عدة عمارات متفرقة ومتحدة الشكل والتصميم شكلت مباني ومقار وسكن منسوبي البعثة التعليمية المصرية بالسودان، انتثرت العمارات داخل حيشان كبيرة من الناحية الشمالية لمنطقة الخرطوم غرب،البعثة كانت مسئولة عن المدارس المصرية المنتشرة بالخرطوم (مدرسة جمال عبد الناصر- الكلية القبطية بشقيها- مدرسة أحمد حسن عبد المنعم النموذجية- المدرسة المصرية بالشجرة) وبعض المدارس بالولايات، وكذلك تقع تحت إدارتها جامعة القاهرة(الفرع) وما أدراك ما الفرع؟؟؟؟؟. أضافت المدارس المصرية الكثير للسودانيين أكاديمياً وثقافياً حيث جاءت بمناهج مختلفة عن المناهج السودانية وبأساتذة غريبي السمت واللسان وكانت إثراءاً للحياة بالوطن وكان للمدارس المصرية منهج ظريف لم نره في مدارسنا، كانت بداية اليوم الدراسى بطابور الصباح الذي تصحبه فرقة موسيقية فيردد التلاميذ الأناشيد والنشيد الوطني بصورة جميلة مصحوباً بالموسيقي،، كذلك كان يوجد بالمدارس المصرية مايسمي بالمرشد النفسي، وكانت مهمته متابعة الجوانب النفسية للتلاميذ والتدخل عند ظهور إختلالات لدي التلميذ ربما يكون مردها مشاكل أسرية، وكان همه الأول تهيئة التلميذ نفسياً للدراسة والنجاح والتفوق وحسم كل مايعيق ذلك من مشكلات، ينتقل بعدها التلميذ لمدرسة جمال عبد الناصر التي اول ما يبهر فيها الشكل الجميل الذي شيدت به من حجر الجرانيت وكونها طابقين شئ مختلف في نمط مدارسنا،وبها شعب للرياضة والفنون والموسيقى وبها المعامل والمكتبة ويجد الطلاب البيئة المهيئة والنظام المتكامل مما يساعد على الدراسة وتحيط بالفناء الداخلي الأشجار الوارفة إحاطت السوار بالمعصم. وبعدها ينتقل الطالب لجامعة القاهرة فرع الخرطوم((الفرع)) التي ينهل من معينها مختلف العلوم الطبيعية والانسانية، بدأت الجامعة بثلاث كليات شهيرة(القانون- الآداب- التجارة)، وأتت بعدها (كلية العلوم)، التي بنتها شركة مصر لإعمال الأسمنت المسلح، إشتهر طلابها بالفراعة ورفد المصريين الجامعة بعلماء علي مستوي عالي جداً فتفانوا مع الطلاب وبادلوهم حباً بحب ، والكثير من أبناء بلادي الذين تخرجوا من تلك الكليات وجدوا لهم فرص عملية طيبة بالوطن وخارجه خاصة أن المنهج كان قوياً وخاصة طلاب كلية القانون الذين تبؤوا أعلي المناصب القانونية والعدلية بالدولة ولا زال الكثيرون منهم يقدمون حتى الآن وقام على إدارة الجامعة أفضل العلماء من دولة مصر لازال أبناءهم الطلاب يذكرونهم بالخير.ومن المشاهد المرتبطة بالذاكرة وجود عدد من الحاجّات يبعن سندوتشات الطعمية والسلطة بالشطة ويتكئن على بنابر جنوب كلية القانون مباشرةً ووالله لم آكل في حياتي طعمية أشهى من التي أكلتها هناك، جامعة القاهرة فرع الخرطوم حياة كاملة أتاح سكننا بالقرب منها فرصة كافية للإضطلاع علي كل هذا الجو الذي خلقه تواجد البعثة المصرية حولنا ولا زلت أذكر أن أول مسجد بالمنطقة شيّد داخل البعثة من الناحية الشمالية وكان يؤمه عدد مقدر من أبناء المنطقة للصلاة ومن بعده تم بناء المسجد الكبير مسجد كلية الآداب الذي لازال قائماًوكان إمام الجمعة فيه عمنا وشيخناالوالد(سراج النور قرافي) متعه الله بالصحة والعافية. حتي صناديق الكتب وجدت لها متكئاً علي أسطح الرواكيب والسقوفات بالقشلاق واحدة من ركائز الوحدة المقترحة بين البلدين كانت العملية التعليمية،لكن وللأسف هناك مآخذ علي دور البعثة التعليمية بالسودان من ضمنها القول أنها كانت معقلاً للمخابرات المصرية، أكثر المتشائمين يقول أن كل إصطاف البعثة كان من المخابرات...وللأسف دائماً نظرة المصريين للسودانيين إستعلائية وحتي العلاقات السياسية بين البلدين بعدها ليس سياسي في مصر إنما (مخابراتي)، لذلك توتر العلاقة بين شطري وادي النيل أكثر من إستقرارها للأسف. نحن إلي تلكم الأيام التي شهدنا بهجتها وتنفسنا عبير الود فيها وكانت منطقة غرب عامةً تضج بالحنية والنشاط والحيوية، وعاش الناس الفرح والشقاوة الحلوة وعلم الناس أي دنيا فقدوها بعدما رمت بهم الحياة علي أرصفة الأحياء الأخري والبعض يتنكب الطرقات بالمهجر، التحية لتلكم الأيام التي منحتنا الإبتسامة والأمل .وأتوق لينابيع شعر، تتهيأ مفردات الحب فيها للتحليق بعيداً داخل أحلامي وأشواق يضحك الفجر لها وتضمها مدائن الفرح. [email protected]