لا يعاني الشوق إلا من كابده، ولا يشعر بالغربة والحنين إلا من عاشها وتجّرع لحظاتها، ولا يحس بالألم إلا من تذوق مرّ ضرباته وطعناته، لذلك لن يشعر أحد بما يقاسيه ابناء السودان وهم يعانون الغربة والحنين بعد أكثر من خمسة وعشرون عاما على بعدهم عن ديارهم ولكن يبقى ما خفي أكبر وأعظم، فمع كل لحظة تكبر الغربة وتزداد أنات الحنين، فالوطن ما يزال مسلوب الارادة، والساعات تسير وتسير سنوات الغربة عن السودان امتدت، وتلتها الأعوام والأيام والشهور...، غربة تمثلت بحنين إلى وطن يشكل له جذور متأصلة بأرضه، وحكايات سمعها من أهله، أو ربما عاشها بنفسه، ولكنها تبقى بعدا عن الوطن في كل الحالات، يرتبط الحنين ارتباطا وثيقا بالغربة فعندما يبتعد الإنسان عن مكان ما، يشعر بحنين إليه، ويشتاق لكل ما فيه كما قال الشاعر في قصيدته التي يحكي فيها عن جزء بسيط مما يعانيه المغترب (غربة الوطن والحنين اليه( رقص التذكُّر والنّوى ناداني = حَنَّ الفؤاد لموطن ٍ آواني الأهل فيه وصُحبتي وأحبتي = والدارُ لا أنسى مَعَ الجيران ِ في كُلّ يوم ٍ موطني في خاطري = والقلبُ يَخفِقُ دائمَ التَّحْنان ِ لا المالُ يُنسي أنَّني متغربٌ = كُلُّ النعيم فلا أرى أنْساني لو عشت ُ في أدنى الخيام ِ بموطني = لَيَفوقُ عندي أرفعَ البنيان ِ مُتَغَرِّب ٌبالجسم أحيا غُرْبتي = وهناك في وطن ِ الجدود ِ جَناني في كُلِّ رُكْنٍ لي هنالك قصة ٌ = في مسجدي في حَلْقة ِ القرآن ِ في نزهة ٍ حيث الورودُ أشمها = قَطْفُ الثمار ِ هناك في البستان ِ في سَهْرة ٍ مَعَ أسْرتي وأقاربي =في مجلس ٍ للصَحْب والخلان ِ في سَفْرَةٍ مُتجولٌ في موطني = وزيارة ٌ للبحر والشُْطآن ِ أين الْتَفَتُّ ولو لحبة ِ رملة ٍ = مهما ذكرتُ تَهَيَّجتْ أشجاني خيرُ التأسّي بالحبيب محمد ٍ = بالحزن وَدَّعَ خيرَة َ البلدان ِ وكذا الصحابة كان بَوْحُ حنينهمْ = عند التغربِ مكة الرحمن ِ عادوا إليها بعد طول ِ غيابهمْ = والفتح ُ جاءَ بساحة ِ الميدان ِ لا بُدَّ من بَعْدِ الغياب ِ لعودةٍ = وترى التعانقَ طاب بالأحضان ِ يا ربِّ أرجعنا كما أرجعتهمْ = واختم ْ لنا بالأمن ِ والإيمان ِ ويقولُ بعضُ الصَّحْبِ مالَكَ شارد ٌ = في الذهن أنْت بغالبِ الأحيان ِ فأجبْتُهُمْ وطني بكلِّ دقيقة ٍ = أحياهُ حتى في المنام أتاني إني لَمُشْتاقٌ ولكن صابرٌ = لولا التَّصبّرُ بُعْدُهُ أذواني يا أيها الوطن العزيز الا اصْطبرْ= لا بُدَّ أن ْ ألقاكَ أوْ تلقاني لا شئَ في هذا الوجود بخالدٍ = إلا الاله وما له مِنْ ثان ِ ذو الْعُسْر ِ لَمْ يَبْقَِ الحياة َ بِعُسْرِهِ =وأخو الهموم ِ مفارقُ الأحزان ِ اللهُ يَحْكُم ُلا يُبَدَّلُ حُكْمُه ُ = حُكْمٌ مَعَ الأيام ِ والأزمان ِ فالنفسُ آمِلَة ٌ وإني ناظرٌ = لليوم ِ فيه أعودُ للأوطان ِ الحبُّ للأوطان ِ فَرْض ٌ جازمٌ = والحُبُّ هذا فِطْرة ُ الإنسان ِ وا حسرتا مِمَّن له هو بائع ٌ = وا خَيْبَة ً مِنْ ذلك الخوان ِ الحُرّ ُ يَأبى أنْ يبيعَ حبيبه ُ = لو كان مهما كان من أثمان ِِ الحُرّ لا يرضى ببيع ٍ آثم ٍ = هذا وربي أقبحُ النُّكْران ِ وطني الحبيب فلا ولَسْت ُ أبيعُهُ = لا والذي من نطفة ٍ سَوّاني ووصيتي دفني به هِيَ مُنْيَتي = من أجل ذاك مُجَهِّزٌ أكفاني واسمعْ لدرس ٍ في الختامِ وعبرةٍ = ما أسعد َ الغُرَباء في الإيمان ِ كُنْ كالغريبِ رسولُنا قد قالها = هذي الدّنا لَيْسَتْ بِدار أمان ِ وَيْحَ ابنُ آدم َ أيْنَ حَلَّ بِغُرْبَةٍ = لا دارَ الا جنة الرِّضْوان ِ فهناك موطننا الأصيلُ حقيقة ً = قَدْ عاش فيها قَبْلَنا الأبوان [email protected]