بسم الله الرحمن الرحيم روايتان للطرفة تقول أولاها أن صاحبة الاسم كانت ممنوعة من وضع المساحيق وكريمات التبرج على وجهها بأمر والدها..فمات والدها فإذا هي منشغلة عن كل شئ بإخراج المخبوء والجلوس أمام المرآة قائلة (فرصتك يا شامية) والأخرى تفيد بأنها تطيبت من زجاجة الحنوط قائلة تلك العبارة..أياً كانت الرواية فإن فيها جانب يتناول حالة مهمة لسلوك إنساني ينتظر الفرصة بسوء تقدير كامل للظروف المحيطة..فيكون مثاراً للسخرية والمرارة معاً..وللأسف تنطبق الحالة على واقعنا السياسي في السودان انطباقاً يكاد يكون كاملاً.. وتظل سبباً مباشراً في دوراننا في حلقة مفرغة ..وما علينا إلا مراجعة مواقف كثيرة لساسة أو أحزاب أو كتاب أو عامة الشعب ..فالسيدان مثلاً ..بعد أن أضاعا الديمقراطية الثالثة..ووجدا عزلة النظام الدولية والاقليمية.. رأوا في ذلك فرصتهم وخرجا إما عبر المطار كحالة الميرغني أو التهريب كحالة المهدي ..حتى يستطيعا التمكن مرة أخرى من تسنم القمة كي لا تضيع حظوظهم مع القوى الصاعدة الجديدة..وأغفلوا بذلك أهمية وجودهم في الداخل مع الشعب المقهور فانعكس ذلك على الواقع السوداني بإيكال كل أمر تغيير النظام إلى العامل الخارجي..خاصة بعد ظهور القطبية الواحدة..وإذا تتبعنا مسار الأحداث يصدق زعمنا وأننا لم نتجن عليهما..فحال اكتشاف صعود قرنق استناداً على قوة عسكرية ضاربة ونضالية ممتدة..وأن الدعم الدولي أكبر لعوامل مختلفة لحركته..وتأخر التغيير لفعالية خطاب النظام الديني المحرض على القتال وقتها للشباب المندفع ثم اكتشاف البترول ما يعني تقوية النظام.. عندها..عاد المهدي ليعتبر عودته فرصة للحفاظ على وضعه وحظوظه فخسر حزبه الذي تشظى بنفس القراءة من المنشقين..وعاد الميرغني بعد توقيع قرنق لاتفاقية نيفاشا مع النظام باتفاقية هزيلة للتجمع ..عاد والانشقاقات تتزايد في حزبه..فأصبح للسيدين مواقف تحاول الحفاظ على النظام رغم تجاربهم معه..وظهر ذلك جلياً عقب هبة سبتمبر المجيدة ..فقد رفضا الانتفاضة بدواعي مختلفة عكس المزاج العام في حزبيهما وخرج الميرغني ولم يعد حتى الآن..وأيدا حوار الوثبة بنفس المنظور وشاركا النظام بأبنائهما وخرج المهدي بعد خيبة رجائه مرة أخرى لاستغلال هلع النظام بفعل الانتفاضة وعملية كرشولا التي وشت بطول ذراع الحركات فانضم إلى الجبهة الثورية والإرهاصات تقول بعودته مرة أخرى من تعدد تصريحاته.قبيل مظاهرات طلاب جامعة الخرطوم..قس على ذلك حركة غازي في استغلال أجواء ما بعد هبة سبتمبر واعتبارها فرصة للوجود بعد الهروب من السفينة الغارقة ..ومجموعة الأكاديميين الاسلامويين في التبرؤ من النظام..والشعبي في التقارب واهتبال ما رآه فرصة لتوحيد الاسلامويين مرة أخرى..ثم واصل في القياس حتى تصل إلى قوى المستقبل ثم أصحاب مذكرة ال52 التي انبنت على فشل حوار الوثبة ..لترسيخ فكرة العقلاء التي تحتاجهم البلاد للخروج من وهدتها ثم اعتبار بعض الصحفيين ذلك فرصة لتحويلهم إلى مجلس حكماء كما كتب الاستاذ عثمان ميرغني هكذا بدون أي مقدمات أو أرضية..ثم ادلف يا رعاك الله إلى بقية القوى السياسية المعارضة التي اعتبرت مظاهرات طلاب جامعة الخرطوم ضد بيع أرضها فرصة لتكرار تجربة أكتوبر وتزداد قناعة بعد عودة الهتاف الذي تعودوا عليه بمقتل الامة عند مقتل طالب متناسين موت مئات منهم في حادثة أم دوم ومناسبات كثيرة غيرها..وتباروا في إصدار البيانات التي تدعو الشعب إلى الخروج على النظام ليفاجأوا بعدم الاستجابة..وانتهت الثورة بانتهاء مراسم دفن الشهداء كما كتبت في مقال سابق..ولم تفلح عودتنا لقرن مضى بقطوعات الكهرباء إلا في إنتاج بعض النكات والتي ظنوها فرصة أخرى للتخلص من النظام.. أما النظام فيكفيك من عشرات وعديد الأمثلة ظنهم أن توقيع خارطة طريق أمبيكي سيكون قد سحب الشرعية والدعم الدولي للمعارضة..ولا ندري لو اكتشف أم لم يكتشف خطل هذا الاعتقاد بعد..وقل مثل ذلك في المشاركة في عاصفة الحزم ومناورات رعد الشمال لاعتبارها فرصة للدخول تحت العباءة السعودية والخليجية حيث يحفظ الريال والدولار.. وهكذا تحولنا إلى أمة من المنتظرين لاهتبال الفرصة العابرة..دون وعي بكيفية العمل على إيجادها..ما يؤكد فعلاً أننا لم نصل بعد إلى التصور المحرك للجميع..فبقى نظام الأمر الواقع بكل سوءاته..وفشله..ونتساءل في الختام ..هل كان أديبنا الراحل الطيب صالح مستقرئاً للمآل عندما أطلق عبارة ..لا أعني بها من أين أتى هؤلاء..ولكن ما ختم بها قصته القصيرة دومة ود حامد عندما أجاب الرجل على سؤال الشاب الضيف عن موعد إقامة البابور الذي قاومه أهل البلدة للحفاظ على الدومة المقدسة..( عندما لا يرى أهل ود حامد الدومة في منامهم..وعودة غرباء الروح) فمتى يختفي السادة من منام من يقبلون أيدي ذريتهم في البرلمان...وتعود الطيور المهاجرة..أم في الأمر أكثر من ذلك ؟ ظني أن شجرة كبرى تلفت ثمارها..وما عادت تغني عن جوعنا..والطعم والنكهة قادمان في الثمار الجديدة..التي لا نستطيع التوصية بزراعة شجرتها..لأنها تنمو ببطء في دواخلهم ..ونحن منها عمون .ومراكمو أشراطها ناشطون قليلون. [email protected]