وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخرطزم الثانوية للبنين (3)
نشر في الراكوبة يوم 23 - 08 - 2016

جاء الاستاذ احمد حامد الفكى الى الخرطوم الثانوية فى الاسبوع الاول من يناير1960قادما من معهد التربية العريق و"فى نفسه اشياء من حتى" ولكن قلبه الكبيرجعله ينبرى من يومه الاول متناسيا ما كان قد حل به من ضيم ظلم بين لتفضيل غيره عليه مما كان يتوقعه وينتظره من ترفيع وظيفى مستحق له هو بلا شك وكان اهلا له تقديرا لبلائه العظيم وتفانيه فى خدمة التعليم وبذله وعطائه فى مختلف المواقع التى طلبت منه وزارة المعارف الانتقال اليها..والتى كان آخرها معهد التربية فى بخت الرضا حيث صال وجال فى كل اقسامه يعلّم ويوجه ويحاضر ويشارك فى اعداد معلمى المدارس الاولية وفى تدريب معلمى المدارس الوسطى.الى جانب اعبائه الادارية كنائب للعميد.. ذلك فضلا عن اشرافه الدقيق وما بذله مع رفاقه من جهد كان واضحا لكل من كان له نصيب من حضورفى المعهد ابّان الاحتفال باليوبيل الفضى فى اكتوبر 1959 فقد كان احتفالا زاهيا فاق كل تصورونال اعجاب المدعويين فى مقدمتهم الفريق ابراهيم عبود.. والمستر قريفث والمسترهودجكن اول وثانى عمداء المعهد وبناة نهضته وتقدمه الى ان استوى على عوده وذاع صيته فى آفاق التربية فى انحاء العالم وكان لحضور قدامى العاملين في المعهد الكبير من كبار المعلمين يتقدمهم معلّم الاجيال عبدالرحمن على طه ورفاقه الابرار وابكارخريجى المعهد دور كبير فى سعادة كل من شهد الحدث العظيم..كان قرارالنقل مفاجئا للاستاذ احمد حامد ناظرا للخرطوم الثانويه والعام الدراسى يلفظ انفاسه وابناؤه لا يزالون يواصلون دراستهم فى مدارس المعهد ومدينة الدويم! ورغم مرارات ظلم اهل التعليم احيانا لرفاقهم انطلق الاستاذ منذ الصباح الباكرلليوم الاول من بعد وصوله وقبل ان يستجم من وعثاء التسفارمن الدويم بحرا(قبل قيام الكوبرى) وبرا او يستقرنفسيا واُسريا شهدناه وما ينفك يفيض حماسة ونشاطا ويزداد كل صباح جديد بذلا وعطاء مثلما عهدته منذ ايام عمله فى حنتوب قبل ثمانى سنوات.. خلال الاربعة اشهر التى قضاها الاستاذ الجليل على سِدة ادارة المدرسة كان مفرطا فى ثقته بزملائه المعلمين جميعا..كان كثيرالاهتمام بالانشطة اللاصفية اكاديمية كانت او رياضية وقد ظل يسعى لتوفيركل مقوماتها ومتطلباتها بفضل صلته باستاذه فى سوابق السنين امين زيدان مساعد مديرالمعارف للشؤون الادارية والماليه..وبما وجده من حماسة دافقة لدى الاستاذ المشرف على النشاط الرياضى–محمد ابراهيم المعروف بأسم "كربيش".. فاشتعلت الخرطزم الثانوية نشاطا رياضيا لم تشهده من قبل حتى ان لعبتى "البادمنتون" و"كرة الريشه" (اللتين لم تشهد اى مدرسة سودانية لهما حضور بين قائمة انشطتها الرياضيه)كان لهما مكان بين انماط الالعاب الرياضية التقليدية فى الخرطوم الثانويه لأول مرّة فى تاريخ الممارسات الرياضية فى المدارس على الاطلاق.. ومثلما خَبِرت الاستاذ الجليل وهو"تيوترا" لداخلية على دينارفى عام 1952فقد جعل لطلاب الخرطوم الثانوية جميعا والداخليين منهم اضعافا مضاعفة من الاهتمام بحياتهم والرعاية والارشاد والحث على ممارسة الالعاب الرياضية التى كان على الدوام حاضرا فى ميادينها فى صباح او ظهيرة.
