السياسة كلعبة كرةالقدم مثلما لها قوانيها فالعبرة دائماً بنتائجها على الأقل بالنسبة لجمهور المتفرجين الذين يبذلون من طاقات الحناجر ولهيب الأكف و معين الجيوب للحصول على المتعة في مشاهدتها وللظفر بانتصار الفريق الذي يؤيده من يتحمس له تشجيعا و يصاب بخيبة الأمل إذا ما لحقت به الهزيمة ! وكما يرفع المنتصرون لعيبتهم و مدربيهم وإدارييهم فوق الأعناق لحظة الإنتصار .. فلا قدسية لهم بالمقابل حينما يبوءون بالفشل الذي يتطلب المحاسبة التي قد تؤدي الى إنهاء عقد المدرب و حل مجلس الإدارة أوشطب وإيقاف اللعيبة المتسببون في الهزيمة بغض النظر عن مكانتهم المتقدمة في خانات اللعب وتاريخهم الطويل ! بالأمس مرت الذكرى السابعة والآربعون لإنقلاب مايو 1969 وذلك تاريخ لم نكن قد ولدنا فيه .. غير أننا عشنا جانبا من سنوات مايو في بواكير وعينا الطلابي وكنا حضورا فاعلا في إنتفاضة ابريل 1985 إن لم يكن بالمشاركة المباشرة دون أن ندعي بطولة أو نتلبس نضالا فضفاض الرداء ولكن بالمتابعة التي غذت فينا ذلك الوعي بما ملّكنا حق التحليل و البحث عمن تسببوا في وأد تلك الثورة التي لو أنها سيقت في إتجاه أهدافها الصحيحة التي تفجرت من أجلها لما عدنا الى مربعات الإنتكاس التي نراوح فيها دون أن تلوح أمامانا حتى ألان نقطة ضوء في نهاية النفق الذي دخلناه منذ وقتئذ والى يومنا هذا ! الحساب في محاكمات المراحل لا يمكن أن ينتهي عند حصر المسببات دون أن يقف المتسببون في إحداث الإخفاق في قفص الإتهام ! الم يكن حسن الترابي الضلع الأقوى في تبديد مكاسب أبريل والذي غاب جسدا وبقي أثرا سالبا ًوهو من قال بعظمة لسانه في شهادته المجروحة عن عصره إنه كان يخطط لكارثة الإنقاذ منذ عشرين عاما قبل حدوثها والتي باتت الان فاجعة على رأس السودان وقد تكاثرت فيه مساحات تساقط شعره الذي كان ناعما وكثيفاً ..وهو الذي أقر ايضا بان مصاهرته للصادق المهدي هي التي وفرت له معينات التمدد كحليف للطائفية التي من مصلحتها خنق قوى التغيير الحديثة بدعوى أنهم يلتقون حول خيار الدستور الإسلامي كأمثل صيغة يحكم بها السودان.. فمن كان رئيس الوزراء الذي تغافل عن تقارير تحرك صهره في ليلةٍ تحددت ساعة صفرها دون مواربة ولا خجل ! الم يقل الترابي في شهادته لأحمد منصور صراحة في كلمة عابرة ربما لا يكون الكثيرون قد وقفوا عندها ان المشير سوار الدهب كان كادرا إسلاميا منذ المرحلة الثانوية .. فمن الذي جعل الفترة الإنتقالية إذن بعد الإنتفاضة لقمة سائغة في فم الجبهة القومية الإسلامية التي كانت قد استأثرت سلفا بالحظوة الخاصة إنتسابا لقواته المسلحة في عهد قيادته للجيش في أخريات رمق نظام مايو .. الى أن اوصلهم المشير الذي استعصم بمثالية تسليم السلطة وكفى .. بعد زوال نميري الى تفصيل قانون الإنتخابات على قياس جماهيرتهم الضعيفة مما جعلهم يكسبون دوائر الخريجين في مناطق تدني الوعي الإنتخابي في دوائر إقليمية في الجنوب والغرب وكان مجموع المصوتين في بعضها لايعدو أربعمائة ناخب ليس إلا.. بينما يخسر مرشح غير منتمي للجبهة مقعده في بؤر الوعي العاصمي بحصوله على ما يقارب الأربعين الف صوت ! وهو ذاته المشير الزاهد في السلطة كما ادعى وقتها .. يتفيا الان ما تبقى من ظلال شجرة النظام الذابلة والمتساقطة الأوراق حيث كافأه الكيزان بأمانة منظمة الدعوة الإسلامة و هو الذي قاد حملة ترشيح وإعادة إنتخاب البشير الأخيرة المضروبة دستوريا..! وهاهو الإمام المعارض تارة والمهادن طويلا .. يغرد بعيدا عن تصديع النظام بذريعة الحرد بعيدا عنه ..تاركا وكيلا له بالقصر يقوم بواجب المراسيل الهامشية ! لسنا هنا نقلب مواجع التاريخ القريب البعيد و لم نقصد أن ننكأ جراح الوطن لآنها ببساطة لم تبرأ يوما .... ولكن إن لم يكن لتاريخ الأوطان دفاتر حساب مفتوحة لتجرد ماضيه وتقَيّم حاضره فهيهات أن تستقيم ظلال مستقبله على أرض الواقع وكل عودٍ مغروس ٍ في ترابها يترنح وهو أعوج ! [email protected]