حضرت بالأمس جانبا كبيراً وعبر قناة الشروق المعروفة النسب والحسب .. من حلقة حوارية أدارها المذيع المعروف الأستاذ مامون عثمان اللصيق بوفد الحكومة التفاوضي في محاوراته مع الحركات المسلحة على مدى مراوحتها في عدد من العواصم .. وقد شاهدته شخصياً لأول مرة بعيداً عن الشاشة بالصدفة وأنا أغادر الوطن عائدا الى مقر عملي قبل يومين فقط من التئام وفود الإتفاق على خارطة الطريق في مطار الخرطوم وكان بالطبع متوجهاً الى أديس ابابا لتغطية مراسم التوقيع والإتفاق على البنود المنقوصة أو شبه المنقوضة الذي سال حبره عليها وطمس معاملها وزاد الموقف غموضا قبل أن يجف على صفحات ورقها الواهن ! والقصد أن الأستاذ مامون يحاور من منطلق العارف بكثير من بواطن الأمور وكأنه عضو أصيل في وفد المؤتمر الوطني الذي كان يماليه ويتبنى الدفاع عن وجهة نظره خلال محاور البرنامج بصورة واضحة الى درجة أنه وصف الحكومة بالخارجة منتصرة في هذه الجولة استنادا الى تأمين السيد أمبيكي والآلية الأفريقية على ذلك الموقف الحكومي الذي نعته بالإيجابي وبدأ تحيزه جلياً في اختيار ضيوف حلقته الذين مثلوا طرف الحكومة فقط سواء المحاور الأساسي له من داخل الأستوديو عضو وفد الحكومة الدكتور حسين حمدي أو المتداخلين بالهاتف ..وكان أكثر ما لفت نظري مداخلة السيد محمد وديع الذي وصف بأنه عمدة عشائر المساكين بجنوب كردفان وقد تحدث اليهما من كادوقلي وهو رجل على قدر عالي من التعليم كما بدأ من لغته الرفيعة الخطابية و استخدامه لبعض المصطلحات الإنجليزية لتدعيم وجهة نظره تلك التي كشفت بجلاء تغذية نظام الإنقاذ لقيادات الإدارة الأهلية في مناطق النزاعات بالأفكار الجهوية بل محاولة اثارة النعرات العنصرية الفاقعة الخطاب الذي تحدث به العمدة وقوله صراحة ..! ما الذي يجعل المدعو ياسر عرمان هكذا قالها يدافع عنا ويتبنى قضيتنا ويهمش ابناءنا من قياديي حركته وهو من أهالي منطقة ود الحداد التي تبعد عنا مئات الكليو مترات! ثم أردف ان عرمان يعترض على تولي الجيش الحكومي عملية توصيل الإغاثة للمتضررين من الحرب لانه يملك شركة طيران يريدها أن تقوم بالمهمة .. فضلا عن أنه يحتجز أبناءنا مثل السادة خميس جلاب وتلفون كوكو في الإقامة الجبرية بدولة الجنوب .! وهما معلومتان لا أريد ككاتب البت فيهما لجهلي بصحتهما من عدم ذلك قبل التحري .. ولكني أطرحهما لمن يملك عنهما مايمكن الإفادة منه ! فانا هنا لست معنيا بالدفاع عن الأستاذ عرمان الذي يملك القلم والبيان والقادر على التوضيح والتبيان . لكن لعل العمدة المحترم الذي يتحدث بهذه المفاهيم الساذجة والذي يبدو أنه مستمتع بقربى المؤتمر الوطني منصبا أو نشباً على غير ما يلاقيه أهله المنكوبين من الغلابا والمساكين ..بل أعني هنا وانا أكتب ناعيا عليه نبش التركيز على وجوب فرز الكيمان بذات العقلية الكيزانية الإقصائية.. وكأنه لم يسمع بمثلث عبد الرحيم حمدي الذي يفكر فيه الإسلاميون منذ نشأتهم المسمومة المقاصد تنفيذا بسواعد عسكر الإنقاذ ومليشياتهم لتحديد معالم خلافة السودان النقية العرق من كل من يرونهم بنظرتهم الإستعلائية الثويقراطية وكأنهم ليسوا بشرا مثلهم إنما مجرد شوائب من الأطراف لابد من أن تلحق بالجنوب الذي غادر بخيره ووقع في حفرة شره بزلة قدم قادته الموتورين ..