بنهاية امتحانات الشهادة السودانية فى بداية شهر ابريل من عام 1960 غادرالاستاذ احمد حامد الخرطوم الى واشنطن لآنشاء مكتب الملحقية الثقافية فى الولايات المتحدة.(ربما كان ذلك الاختيار تعويضا عن ترقية كانت مستحقّة له لم يكن له فيها نصيب فى حينها).لم يبق في واشنطن اكثرمن عام واحد بذل خلاله جهدا مقدّرا لوضع الاسس الراسخة لمسيرة العمل الثقافى والاشرافى على شؤون المبتعثين ,, وعاد الى السودان فى جولة اخرى امتدت لثلاث سنوات متولّيا "نظارة" المدارس فى الخورالخصيب. ليعود فى يوليو 1964 الى رئاسة وزارة التربية مساعدا لوكيلها للشؤون المالية والادارية – عملا لم يرق طبيعة نفسه اونفس كل محب وعاشق مثله متبتِّل فى محراب التربية والتعليم بين صفوف المعلمين والدارسين وفى فضاءات الارشاد والرعاية انطلق من ادارة الشؤون المالية والدارية بعد عامين بذات درجته الوظيفية الى عمادة معهد التربية العريق – بخت الرضا- فى عام 1966 حيث بقى الى ان تمت احالته الى التقاعد فى عام 1969 فى اوائل ايام "ثورة مايو".. فغادرمجال التعليم وفى نفسه تزايد الاحساس بغدرالزمان به وجوره الآ انه بعزمه الاكيد وايمانه بالله لم يفت ذلك من عضده فواصل حياته بذلا وعطاء فى مجال الطباعة اذ آثر أن يكون ذلك المجال امتدادا لعلاقته بنشرالمعرفة والوعى عبر ارتياد ميدان الطباعة فانشأ مطبعة تولّى امرادارتها بنفسه بادىء الامروحالما وصلت مرحلة الانطلاق فاجأته الاقدارمرّة اخرى بنكبة افدح عندما احتسب لله ابنه البكر- صلاح الدين- الذى كان قاب قوسين او ادنى من حصوله على درجة الدكتوراه ليعود محاضرا فى كلية العلوم بجامعة الخرطوم والذى اغتالته يد آثمة وهو يدفع عن زميل له (كان يشاركه السكن) هجوم زميل آخرمن ابناء جلدته كان يتربّص به لخلاف فكرى عقائدى سياسى كان بينهم.. اعتزل الاستاذ الناس جميعا وظل يقضى ما تبقت له من ايام فى صلاة دائمة وقراءة القران. ابكانى دمعا مدرارا بكلماته التى كانت تفيض حزنا ولكنها جاءت متماسكة شاكرا لى زيارته فى داره لتقديم الدعوة له للمشاركة فى احد مؤتمرات التعليم .. لم يبق طويلا فانتقل الى رحاب ربه يجنى الخلد والاجر.رحمة الله فى اعلى عليين وجعل الفردوس الاعلى مقرّا به مقاما بين الشهداء والصديقين.
