(1) أغلب كوارث الطيران، كانت تقع لأسباب فنية بحتة. ولكن في حقبة "الحرب الباردة "، وبسبب تزايد المظلوميات السياسية ، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، التي تجاوز أثرها الأفراد إلى المجتمعات، فقد صار اختطاف الطائرات إحدى وسائل الضغط العنيف، للفت نظر الإعلام الدولي لقضايا الظلم السياسي، وتسليط الضوء على مظلوميات طال أمدها . شكلت القضية الفلسطينية إحدى أهمّ القضايا التي شغلت الرأي العالمي، إبان حقبة الحرب الباردة. بعض الكيانات الفلسطينية المتطرفة، اعتمدت خطف الطائرات لاحتجاز الرهائن، ولم يكن من بين أهدافها، قتل ركاب الطائرات المختطفة. بعد حوادث 11سبتمبر 2001/ في نيويورك، وقد جرى تعريفها من قبل المتطرفين بأنها "غزوة نيويورك"، فقد وقع تحوّل جذريّ، إذ صارت طائرات بلدان موبوءة بالنزاعات السياسية العنيفة، هدفاً لعمليات انتحارية، تفضي إلى تفجيرها تماماً، ومقتل مَن عليها من ركاب في حالات كثيرة. (2) أثارت نكبة الطائرة المصرية رقم 804 ، يوم الخميس 19 مايو 2016، العديد من التكهّنات، أكثرها ما تردّد حول احتمال أن يكون سقوطها إثر عمل إرهابي. ما يثير العجب، أن التخرّسات قد استبقت عمليات العثور على حطام الطائرة، بما في ذلك صندوقيّها الأسودين، وأخذت جهات إعلامية عديدة، تردّد بعض التصريحات التي ترجح أن يكون سقوط الطائرة المصرية المنكوبة إثر عمل إرهابيّ. بعد تزايد حوادث الإرهاب الدولي، قبل وبعد "داعش"، في الأشهر الأخيرة، فقد جنحت أجهزة إعلام عالمية لأن تعزي حوادث الطيران وسقوط الطائرات مؤخراً، إلى متورطين في عمليات "إرهابٍ دوليّ". إن العجلة الزائدة في الركون إلى اتهام "إرهابيين دوليين" وراء كلّ حوادث الطائرات، يعكس نوعاً من "الوسواس الدوليّ" المرضيّ. أنظر إلى الذي جرى في مطار "شارل ديجول" في باريس، إذ أسرعت السلطات هناك إلى فحص تسجيلات ألاف آلات التصوير المزروعة في أنحاء المطار، وكذلك فحص وتدقيق أحوال العاملين في ذلك المطار. لربّما فرضت المغالاة في مثل ذلك السلوك الأمني، مقتضيات الحرص على السلامة في مطارات أوروبا، قبيل إقلاع الطائرة المصرية رقم 804 من مطار "شارل ديجول"، لكنها تعكس أيضاً وسواساً أمنياً دفيناً. من مثيرات الشكوك أيضاً، ما تواتر عن قيام الطائرة بعدد من الرحلات في ذلك اليوم، بين مطارات تونس وأسمرا والقاهرة ثم باريس، بما يحمل اتهاماً مبطناً بتقصيرٍ أمنيّ أو فنيّ في تلكم المطارات، خاصة وأنّ ثلاثاً من تلك المطارات هي في بلدان لا يوثق في مقدراتها افي التحكم أمنياً في مطاراتها، مقارنة بمطارات أوروبية، مثل مطار "شارل ديجول"، الذي أقلعت منه لتهوي إلى أعماق البحر المتوسط، قبالة الإسكندرية، بستٍ وستين راكباً قضوا نحبهم على متنها. . (3) برغم أنّ البحث عن مسببات الحادث أمرٌ منطقي ومطلوب، لكن تبقى كل الاحتمالات مفتوحة، وأقلها في تقديري، احتمال أن تكون جريمة "إرهاب دولي"، وذلك بداهة لعدم إعلان أيّ جهة أو طرف أو كيان متطرّف، مسئوليته عن الحادث. لكن العجلة لربط الحادث باحتمالات أن يكون عملاً إرهابياً، يعود في تقديري، إلى حوادث وقعت مؤخراً وأعربت جهات بعينها عن مسئوليتها عنها. أكتب مقالي هذا بعد انقضاء عددٍ من الأيام من وقوع الحادث، ولم تورد أيّ جهة إعلامية، أن طرفاً ما أعلن عن ارتياحه لهذا الفعل الإجرامي، ناهيك عن الاعتراف بالقيام به. .! أخشى أن يكون "الإرهاب الدولي"، مشجباً معتمداً، نعلق عليه الإخفاقات الفنية والأمنية لضمان سلامة ركّاب الطائرات. ليس لأيّ طرف أن يسارع برفع أصابع الاتهام، بل علينا- وقبل أن تتملكنا "فوبيا الإرهاب الدولي"- التزام التريّث إلى حين فكّ شفرة ما حدث، بعد العثور على الصندوق الأسود في تلك الطائرة المصرية المنكوبة... الخرطوم 21 مايو 2016 ++++++ [email protected]