في الأنباء أن خبراء كشفوا عن استيراد البلاد ل(44) مليون جوز حذاء سنوياً ولموسم الأعياد فقط، وأبدوا استغرابهم ودهشتهم لهذا الرقم المهول من الأحذية، كما أبدوا أيضاً تأسفهم لهذا الحال في ظل امتلاك البلاد لثروة ضخمة من الجلود، ويقيني أن كل من طالع هذا الخبر قد علق عليه قائلاً بشكل لا إرادي (الكتراااابة الشي شنو)، ورغم أن هذا الخبر يبدو في ظاهره من عينة الأخبار الطريفة، ولكنه في حقيقته يعد خبراً صادماً ومؤسفاً، إذ كيف لبلاد تمتلك هذا الكم الهائل من الماشية والحيوانات البرية تستورد سنوياً ولموسم واحد فقط هذا الكم المهول الخرافي من الأحذية والبراطيش، وأين يذهب كل هذا الكم، هل ينتعله السودانيون حتى تصبح تجارة الأحذية رابحة ومجزية لهذا الحد، وحتى بافتراض صحة ذلك، فإن تعداد السودانيين عن بكرة أبيهم بمن فيهم المواليد والرضع، يقل عن الثلاثين مليوناً، مع ملاحظة أن غالب أهل هذا البلد من المزارعين والرعاة والعمال لا صلة لهم بهذه الحسبة، حيث إنهم يعتمدون بشكل كبير على الأحذية التقليدية المحلية من شاكلة (المراكيب وتموت تخلي التي تعرف أيضاً بالشقيانة وحاجة كافرة، وأم جنق التي يقول عنها عارفوها سيدها لابسها والكلب حارسها) وهلمجرا من هكذا أحذية، هذا غير عسر الحال الذي يكابده السواد الأعظم ويجعلهم في لهث دائم لتوفير لقمة تسد الرمق، فأين لمثلهم فائض لشراء حذاء مستورد عند كل عيد.. إننا في هذا الأمر نحتاج إلى استجلاء، فمثل هذا الكم الضخم من الأحذية يستورد ولموسم واحد فقط كفيل بإثارة الشكوك، اللهم إلا أن يكون المستهدف به تلك الحشرة أم أربعة وأربعين كراع... على ذكر الأحذية أذكر أن والي الخرطوم السابق كان قد شرف قبل نحو عامين ونصف العام، حفلاً أقيم لتدشين ما سمي ب(مشروعات تطوير الصناعات الجلدية) تحت شعار (لالوبنا ولا تمر الناس)، و(أم صلمبايتي ولا كدكاي زول)، وكان هدف ذاك المشروع هو توطين الصناعات الجلدية بالداخل (لا أدري ماذا فعل به الله الآن)، الراجح أنه لم يتعدَ مكان وزمان الحفل الذي أقيم من أجله، وانضم إلى قائمة شعارات الإنقاذ الطويلة التي ما تزال تراوح مكانها منذ إطلاقها قبل أكثر من ربع قرن، ومنها الشعار الطنان (نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع)، وكأنما كان هذا الشعار يقول الشيء ويعني نقيضه، فمنذ إطلاقه لم تشم البلاد عافية لا في زراعتها ولا صناعتها، إذ لم يحدث قط طوال هذا الزمن الممتد أن أكلنا مما نزرع، بل للمفارقة أصبحنا نستورد حتى الطماطم، ولم نلبس مما نصنع وإنما استجلبنا حتى الجلابية والطاقية من الصين، وعن القمح والسكر والفواكه والألبان حدث ولا حرج، وعن وعن وعن (أنسى بس)، وقول الحمد لله على النفس.. وصدق الشاعر المعارض الذي قال (كيف نلبس مما نصنع والمصنع ذاتو مشلّع).. [email protected]