فى ختام هذه الحقبة الفاصلة من تاريخ المدرسة انتقالا من مدرسة ذات نهرين الى مصاف المدارس الكبرى من ذوات الاربعة انهر مما ترتب عليه ترفيع الدرجة الوظيفية لناظرها ونائبه مما حتم نقل نائب الناظرالاستاذ الدرديرى عثمان الصايم الى رئاسة الوزاره قُبَيْل نهاية العام الدراسى وانتقال الاستلذ احمد حامد الى الولايات المتحدة كما اوردنا سابقا. جاء الاستاذ الدرديرى – معلّم اللغة الانجليزية فى كلية غوردون وفى وادى سيدنا من بعد وقد انتقل اليها بين المنظومة الاولى من المعلمين المنتقلين من كلية غردون عندما مال ميزانها وحان الغروب – جاء الى الخرطوم الثانويه فى عام 1957 ليتولى مهام نائبا للاستاذ محمد احمد عبد القادر بعد عام من انتقال المدرسة الى موقعها فى مبانى ثكنات القوات البريطانيه –احتضنه استاذهواستاذ الاجيال وتقديرا لما كان يمر بظروف فاسية فى حياته لم يكن يطالبه باداء باى اعمال ادارية لم تكن لديه الرغبة فى ادائها. لم يكن للاستاذ الدرديرى مزاج او ميْل للاعمال الاداريه. فعلى الرغم من انه كان اول دفعته من خريجى قسم المعلمين فى كلية غردون متميزا فى كل المواد الدراسية العلمية منها والادبيه ولكن لشغفه بالقراءة والاطلاع بز رفاقه فى اللغتين الانجليزية والعربيه وواصل عمله يدرّس الانجليزية فى المدارس الوسطى الى ان كانت الحاجة الى عطائه فى كلية غردون التذكاريه التى غادرها الى وادى سيدنا فى عام 1946 بين منظومة المعلمين الاوائل. الاستاذ الدرديرى من ابناء مدينة القطينه مركز الاشعاع التربوى والتعليمى من قديم الزمان شأنها شأن رفاعه والدويم فقد كانت القطينه بين اوائل المدن التى افتتح فيها الانجليز- حالما استتب لهم الامر لحكم السودان – واحدة من المدارس الاوليه التى اقيمت فىمل من حلفا وبربر والخرطوم ورفاعه والدويم. بس يا حسره فان الاستاذ الدرديرى رغم نبوغه وذكائه الوقاد وسعة افقه وحبه للقراءة وادائه المتميز فى بداية حياته فى مجال تدريس اللغة الانجليزية الآ ان ظروفا خارجة عن ارادته افقدته الحماسة للعمل والرغبة فى الحضور الى عمله بعد انتقاله من وادى سيدنا الى الخرطوم الثانويه.. تخطاه زملاؤه وظيفيا وهو الزاهد اصلا وغيرالراغب قى تذكارامور الترقيات ناهيك عن المطالبة بها.. انتقل بعد فترة قصيرة من رئاسة الوزارة الى ديوان النائب العام يشارك فى ترجمة قوانين حكومة السودان .. فكان مجالا وافق هوى نفسه فابدع .. ليت الحاكمين فى ذلك الزمان ادركوا الامر من قبل.. اذ استعاد الاستاذ توازنه النفسى ومضى فى حياته بعد ان سعد بما تبقت له فيها من سنوات من بعد قران موفق وان كان متاخرا..رحم الله الاستاذ الجليل فى الفردوس الاعلى.
الخرطوم الثانوية من نهرين الى اربعة أنهر
