في روايته بيريرا يدعي ، يعكس انطونيو تابوكي حقبة الدكتاتور البرتغالي انطونيو سالازار ، وتدور أحداث الرواية في الثلث الأول من القرن العشرين في البرتغال عن صحفي يدعى دوتور بيريرا وهو كهل وأرمل توفيت زوجته التي كانت مصأبة بالسل فعاش مستسلما مع ذكرياته إلى درجة أنه كان يخاطب -باستمرأر- صورة زوجته ويحكي لها عن مجريات حياته اليومية ، كان منغلقا على ذاته بلا أصدقاء ، يدير صفحة ثقافية في جريدة ، وكان هو الكاتب الوحيد لهذه الصفحة الثقافية وكان يقوم بترجمة القصص والروايات الأجنبية لا سيما الفرنسية. وكان لديه اقتناع بأنه لا يمكن للجسد أن يبعث بعد أن يموت ، ومن هنا أجرى اتصالا بشاب يدعى مونتيرو روسي كان قد قام ببحث عن الروح وأقنعه الشاب -المفلس- بأن يوظفه في صفحته الثقافية ليكتب عن الأدباء الموتى. إلا أن مونتيرو روسي لا يجيد الكتابة ، كما أنه كان منشغلا بمناهضة نظام سالازار والثورة الاسبانية مع ابن عمه . وكان لهذا الشاب صديقة ثورية هي الاخرى. تتحرك أحداث الرواية ويقوم البوليس السري بملاحقة روسي ، فيضطر هذا الأخير إلى اللجوء إلى بيريرا الذي يؤيه مخبئا معه جوازات سفر مزورة يمنحها للمناضلين للهروب إلى فرنسا. إلا أن البوليس السري يكتشف مكان روسي فيقتحم منزل بيريرا ويبدأ في تعذيب روسي حتى الموت . يقوم بيريرا بكتابة مقالة يفضح فيها ما قام به البوليس السري ولكن تكمن المشكلة أن كل المقالات تتعرض لرقابة قبلية من البوليس السري ، حينها يتمكن بيريرا من خداع إدارة المطبعة وبالتالي نشر المقال قبل أن يمر بالرقابة. ثم يقوم وعبر إحدى جوازات السفر المزورة التي كان يمتلكها روسي بالهروب إلى فرنسا. تنتهي الرواية إلى انقلاب كبير في حياة دوتور بيريرا ، الذي يتحول من مجرد صحفي منكفئ على نفسه إلى ثوري بدوره. وطوال الرواية كان بيريرا يتساءل عن سر هذا الانقلاب ، لقد حاول أحد أصدقائه - وهو دكتور كان يتعالج عنده - تفسير ذلك بنظرية لفيلسوفين فرنسيين لم يسمهما ، وهي تتحدث عن أن الإنسان لا يملك روحا واحدة وإنما عدة ارواح وأن هناك صراع بين هذه الأرواح ينتهي بهيمنة إحداها على باقي الأرواح. ولعل ما قصده تابوكي بهذه النظرية أن الشعوب قد تستسلم طويلا للدكتاتوريات ، ولكن حينما تتغلب على هذه الشعوب روح الثورة فإنها تنتفض على الأنظمة الدكتاتورية على حين غرة ، لتطيح بها وتجتثها من فوق الارض. يرى بطل الرواية نفسه يتغير من شخص منكفئ على نفسه إلى آوي وداعم للمناضلين الشباب. كتبت الرواية على نفس هادئ ، واستخدم فيها انطونيو تابوكي الوصف الموجز للمكان والزمان وخلت الرواية من التصنع ، واستطاعت عبر مسيرة البطل من عكس شخصيته المستسلمة بدقة ثم ثوريته الواعية في آخر الرواية. لقد أبدع تابوكي في هذه الرواية التي هي من القطع المتوسط ولا تتجاوز المائة وسبعين صفحة وترجمتها بدقة روز مخلوف. أتمنى أن تستمتعوا بها. 30يونيو 2015 [email protected]