من اهم المتغيرات التي صاحبت نشوء الدولة الحديثة الأحزاب السياسية التي باتت تلعب دورا بارزا في عالمنا المعاصر من السيطرة على مراكز القرار إلى تشكيل الوعي القومي و ضمان الاستقرار السياسي و قد عرفت البشرية الأحزاب أول ما عرفتها في أوربا حيث نشأت نتيجة للصراع الطبقي بعد الثورة الصناعية و كاداة للوصول للسلطة السياسية بعد انتزاع السلطات من الملكية و نقلها و تداولها سلميا بين أفراد الشعب في إطار نظام ديمقراطي دستوري . لقد بدأت الأحزاب كتجمع لشخصيات تنتمي لنفس الطبقة أو تتشارك نفس الفكرة أو المبدأ شعروا بضرورة التكتل للحصول على قوة و حيوية و صوت أعلى ثم تبلورت تنظميا و هيكليا حتى وصلت للنمط الحالي للأحزاب . في الدول الاوربية مهد الحزبية أفرز مخاض الصراع الطبقي رؤي و ايديولوجيات متنوعة تشكلت على أساسها الأحزاب كدعم العمال و الفلاحين ، أو تبني رؤى أصحاب الأعمال و ملاك الأراضي او الالحاد و الحرية المطلقة و الاشتراكية و غيرها . إن من أبرز سمات الأحزاب الغربية وجود ايديولوجيات ثابتة و هيكل تنظيمي دقيق و مناطق نفوذ جغرافية تدعم افكاره و تشكل قاعدة صلبة للحزب يرتكز عليها و يحافظ من خلالها على مقعد دائم و حضور متجدد في الحياة السياسية . رغم ان أوربا مهد الأحزاب الا ان جميع دولها لا يتجاوز عدد الأحزاب فيها أصابع و يملك كل حزب وجود طاغي و تأثير قوي و فعال في الحياة العامة . عرف السودان الأحزاب السياسية في منتصف اربعينات القرن العشرين نتيجة لانقسام الرؤى حول مستقبل البلاد و تحول هذا الانقسام الى صراع محتدم تشكلت على أثره الأحزاب السياسية فكان حزب الأمة الذي تبنى النهج الاستقلالي و انتشرت قاعدته في غرب و وسط السودان، و الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي كان يساند بقوة الخط الداعي لوحدة وادي النيل و تتوزع قاعدته الجماهيرية في شمال و شرق السودان، و الحزب الشيوعي السوداني الذي تم تأسيسه وفق الماركسية اللينينية و تركز مؤيديه بعطبرة و جنوب النيل الأبيض و النقابات و الاتحادات المهنية العمالية . في سودان اليوم تغير الكثير و تبدلت الكثير من المفاهيم التي كانت سائدة في حقبة النضال الوطني فانحدر الوعي السياسي إلى الحضيض و انحطت جودة الممارسة السياسية و أصبح كل من )هب و دب ( سياسي و مناضل ثوري و بطل قومي و مفكر سياسي جرت على يديه الفتوحات و الاشراقات و كل ما ينقصه لتغيير حياة البشرية نحو الأفضل هو تشكيل حزب . كنتيجة لانخفاض الإدراك السياسي الجمعي و ضعف البناء الايديولوجي و ضعف الأساس الوطني تعددت الأحزاب في الساحة حتى صارت اليوم دون المئة بقليل ليس لمعظمها أهداف موضوعيةأو مرتكزات و أسس فكرية أو مباديء و ارادة وطنية صارمة . يمكن اجمال أسباب تفشي ظاهرة الاغراق الحزبي للسوق السياسية السودانية على وجه الخصوص و العربية عموما لأسباب ذاتية كحب السلطة و الرئاسة فنحن في بلدان تقع في حزام البارانويا أو جنون العظمة فالكل يريد ان يكون الزعيم و القائد و العراب و كذلك حب الأضواء و الشهرة و الهوس بالمكانة الاجتماعية، و أسباب موضوعية تتمثل في عدم الاعتراف بالآخر و الرأي المخالف و التخلف السياسي و التأثيرات الاجتماعية و البيئية . ان انتشار الأحزاب السياسية بهذه الصورة المرعبة ان دل انما يدل على الجهل و الامية السياسية فدول العالم من حولنا تتكتل و تندمج اقتصاديا و سياسيا باثمان باهظة من التضحيات و التنازلات و نحن نتفرق و نتشرذم بلا مبرارت منطقية أو أسباب موضوعية مهضومة . اذا استمر استنساخ و توالد الأحزاب على هذا المنوال فليس بمستغرب ان نستيقظ ذات صباح بإعلان على صفحات الصحف بان الحزب الفلاني للبيع و به الف عضو منهم مئة نشطون و يحمل الحزب اسما مميزا و به عدد من الحسنوات الجامعيات و السعر قابل للتفاوض . آخر الحكي ******** يجب على مجلس الأحزاب اعادة النظر في تشريعات و لوائح الأحزاب فمن غير المعقول و المقبول ان يخرج للدنيا حزب مع كل فجر يوم جديد . زيادة العدد المشروط للمؤتمر التأسيسي للمصادقة على الحزب لعشرين ألف فقط كافي للتخلص من عشرات الأحزاب الكرتونية التي لا يتجاوز عدد أعضاؤها عدد مقاعد حافلة ركاب صغيرة . العلاقة بين المواطن و الأحزاب اصبحت في طور الفتور و انعدام الثقة بل و أصبحت الأحزاب محل تهكم و سخرية المواطن بعدما أصبحت تغرد في وادي و هم الجماهير في وادي . آخر الكلام ******* الما عندو موضوع و شاعر بفراغ يمشي يعمل حزب سياسي . [email protected]