درج مديرو (نُظّار) المدارس الثانوية وبعض الوسطيات على تكليف بعض المعلمين بالاشراف على الاعمال الادارية فى مدارسهم اثناء العطلات الصيفيه فى تناوب بين من يقع عليهم الاختيارلفترات لا تزيد عن الاسبوعين وتنحصر مهام اولئك "المعلمين النوبتجيه" فى الرد على المحادثات التلفونيه الرسميه وعلى المكاتبات والرسائل العاجله فضلا عن تسلّم الكتب والادوات المدرسية التى كانت تصل الى المدارس مباشرة من كل فج عميق حتى تلك القادمة من بريطانيا تاتى بأسم Headmaster Khartoum Govt. Secondary School (زمان مضى لن يعود .القرو زمان قرو والما حصّلوا قرو فى سوابق القرون (قبل اعادة صياغة الانسان السودانى.. حقّهم رااح وعليه العوض ومنّو العوض) فضلا عن الاشراف على اعمال الصيانه داخل وخارج حجرات الدراسة الى غير ذلك من المهام..وبما انى من ابناء المدن الثلاث ومن ساكنى مدينة الخرطوم فى ذلك الزمان لم اكن اتغيب او اكف عن الحضور الى المدرسة كل يوم سواء كنت مكلفا بذلك العمل ام لا....جاء تكليفى رسميا بالنوبتجية خلال تلك "الاجازه" اعتبارا من منتصف شهرمايو 1960.بعد انتهاء اعمال تصحيح اوراق اجابات الجالسين لآمتحانات الدخول للمدارس الثانويه التى كنت قد شاركت فيها فى خورطقت فى ذلك العام.. وبعد ايام قلائل اتصل بى احد رفاقى من المعلمين الذى كان يفترض ان يخلفنى اعتبارا من اول يونيو راجيا ان اتولى الاشراف على المدرسة نيابة عنه نسبة لظروف اسرية قاهرة اضطرته للتسفار خارج العاصمه ولن يتمكن من القيام بالنوبتجيه .. مما يعنى بقائى رسميا قائما بالاعمال لمدة شهر باكمله. وافقت على رجائه وانا اصلا احضر الى المدرسة "نبطشى دائم"..حتى اطلق بعض الخبثاء من الطلاب على شخصى اسم "سيدا". كنت اسعد بالقيام بالمهمة التى كانت تتيح لى فرصة الاطلاع والتعرف على كثير من الاعمال التربوية ذات الصبغة الادارية مما فتح لى افاقا شتى فيما يستقبل من ازمان. لم تكن العطلة الصيفيه لعام 1960 هى اولى العطلات التى توليت فيها تلك المهام فقد توليتها ايضا من قبل فى عطلة عام 1959..بينما انا على كرسى الناظرفى صباح باكر من اواخرايام شهر مايو 1960 اتفحص محتويات الخطابات الواردة واقوم باعداد الردود على بعضها لدفعها الى الاخ ربيع (رئيس الديوان والقلم") لطباعتها وارسالها.. احسست بوجود وقع اقدام من كان يسيرفى قدر من الحذر نحوى داخل المكتب.. كم كانت المفاجأة ان كان المتقدم هو استاذنا الجليل امين زيدان مساعد مدير المعارف للشؤون الادارية والمالية (الذى سبق ان سردت من سيرته الذاتية الوفيرفى ذكرياتى عن حنتوب) ما أن تبيّن للاستاذ ان الجالس على كرسى الناظر هو شخصى الضعيف.. الآ وضرب كفّا بكف وقال" والله كويس .. كمان قاعد على تربيزة الناظر واسمك فى كشوفات الوزاره لسّ مكتوب بقلم الرصاص! اوْع بكره نلقاك قاعد على كرسى براون كمان"! وبعد التحية وعبارات الاجلال والاكبارله تنطلق من لسانى جلس وتواصل الحديث عن حنتوب وايامها الزاهيات وعن الكثيرين من طلابه فى داخلية "دقنه التى كان يحيط طلابها برعايته وتفانيه فى اسعادهم بالكلم الطيب وهدايته وارشاده خلال فترة "تيوتيريته" خمس سنوات متتاليات لها...عرضت عليه ليختار بين القهوة والشاى فكانت القهوة خياره مواصلا حديثه"نشرب القهوه على بال ما وصل مندوب الاشغال" على حد قوله.. استغربت لحكاية وصول مندوب الاشغال! علّقت بانه ما كان معروفا لدينا انه فى فكره للصيانه الكامله بواسطة الاشغال خلال تلك العطله.. كل المتوقع القيام به هو دهان سبّورات الفصول بمسحة من اللون الاسود ودى عادة بيقوم بها نفرمن العاملين فى المدرسة قُبيْل بداية الدراسه.. تبسم ورد " الحكايه اكبر من الصيانه..