اطلعت على قوانين السودان ووجدت أن هناك كمية من المجلدات التى تزخر بها أدراج ودواليب الدولة السودانية لم تترك شاردة ولا واردة بلا قانون، إن ذكرت أسماء تلك المجلدات فقط لن يسعها هذا العمود عشر مرات، فهي كثيرة جدًا وتكفي لجعل السودان قادرًا على قفل كل أبواب الإجرام بالدرجة التي تجعل الدولة تأمن شر الفساد، و إن التزمت الحكومة بتطبيق تلك القوانين لما واجهت ما تواجهه اليوم. صحيح أن هناك أخطاء تشريعية كثيرة وقوانين تحتاج إلى إعادة نظر لأنها موضوعة من قبل بشر وفي ظروف وأزمان مختلفة، ولكن التطبيق هو من يكشف الخلل فيها ويمنحها التطور من خلال إعادة النظر والتعديل لتظل تواكب التغيرات وتناسب المجتمع والزمن. . إهمال تطبيق القوانين بشكل شبه كامل لزمن طويل جعل البلد تبدو وكأنها لم تر قانونًا يومًا، هذا الوضع جعل السودان واحدًا من أكثر دول العالم فسادًا، ومع أن الأمر يحتاج فقط إلى مراجعة تطبيق القوانين في كافة المجالات وإعادة تفعيلها والقيام بثورة قانونية تعيد الروح للقوانين الميتة وتنعش الضعيفة خاصة في المؤسسات الخدمية ومن ثم تطويرها، إلا أن الحكومة تمضي في طريق أطول وأصعب وأخطر، فكل مرة تقترح تأسيس مفوضية أو وهيئة وتضع لها قوانين لتسيطر على فوضى الفساد التي هي نتيجة حتمية لضعف أو غياب تطبيق القوانين. لقد سبق وأن تم تأسيس مفوضية للفساد ووضع لها قانون، ويبدو أن هذا النهج سيستمر وسيتوالي تأسيس الأجسام التي تبحث عن قوانين جديدة يعتقد أنها قوية لتؤدي مهمة قوانين موجودة أصلاً، مع أن الضعف ليس في القوانين وإنما في الأجهزة التى تطبقه وتنفذه. حماية المستهلك واحدة من الصعوبات والمشكلات التي تواجهها الحكومة نتجت عن غياب دور القانون الفاعل في ضبط السوق والتجارة مما جعل البلد تضربها فوضى عارمة فيما يتعلق بأمر السلع عمومًا. وزارة التجارة اعترفت بتضارب الأسعار وإغراق الأسواق بسلع رديئة الصنع. وكشف صلاح محمد الحسن، وزير التجارة، في تصريحات صحفية، بعد اجتماعه بلجنة الشؤون الاقتصادية في البرلمان عن صدور قرار قضى بإنشاء هيئة لحماية المستهلك لوضع حد لانفلات الأسعار في الأسواق السودانية. وقال إن الهيئة ستختص بمراقبة الأسواق وضبط الأسعار وضمان جودة المنتجات وإحكام الرقابة على المواد الغذائية. السؤال الذي يفرض نفسه هنا هل السودان ظل طيلة الفترة السابقة لا يملك قوانين تقوم بهذه المهمة التى ذكرها الوزير، قطعًا لا فهناك قانون لحماية المستهلك وحتى القانون نفسه لا يمكن أن يحمي المستهلك لوحده وفي ظل تعطل قوانين أخرى كثيرة تصب في نفس الاتجاه، على سبيل المثال لا الحصر، قانون الصحة العامة، قانون السلامة الحيوية، قانون حماية البيئة وقانون المنافسة ومنع الاحتكار وقانون المهن الطبية وقانون المواصفات والمقاييس الذي يحتوى على ستة فصول وغيرها من القوانين التي يجب أن تعمل حتى تكتمل المنظومة التي تحمي المستلك. لا يمكن للدولة أن تسيطر على أي فساد في ظل تعطل المئات من القوانين، وتطبيق أي قانون في مجال واحد دون المجالات الأخرى لن يحل مشكلة، إما أن تسعى الحكومة لحل متكامل أو إنها ستظل حكومة فاسدة لأن الأمر يعتمد على سياستها هي فقط . التيار