاء عليها. وكانت الحكومة الانتقالية الأولى (والتي كان معظم وزرائها من "التقدميين) تسعى لإلغائها. وقدم الشفيع أحمد الشفيع وزير العمل مذكرة لمجلس الوزراء توصي بإلغائها بحسبانها من صنع المستعمر، والذي استخدمها من أجل كبح جماح الحركة الوطنية، وأبقى عليها النظام العسكري الديكتاتوري لمصلحته. وكانت الأحزاب اليسارية (وجبهة الميثاق الإسلامي والاتحاديين أيضا) ضد الإدارة الأهلية لتأييدها تقليديا لحزب الأمة في مناطق المزراعيين بالنيل الأبيض والنيل الأزرق.
وفي شأن الإدارة الأهلية أيضا أوردت الكاتبة حادثة وقعت في ديسمبر 1964م قام فيها 34 فردا من مجموعة أسمت نفسها "اللجنة المركزية لقبيلة المسيرية" بتقديم مذكرة للجنة التطهير الحكومية تطالب فيها تلك اللجنة بعزل ناظر القبيلة بابو نمر ومساعديه من كبار نظار القبيلة، وأتهمتهم بالفساد والارتباط بنظام عبود الديكتاتوري. وذكرت تلك المذكرة لجنة التطهير بأنهم "سودانيون ولهم الحق في اختيار من يرونه أحق بزعامتهم". وعلى ذات المنحى قامت مجموعة في الباسندة (قرب القضارف بشرق السودان) أيضا بالاحتجاج على زعماء الإدارة الأهلية بالمنطقة (من عائلة بكر). وزادت تلك المذكرات من البلبلة واللغط في شأن مصير الإدارة الأهلية.
كانت تلك هي بعض النقاط المهمة التي وردت في هذا الكتاب الغني بالمعلومات، والمستقاة من المصادر المكتوبة والشفاهية السودانية والأجنبية عن ثورة أكتوبر 1964م (وانتفاضة أبريل 185م). ولا ريب أن الكتاب يحتوي على أكثر مما حاولنا تلخيصه هنا إذ أنه حوى تحليلا عميقا للثورتين، وعقد مقارنة ذكية بين منشأهما ونتائج كل منهما. ولمزيد من التعليقات على هذا الكتاب يمكن الاطلاع على ما كتبه اليكس دو فال الخبير في الشأن السوداني هنا: http://africanarguments.org/2015/07/...y-alex-de-waal
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.