يلللآ كدا ورّينا همّتك.. اذا نجحت نعيّنك ناظر طوّالى.. اصلها المدرسه محتاجه لناظرسريع! شِد حيلك ,,حنقبل ليكم فصلين اضافيين لأن الوزاره لديها فكرة ترفيع المدرسه الى مدرسه كبرى ذات اربعة انهر.. بس دى فكره. ما تمشى تذيعها تورّى انك مدرس قديم وعارف اسرارالوزاره! بس لحد ما نشوف امكانيات المدرسه اذا فى مجال فى المبانى والمرافق ما يستوعب الفصلين..وطبعا انتو عارفين ان نُظّار المدارس حيجتمعوا عندكم لأجراء عملية القبول بعد ما تجى النتيجه من خورطقت.. جهّزتو نفسكم.؟ بينت له جاهزية المدرسه لأستقبال نظّارالمدارس فى التاريخ المحدد لبداية عملية القبول فى متصف شهريونيو. حالما تناول القهوة كان مندوب الاشعال وصل ووجدنا نتأهب لمغادرة المكتب بناء على طلبه منى اصطحابه فى جولة حول المدرسه..رافقته ومندوب الاشغال فى جولة استغرقت اكثر من ساعة تفقدالرجلان خلالها الفصول ومكاتب المعلمين والمستودعات والداخليه والمرافق جميعها الى جانب المطبخ وقاعتى الطعام والاجتماعات وامتحانات الشهادة الثانويه. وكانت تعليقاته تترى كل حين وتؤكد امكانية ترفيع المدرسة الى مصاف المدارس الكبرى اذا كان فى الامكان اكمال الاضافات المطلوبه التى لا بد من البدء فيها دون تأخير,, سالته من باب الفضول عمن يكون هو المرشّح لنظارة المدرسه .. رد على تساولى بسؤال" المدرسين مرشّحين منو؟ .. وعلى ايه ناظر ؟ مانت اهو قاعد على كرسيه.. الوزاره لو عينت ناظرانا منّك ما اقوم ليهو من الكرسى! عدنا الى المكتب وغادرالاستاذ فى معية مندوب الاشغال الذى وعد بموافاته خلال يومين على الاكثر بتقريرعما يمكن وينبغى عمله لآضافة احتيجات طلاب الفصلين السبعين على ان يكون الغالبية منهم خارجيين لآن شهر يوليو اضحى قاب قوسين او ادنى ونخشى الا نتمكنمن انشاءالمرافق المطلوب قيامها فبل بداية العام الدراسى . طلب منى الاستاذ الحضور الى مكتبه فى التاريخ الذى قطعه مندوب الاشغال لموافاته بالتقريروتقديرات ميزانية اجراء الاضافات التى لم تكن بالقدرالكبير بمثل ما كان فى مخيلة الاستاذ وكما ظن بادىء الامروذلك لعرض نتيجة الزيارة على الوزير الاستاذ زياده ارباب ومدير الوزارة الاستاذ عبدالحليم على طه.
تواصلت زياراتى الى مكتب الاستاذ زيدان متلاحقة الى ان فاجأنى الاستاذ ذات صباح باكرباصطحابه الى مكتب الوزير لحضور اجتماع لأطلاع الوزيربما تم واكتمل وما تبقى قبل سفره الى باريس لحضور اجتماهات منظمة اليونيسكو.. الاجتماع كان فى مكتب الوزير بحضوره شخصيا! وهو الذى ظل يتابع الامر ويسأئل الاستاذ زيدان كل حين عن تقدم العمل الذى كان قسم الاشغال قد بدأ فى تنفيذه ..حضور اجتماع فى مكتب الوزير ولقائه شخصيا وجها لوجه! حكايه لم تخطر لى على بال!..