صديقنا تكاوى بدأ حياته نقاشا في المورده وعندما صارالغناء والعزف مصدرا للرزق صار تكاوى عازف دربكه ثم "بنقز" مثل خميس مقدم وخميس بنقز وآخرين. وانضم إليهم إبراهيم سميرالمعروف بإبراهيم "كُتبا". وسمى ب "كُتبا" لأنه كان يشبه عازف الكمان المتوفي إبراهيم كتبا عضو نقابة النقل الميكانيكي وأخ صديقي مصطفى كتبا "الريفي" من أعلام المورده. في بداية الستينات كان شباب المورده قد درجوا على الاجتماع صباح كل جمعه أمام محل العم عثمان "السُكي" إما لشراء السمك المحمر أو لمقابلة الأصدقاء واستعراض آخر صيحات الموضه من توتو الخياط. وفجأت بدأ تكاوى يظهر بالبنطلون الأبيض والقميص الأبيض والجزمة الكشف الرومانية اللامعه ويطلب سمكا باثنين جنيه وثلاث جنيهات ويأخذ تاكسيا إلى نادي الفنانين السابق بالقرب من الإذاعة. كان أغلب العازفين والفنانين يوصون تكاوى بعد "العداد" يوم الخميس على سمك من السكى لأنه ابن المورده. وأعجب العم عثمان بالشاب الأنيق الذي يشتري سمكا بثروة كل مرة ويبدو مؤدبا فسأله "انت شغال شنو يا ابني؟" فرد تكاوى بكل ثقة "ضابط ايقاع". وفي أيام عبود كان للضباط هيبة "اهلا اهلا جنابو" صار العم عثمان كلما يحضر تكاوى يصرخ "أهلاً جنابو اتفضل جنابو كيف حالك جنابو؟ وسع يا ابن الكلب خلي جنابو يقرب" واستمر هذا الحال لمدة طويله إلى أن ذهب العم عثمان يوماً إلى حفل ليجد تكاوى طابى الطبله فسأله: "ده شنو يا جنابو؟ بتعمل شنو يا جنابو؟" فقال الشاب: "ما هو أنا ضابط إيقاع ده شغلي" فردّ عليه العم عثمان: "ضابط إيقاع يا ابن الكلب ما تقول لي بتاع دربكه؟". عثمان طه من أشهر شخصيات المورده - أمدرمان، يدخل كل المكاتب وله اتصالات بكل الكبار من الوزراء إلى الرؤساء .. عبدالله خليل وازهري. يركب كل المواصلات مجانا لا يدفع حتى للتاكسي لأنه كان صاحب عربة تاكسي في يوم من الأيام. صديقه الحميم كان حمد النيل ضيف الله قائد الجيش السوداني منهما ابن يحمل اسم الآخر كما كان يدخل دار الرياضه مجاناً ويتنقل من اللوج إلى الشعب بحرية. عثمان طه كان يفرض اتاوة على كثير من أبناء أمدرمان يدفعونها عن طيبة خاطر. وعندما ذهب مرة لزيارة صديقي عبدالرزاق اسحق في الجوازات "الآن بجدة" في نهاية الشهر، قدم له عبدالرزاق 50 قرشا فنظر إليه عثمان طه شذرا وقال "هات الجنيه إذا ما بتقدروا تدفعوا بتتسلفو ليه؟" ودفع عبدالرزاق صاغرا وبعد مدة لام عبدالرزاق عثمان طه قائلاً "كيف تحرجني قدام زملائي في المكتب؟" فرد عليه عثمان طه قائلاً "وكيف ترضى تحرجني أنا عثمان طه قدام زملائك تديني 50 قرشاً؟" وبعدها صار عبدالرزاق لا يقدم له أقل من الجنيه. عثمان طه كان يحب النظافة والأناقة، لا يلبس إلا الجميل من الملابس والأحذية وحتى عندما اختف صابون اللوكس أيام حكم عبدالله خليل كان يحضر إلى النيل أمام الطابيه