ولطالما عمد الكيزان على إعمال سياسة الأرض المحروقة فيه من البشر والشجر والحجر إبان حربهم الجهادية التي فشلوا فيها وجاءوا جاثيين على الركب لطاولات التفاوض وكان ما كان من جرح الشقاق الذي لا نعفي الحركة الشعبية عن مشاركتهم في غرس خنجره من قبيل قول الحق حتى لا نوصف بالتحيز دون تمييز ! ولكون الأستاذ مامون يعرف بحسه الإنقاذي من أين يدلق الزيت على حريق النقاش .. سأل الدكتور حسين حمدي.. ولماذا تفاوضون قطاع الشمال أصلا طالما أصحاب الحق يرفضون تمثيل من هم ليسوا من أهل الجمرة ؟ فأجابه الدكتور الذي يبدو أنه موظف ليس إلا ملحق بالوفد لا يملك حق الربط والحل .. بأنه يؤمن على ضرورة أن يتقدم أبناء المناطق لقيادة الوفد المفاوض للحكومة بشأن المنطقتين و فصل مساراتهما عن مشكلة دارفور وهو ما لم يلاحظه في كل الجولات .. و قد فات عليه أن الحكومة لا تفاوض قطاع الشمال حبا في عينيه ولا إعجابا بحذاقة عرمان في التفاوض ولا إكراما للدكتور جبريل وهي التي قتلت شقيقه خليل وظنت أنها ستتنفس الصعداء بغيابه ..وإنما لأنها حركات تشكل قوة على الأرض مسنودة بارادة شعبية وقتالية مغبونة عجزت الحكومة على مدى السنوات الطوال أن تخرجها عن ساحات القتال مهزومة لا في وعود صيفها العرقوبية ولا في شتاء زمانها الذي جمد طول الإنتظار فيه ماتبقى لها من قليل الدم في عروقها المتيبسة ! فان أسوأ ما يمكن أن يطيل الأزمات التي تتولد عنها إسالة الدماء هو نهج الحكومة في محاولاتها تجزئة قضايا المناطق المهمشة عن بعضها من خلال إشاعة هذه اللغة التي تكرس للفتنة واضعاف حلقات المتفاوضين بابعادها عن بعضها ليسهل كسرها أو طيها في جيب المساومات الإنفرادية..وأكثر ما لوى ذراع الإنقاذ ناحية التفاوض وأثار الهلع في صفوف صقور نظامها المستفيدين من استمرار ذلك الجرح النازف هو تكاتف سواعد أبناء السودان من قادة الحركات ولا أقول ابناء المناطق على غير ما يرى العمدة المثقف بنهج الجهوية الضيقة ولايرى بعين العقل المتفحص هو وأمثاله ذلك التكاتف القومي المتمثل في إمساك السادة عقار والحلو وجبرل ومناوي وعرمان على قلم التوقيع بيد وطنية واحدة بل وبروح لا تعرف فرز المناطق أو إختلاف الأعراق لانهم يسعون لسودان موحد لا تفرقة انسانية فيه و لا فواصل جغرافية .. بينما يخطط أهل الإسلام السياسي لتفتيته بمعاول التسليم لمن أرادوهم أدوات لهذا الغرض وهو امر بائن كبينونة الشمس مهما تخفوا خلف ستور الرغبة في السلام المستدام وهم فقط يسعون لإستدامة سلطانهم المسروق بليل التأمر الذي لم ينقطع منذ قدومهم المشئؤم! فيا عمدة المساكين وأنت تتحدث باسم المهمشين .. استيقظ من غفوة خدرالمكاسب الذاتية و أخرج من عباءة النظرة القصيرة وأنظر بعين الوعي لآفق السودان الواسع كما كان قبل أن تتسلط على خارطة ترابه الملونة جرافات الإستهداف ولا تجعل بصرك مغلولاً خلف حاجز جماعة حمدي وقد وضعوا خطوطه لجعلكم خلفها الى ما لا نهاية .. ولا تصدوا الذي جاءكم اياً كان هو وحيثما ما كان مكان ميلاده كسوداني وكفى ليأخذكم من زاوية التهميش الحالكة الى ضياء براحات الوطن الواسعة في مستقبله بعيدا عن فكر جماعة فرق تسد الذين يمثلون النسخة الأسواء لصفحة الإستعمار التي طويناها قبل أن نتعلم من سطورها ما يجعلنا نستوعب دروس الوعي الوطني جيداً .. فلا تجعلوا ذلك المثل عن ابن الميت الذي حجب المحافير عمن جاءوا لمساعدته في موارة جثمان والده الثرى..ينطبق عليكم ياعمدة أهلك المساكين الذين تريدهم حضرتك ينتظرون سراب سلام الإنقاذ على قارعة الضياع ..وتباً للحرب وبئس من يشعلها إن كان علان أو عرمان أو الكيزان حتى لا نوصف بانحياز القلم واختلال الميزان ! [email protected]