نحن لا ننكر الحقائق لكن يُصعب علينا تقبلها ، واقسي الحقائق هي دائماً التي لا تلقي قبول لدرجة تكاد تتشابه مع الإنكار ، والحقائق التي لا تلقي قبول كثيرة في حياتنا لأن الكثير منا يقبل ويدرك بحسب التمني وليس بحسب الواقع . فكون الإنسان مصري قد تعني الكثير من المعاناة ومرارة العيش وهنا يُنكر متحمساً لا " لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون " وهذه نفس العبارة الذي رددها أطفال وشباب في عمر الزهور قبل المغامرة وركوب البحر في رحلات هجرة ،بل ومباركة أهاليهم الذي باع البعض منهم ما يملك ليسافر الابن فإما مستقبل وحياة وإما وجبة لأسماك البحر ، وهذه عينة فقط للتدليل لأن حصر المعاناة لا ينتهي ، أضف إلي المعاناة كونك مصري من الأقليات فعليك أن تدفع الثمن مرتين فالتقلبات السياسية ليست في صالحك وتغيير النظام ضدك ، وخطأ إنسان من بني طائفتك لن يدفع ثمنه وحده بل علي الكثيرين دفعه حتى لو مجرد اشتباه هذه حقائق لا ننكرها وأيضا لا نقبلها لأننا لانرضي سوي بحقيقة أن " فيها حاجة حلوة " بل فيها حاجات كثيرة حلوة لكن أيمنع هذا أن فيها حاجات علقم ويبقي الأجدر للإجابة من يعاني أهالي من غرقوا ورواد المستشفيات والمواطنين المطحونين تحت خط الفقر والأقليات الدينية ثم الأقليات من خارج النسيج الوطني وأقصد بهم الأقليات الدينية من غير المسيحيين فهم أصحاب مآسي . ثم تأتي معاناة أصحاب الرأي وقبول الحقائق مجردة وليس بحسب الأمنيات فاقسي من معاناة السجن ، تلك المعاناة من تهم التخوين والعمالة والتمويل، فإما أن تُنكر الحقائق أو تراها كما يحب أن يراها الجميع أو تتهم بكل التهم السابقة ، لذا فعلينا أن ننكر بوجود أزمة في التعليم وأزمة في الصحة والزراعة واختصاراً في كل القطاعات وأن الحلول علاج وليس مسكنات ، وعلينا أن ننكر أن الحكومة لا تهمل الجغرافية السكانية وتضعها في الاعتبار لحل مشاكل العاصمة وتقليل الهجرات من الصعيد والمحافظات الطاردة للسكان إلي القاهرة الكبرى والإسكندرية ، علينا أن نقبل حقيقة شعور المواطن المصر ي بأن الشرطة في خدمة الشعب ونصدق تلك السيارات المكتوب عليها بخط عريض " شرطة حماية المواطنين " وننكر تجاوزات بعض رجال الشرطة ، وتقاعس وتواطؤ بعضهم ، وننكر أن بطء العدالة أحياناً يتساوي مع انعدامها طالما لن يؤدي لمزيد من تجاوز الظالم ومزيد من القهر للمظلوم . وأخيرا صدق ويجب أن تصدق أن في مجتمع ودولة في القرن الواحد والعشرون هناك ما يُسمي ب" البشعة " وهي آلة تشبه ملعقة كبيرة يتم تسخينها ويقوم بلعقها المتهم ثم يقرر القائم علي البشعة صحة اتهامه من براءته وتفصل هذه الأداة في تهم من السرقة حتى قضايا الشرف ولا أقلل من شأن هذه الطريقة كطريقة عرفية للفصل بين الناس ولكن أسأل ماذا يعني استمرار وجودها في عصر توصل فيه العلم لتقنيات الطيف الفيزيائي ؟ ، والجلسات العرفية ترتبط ارتباط وثيق بالبشعة فهي كثيراً ما تسبق " جلسة البشعة " ثم تتلوها للفصل والحكم علي المتهم أو تعويض من ثبتت براءته من اتهام وللجلسات العرفية دور مهم وهي لمن لا يعلم ليست للصلح فقط بل للفصل في الحقوق ولها قواعدها وقوانينها وتنعقد جلساتها وتستمع للأطراف والشهود ولها قواعد للحكم علي من بدء الاعتداء وحكم الاعتداء علي النساء ومتى تتساوي السيدة مع الرجل أثناء المشاجرة وغيرها من القواعد التي لا يتسع المجال لذكرها ، وغالباً تتم هذه الجلسات في مسار موازي للقضاء بمعني أن يكون هناك متهمين من عائلة أو من كلا العائلتين بين يدي القضاء وتجري جلسات عرفية أولا ً لحكم إضافي علي العائلة التي تثبت الجلسة وتشاور المُحكمين إدانتهم وتهدئة خاطر الطرف الذي ظهر له الحق ثم تهدئة الأجواء وأخذ تعهدات بعدم تجدد الاعتداءات ومن يخالفها يضع نفسه في خصومة مع المُحكمين نفسهم وهذا للإيضاح ولتفسير لماذا الرفض لجلسة الصلح المزعومة في قرية الكرم وللسادة الإعلاميين الذين تباروا للتلميح والتلويح بلا دراية ولا وعي غير مدركين أن من يرفض هذا الأمر ليس رفضاً للصلح ولا للسلام المجتمعي بل لإقراره وإقرار دولة القانون إن كنا نسعى إليها ، أما إن كانت دولة القانون قد أصابها مكروه أو تريدوا أن تصيبوها بمكروه فهذه حقيقتكم لكم أن لا تنكروها ولنا أن يصعب علينا تقبلها . [email protected]