فشل الترابي كما عايشنا ورأينا وهو يملك كل جهاز الدولة وسطوتها التاريخية في أن يجعل من الشخصية السودانية أكثر روحانية . وأكثر اندماجا في الدولة ومعبرة عن نزعتها اللاهوتية . بل انحرفت الدولة ذاتها في نهاية المطاف من قاطرة تجر مجتمعا نحو المجتمع الأفلاطوني الفاضل إلى دولة منصاعة متلفتة تحاول أن تنافق المجتمع بتفهمها المصلحي لنزعاته وحاجاته الحديثة وتأسيه بالمجتمعات الأخرى المتطورة ماديا وروحيا , وتحاول أيضا أن تنكر جذورها وأفكارها وانتماءاتها التاريخية وأن تلقي بعبء فشل البرنامج الديني إلى خارجها . ولم تستطع بأدوات القمع وبنظام الدولة الموجود المختص بالحياة المادية والوظيفية والتطورية وبطول العهد في الحكم إنتاج رعايا مسلمين وذات دينية متميزة يمكن أن تكون قدوة في نشر الدين وجلب الأتباع بل كل ما استطاعته هو إنتاج إرهابيين , وأنصاف سياسيين , وإنتاج مواطنين مشوهين لا هم متدينين ولا هم مدنيين وذلك بإنتاج تعليم نظري خليط بين الحديث والنمطي القديم , وتسليم إدارته للمنظمات الدينية ولرجال الخلاوي والمساجد والسلفيين . وظهر لنا جليا أن ( أسلمة الدولة) لا تأتي بالإسلام ولا تزيد من قوته الروحانية في الإتباع ولا تجعل من الإسلام دينا متميزا بين سائر الأديان التي لا تحتكم لدولة ولا لجيش ولا لأيدلوجيا دينية ولا لأجهزة إعلام تنادي بسطوة الدين وبإقامته في الأرض كأنما دعوته بدأت للتو في هذا العصر . فالدولة لا تستطيع إقامة الدين لأنها لا تستطيع التدخل والسيطرة على النظام الروحي داخل الإنسان ولا تستطيع قهر الناس روحيا كما تستطيع أن تقهرهم ماديا وظاهريا وقد حاول الترابي بقوته وأجهزته أن يقهر الروح ماديا فزاد وشجع بناء المساجد ولم يحصل على أكثر من زيادة في عدد المصلين دون زيادة ملحوظة في الإيمان وفي حياة الضمير وفي الرضاء العام من الحياة في دولة ( إسلامية ). [email protected]