مر مشروع الجزيرة خلال عمره المديد بعدد من المراحل والتطورات الى ان وصل الى ما وصل اليه من التدهور والانهيار. بدأت مواسم هجرة العمال من الشمال الى الجنوب بحثا عن العمل فى مشروع الجزيرة منذ امتداد نشاط الشركة الزراعية من الزيداب الى الجزيرة فى موسم 1914-1913م عندما تسلمت الشركة ادارة المشروع من مصلحة الزراعة التى كانت تدير التجربة الاستطلاعية الأولى التى امتدت فترة ادارتها حتى نهاية امتيازها . *يعد مشروع الجزيرة من اكبر مناطق جزب العمالة فى السودان من كل القبائل واصبح منطقة جزب للعمالة الأفريقية من عدة دول مجاورة للقيام بالعمليات الزراعية وجنى القطن ، وكان يوفر عملا لحوالى 7الف عامل وموظف وحوالى 114.400. من المزارعين . وجدير بالذكر ان معظم العمال والموظفين تم تشريدهم بعد قانون 2005م . بدأت معاناة العمال والموظفين والمزارعين فى مشروع الجزيرة ببداية سياسات التحرير التى انتهجتها الحكومة مثلما تأثر كل القطاع الزراعى من حزمة السياسات التى اعلنتها فى 22/فبراير1992م . لقد كانت جميع مدخلات مشروع الجزيرة تستورد حتى فبراير 1992م وتعامل بسعر الصرف الرسمى ومع تعويم الجنيه ارتفع دولار الجمارك بالنسبة لمدخلات المشروع من 12 جنيها الى 90 جنيها للدولار . وتصاعدت بنفس المستوى كل عناصر التكلفة الداخلية من عمال وترحيل ونقل . كما تصاعدت اسعار السلع الاستهلاكية بالنسبة للزراع . وقد نتج عن ذلك اضعاف دور المزارع فى تجويد العمليات الزراعية ورفع الانتاجية لتتماشى مع الارتفاع فى التكاليف . وظل هذا المشهد يتكرر مع كل حصاد فى السنوات التالية واخذت المساحات تتقلص رويدا رويدا بالتوازى مع اليأس والاحباط الذى اصاب المزارعين . وبسبب ذلك فقد انخفضت القوة الشرائية للاجور وتقلص مستوى الاستهلاك وقاد ذلك بدوره الى خفض الطلب على السلع الغذائية والزراعية وانعكس ذلك بدوره على معدلات الفقر والتى طالت نحو 95% من السكان وفقا لبعض الدراسات . * القانون المجحف سئ الصيت والسمعة قانون مشروع الجزيرة للعام 2005م ادخل تغييرات جزرية على وضعية المشروع وعلى نمط الادارة والانتاج .وذلك بالغائه لقانون عام 1984م وحلوله مكانه . كما الغى ايضا قانون اراضى الجزيرة لعام 1927م . ويعرف القانون فى المادة (4) مشروع الجزيرة بأنه مشروع اقتصادى اجتماعى ذو نشاط متنوع يتمتع برعاية قومية للتنمية ، وله شخصية اعتبارية مستقلة اداريا وماليا وفنيا وصفة تعاقبية مستديمة وخاتم عام وله حق التقاضى باسمه .فقد الغى القانون كل ذلك بجرة قلم دون ادنى دراسة لعواقبه ونتائجه. *من اكبر الماسى التى خلفها قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005م خصخصة الاصول وتشريد العاملين فى مؤسساته التى تمت تصفيتها من المحالج والبحوث الزراعية والسكة حديد والرى وتفريخ الالاف من المسرحين من الخدمة والمهيكلين بالغاء الوظائف مما اثر بصورة مباشرة على التركيبة الاجتماعية فى مشروع الجزيرة وتفريخ اعداد كبيرة من العاطلين عن العمل كانو يعولون الاف الاسر التى فقدت عون عائليها واصبحت ترزح فى الفقر والعوز بسبب هذه السياسات الكارثية التى غيرت البنية الاجتماعية والاقتصادية فى المشروع ودفعت ابنائه الى هجر الوطن والقرى والمدن فى سبيل البحث عن لقمة العيش فى العاصمة الخرطوم وفى مدن اخرى فى مهن هامشية لاتسمن ولا تغنى من جوع . بعد ان تحولت ارض المشروع الى جثة . وتشرد العاملين . * ان مشروع الجزيرة تحطم بكل مافيه بسبب قانون 2005م الذى حول الجزيرة الى خراب وشرد الكفاءات والخبرات ما انعكس بصورة مباشرة على اداء المشروع فتمت تصفية الاصول والخبرات وتحولت القنوات الفرعية الى روابط المياه والشركات الخاصة ، دون دراية فنية ما ادى الى التدهور المريع فى المشروع بعد تشريد الكفاءات واصبحت الخزانات والترع تحفر دون معرفة ودراية وباتت عميقة جدا نتيجة لاستخراج الطمى بصورة عشوائية وتراكمه فى الترع بصورة اشبه بالتلال الامر الذى اثر على الحيوانات واصبحت غير قادرة على الشرب من هذه الترع بعد ان غدت المياه بعيدة وعميقة بسبب الحفر الجائر وبسبب قانون الخراب والدمار لأول مرة فى تاريخه يروى المشروع بالطلمبات التى انتشرت كما النار فى الهشيم فى المواجر والخزانات والترع بعد ان كان المشروع يروى بالرى الانسيابى وهذا ادى الى مضاعفة التكلفة على المزارع وذلك بدخول الجاز فى التكلفة الجديدة غير التكاليف الباهظة التى القت بها الحكومة الاقطاعية على ظهر المزارع . بعد تدهور المشروع ووصوله الى ما وصل اليه انهارت الصناعات الغذائية وصناعة الغزل والنسيج التى اصبحت اثرا بعد عين وصارت مبانيها اطلالا ينعق عليها البوم . الامر الذى ادى الى تشريد العديد من الاسر التى تعتمد فى دخلها على العمل بتلك المصانع . كما افرز انهيار المشروع الفقر والبطالة فى مجتمع المنطقة مما ساعد فى تفشى الظواهر السالبة فى المجتمع وازدياد معدلات الجريمة وهذا يعد مهددا لامن ذلك المجتمع. * مشروع الجزيرة استقطب العديد من السحنات والقبائل من مختلف انحاء البلاد يجمعهم المشروع ويعتمدون عليه فى دخولهم وبتدهور المشروع كان متوقعا ان تظهر الأختلافان والخلافات بين هذه المجموعات وهذا مهدد كبير لامن مجتمع وانسان الجزيرة وهذا ماكان يصبو اليه صائغو القانون فى تقسيم مجتمع الجزيرة وضرب نسيجه الاجتماعى بضرت ماكينة انتاجهم وسلة عيشهم ولكن الجزيرة عصية على الخنوع والركوع لسياسات الدمار والخراب الممنهج وبدا اكثر تماسكا وتكاتفا وتعاضضا فى لحمته الاجتماعية. . [email protected]