بصابونة لوكس جديدة كل مرة يخلصها بكاملها على جسمهم. كثير من رجال المورده كانوا يفضلون الاستحمام في النيل عند الأماسي. كانت بينه وبين "شامبي" مناكفات ومعاكسات وبما أن شامبي كان محبا للأناقة فكانا يتنافسان. وفي قهوة أبي ضهير قال عثمان طه مرة: "أنا في حياتي ما لبست دموريه ولا في كمر البنطلون. كمر بنطلوني والجيوب بوبلين" فرد شامبي قائلا "أنا سروالي بوبلين" وكشف عن سروال فاخر من البوبلين فاستأذن عثمان طه وأوقف أول تاكسي وذهب به من فوره إلى السوق الكبير لكي يرجع مرتدياً سروالا من السكروته. العم خضر رحمة الله إلياس "الحاوي" كان يدخل السينما الوطنية يوميا الدور الأول والثاني وطبعا لوج بدون أن يدفع وعندما بنو سينما أمدرمان صار يختار بين الاثنين. الغريب أنه ما إن يبدأ الفيلم حتى يشنق العم خضر عمته وينام وبعد نهاية الدور الثاني يذهب إلى مقهى يوسف الفكي ويمكث إلى الساعة الواحدة والنصف صباحا وبعد ذلك يذهب إلى المنزل لكي يسهر حتى الصباح. المثل السوداني يقول "ود ابن ذهانه يأكل في اللوكونده وينوم في الجامع" عمنا خضر كان يسهر في البيت وينام في السينما. العم خضر كان يجوب كل أمدرمان على دراجته وفي بعض الأحيان الخرطوم وعندما تكون دراجته في حاجة إلى تصليح كان يحضرها إلى أصحابي العجلاتيه في ميدان البوسته وحينها كانوا يتركون أي عمل آخر ويصلحون دراجة العم خضر في الأول ولا يتقاضى منه نقودا بل كثيرا من الشتائم على سبيل المزاح. في إحدى المرات أوقف العم خضر صاحب تاكسي وفتح الباب ثم انشغل في حديث مع أحد الماره، وأقفل الباب لكي يواصل حديثه فظن سائق التاكسي أن العم خضر قد ركب فانطلق وعندما وصل وجهته التفت فلم يجد عم خضر فظن أنها احدى خدع العم خضر الحاوي. فقام بقفل زجاج السيارة والأبواب ورجع إلى المقهى وصار يصرخ "عم خضر زاغ مني كان راكب معاي فجأة لقيته مافي. عم خضر كان ام عاوز يدفع لي مامهم بس ما يجنني أنا عندي أولاد". العم النصري حمزه المربي الكبير كان المديرا لمالي لمدارس الأحفاد. عند دفع المصروفات كان يقول لحسين ابن خضر الحاوي "تجينيآخر زول" وعندما ينتهي الجميع يفتح درجا خاصا ويقول لحسين "فلوس أبوك دي أنا ما ضامنها ما بدخلها الخزنة مع قروش أولاد الناس، تجيني بكره للوصل" وبعد أن يتأكد العم النصي حمزه أنا لفلوس لم تنقلب إلى ورق يعطي حسين الوصل. وبعد سنين قابل العم النصري حمزه حسين فقال له: "أنا ما ارتحت إلا لماأنت خليت المدرسة، قروش أبوك دي ما معروفة يطلعها قدامك فلوس يفرها ورق". التجاني كان الفراش المسئول عن البوسته والحوالات والذهاب إلى البنك بالشيكات الخ.. في مدارس الأحفاد. في إحدى المرات اختفى مبلغ اثنين جنيه مما جعل العم ميلاد المحاسب يغلظ في القول للتجاني الذي رد بأنها غلطة العم ميلاد. وقال العم ميلاد بأنه اشتغل في حكومة السودان ثلاثين عاما ولم يضيع مليما واحدا وكان رد التجاني بأنه اشتغلب في المركب ثلاثين عاما وما راحت طروره واحدة. ويختتم حديثه مؤكداً: وما الأصعب المحافظة على الدفاتر والفلوس أم الطرور؟ العم النصري حمزه اتصل بمدير البوسته.. وفي نهاية اليوم جُردت الخزينة فوجدوا أنها زائدة اتنين جنيه أُعيدت إليه ورد اعتباره. وقتها كانت الأمانة متوفره ومكاتب حكومة السودان تمشى كالساعة. صديقي وأخي الأكبر عبدالقادر الجزولي الترزي في المورده كان صاحب مزاج خاص جدا. له مركب صغير من الحراز بألوان زاهية يستقلها في الأمسيات مع صديقه "الكي" بمنقد صغير ومبخر للاسترخاء والتدخين والشاي المظبوط. عندما كان أخوانا الجنوبيين يحضرون لدكان عبدالقادر كان لقصر قامته يطلب منهم الاستلقاء علىالأرض لأخذ المقاسات. وكانت لعبدالقادر "قله" جميله بغطاء من "التل" يبخرها بالمستكه مما جعلها قبلة للجميع وعندما تعب عبدالقادر من الناس ركل القله وكسرها، وذهب إلى النيل واشترى قله جديدة وفي الطريق مر على الذين يرسلون أبناءهم لاحضار الماء من قلته. وطلب منهم حضور تدشين القله الجديدة أو "تعتيقها" ولدهشة الجميع رفع عبدالقادر جلبابه وعتق القله. صار الجميع بعدها عندما يرسلون أبناءهم لاحضار الماء البارد يشددون على أبنائهم قائلين "أوعك تمشي لقلة عبدالقادر الجزولي" عبدالقادر الجزولي هو عم إبراهيم الجزولي عازف الكمان والمخرج السينمائي بالخليج وتشيكوسلوفاكيا والاثنان يتمتعان بخفة الدم. الطاهر الكبجه شخص بسيط طيب يبيع الشخت وهي الشحوم التي تلتصق بها قطع رفيعه من اللحم تباع في "الجزُر" للفقراء وفي أحد الأيام كان العمل جيدا واستلم الكبجه 25 قرشا "طراده" إلا أنها اختفت وصار الكبجه يطوف كل سوق الشدرة "شجرة آدم" وكان يسأل النساء "يا خاله ما اشتريتي مني شخت فيهو طراده؟" وترك عمله وتفرغ للسؤال عن الطراده. وصار البعض يقول عندما يجد الانسان في البحث "اصلك كايس طرادة الكبجه؟". العم خضر الحاول استيقظ مذعورا على صوت طرق عنيفاً على الباب في فترة القيلوله وكان الطارق أحد الذين يطلق عليهم في مصر لقب الرفاعيه ويخرجون الثعابين من البيوت وفي العادة يحضرون الثعابين معهم، فسمح له العم خضر بمزاولة عمله وبعد فترة قصيرة جلس الرجل على الأرض محتاراً لأن ثعابينه قد اختفت في منزل خضر الحاوي الذي قضى عشرة سنين في الهند والسند وبورما والملايو.. الخ وتعلم السحر والموسيقى وترقيص الثعابين وبعد أن أخذ العم خضر وعدا من الرجال بأن لا يحضر للحلة مرة أخرى وأن لا يزعج الناس في فترة راحتهم أرجع له ثعابينه. الأخ سينا ذهب لصاحب دكان فطلب منه قائلاً: "ادينا دفتر". ولم يفهم صاحب الدكان المطلوب. فأعطاه كراسة فسأله سينا إذا كان عنده قلم. وعندما استلم القلم قال لصاحب الدكان "بعد ده اديني إملا". [email protected]