مكتب الوزير.. المكان الذى كنا نتحاشى المرور بجانبه فى زياراتنا و"تسكعنا" فى برندات الوزاره خلال العطلات الصيفيه نستطلع ما يرشح من اخبار الترقيات والابتعاث وغيرها مما كان يشغل بال المعلمين ويجترونه بينهم كل حين.. وكمان مقابلة زياده ارباب الصارم القسمات .. الذى لم يشاهد مبتسما ويفيض مهابة ووقارا.. اسررت الى الاستاذ زيدان ان كان من الممكن اعفائى من حضور ذلك الاجتماع.. لكنه اكّد لى ان الوزيرعارف انك انت القائم بالاعمال والمتابع "للشغلانه"واكيد بيعرف ابوك على السلاوى وعمّك بابكرصاحب اللسان الطويل الاتحادى الهوى و انت عارف زياده من قيادات الحركة الاستقلاليه) من ايام عمله محامى فى ودمدنى.. ابوك الدفعه القدّامو فى الكليه وبابكردفعتى ونحن قدّامو بسنتين فى الكليه.. صحبت الاستاذ زيدان الى المكتب اللى ما كنت اتوقع دخوله..كانت اول مرّة تطأ قدماى مكتب الوزير.. تلقانا بابتسامه مرحبا وهم يهم بالجلوس الى تربيزة الاجتماعات. قدّمنى الاستاذ زيدان للوزير" دا ولدنا الطيب ود اخونا على السلاوى.الايام دى هو القائم باعمال الناظر والمتابع معانا العمل..حيدينا تقريرسريع عن آخر تطورات الشغل..ما ترقيه نائب ناظر.. وتخليه يواصل ويحضر اجتماعات لجنة القبول اللى حتبدا قريبا"..تواصل الحديث عن كشف ترقيات الدرجات العليا ومين حيكون الناظرللمدرسه..لكن انقطع الحديثعندما عاد السيد زياده ليرد على محادثة هاتفية.. تلكأت لبضع دقائق (بعد ان هدأ روعى وذهب عنى التوتر) فى لملمة بعض الاوراق علنى استشف المزيد من الاخبارمما كان يتطلع الرفاق من المعلمين لمعرفته مما يجعلنى من الثقاة اذا ما تحقق شىء ما قد ياتى منقولا على لسانى عن اخبار تنقلات نظاربعض المدارس التى كان متوقعا ان تشهد تغييرات على قمة ادارات بعضها.. حنتوب ..والخرطوم الثانويه .. وادى سيدنا وعطبره.. وبورتسودان .. وغيرها مما ينتج عن عمليات الاحلال والابدال ما يلى ترقى البعض وتقاعد أخرين بالمعاش . عند الباب فى طريقى الى خارج المكتب سمعت صوت الوزير ينادى علىّ باسمى الاول " الطيب .. شكرا على التقرير وما تنسى تبلغ تحياتنا لبابكر وعلى . (الوالد على السلاوى كان على صلة رفقة وزمالة وثيقة دامت سنين عددا بشقيق الوزير الاكبر"عمر ارباب") وواصل حديثه الى الاستاذ عبد الحليم متسائلا عن كشف تنقلات نظار المدارس الذى جاءه الرد انه تحت الطباعه وسياتى اليه اثناء ذلك النهار للاطلاع عليه لتتم اذاعته فى نشرة الاخبار المسائية. غادرت مكتب الوزيرعائدا الى المدرسه ولدى من الاخبار ما طال وامتد انتظارالمعلمين لسماعها.. انباء اذاعة كشف تنقلات كبارهم وما سيحمله تباعا من ترقيات وتنقلات لاصحاب الدرجات الوسيطة اوالدنيا التى احمد الله ان جعل لى فيها نصيب فى ذلك العام.
عدت الى المدرسة سيرا على الاقدام وفى نفسى انطباع جديد عن الوزيرظل يجول فى مخيلتى طوال مسيرتى عائدا الى المدرسه حيث كان لى لقاء وجها لوجه بالاستاذ عبد القادر ابراهيم.. الشهير بأسم "تلودى" وهو خارج من مكتب الناظر وعلى وشك الدخول الى مقعد سيارته .. تلك كانت المرّة الاولى للحديث اليه .. فاجانى بالتحية الحارّه وبأسمى الاول برضو! كنت اعلم انه ابن دفعة للوالد فى كلية غردون تخرُّجا فى ديسمبر 1930 فضلا عما كان الوالد يستعيده عنه من ذكريات ايام دراستهم فى الكلية مستذكرا تميزه كلاعب كرة القدم فى فريق "الكومباوند او الكومبايند" - الفريق الاول فى كلية غردون ومن لاعبى فريق المريخ عند تاسيسه .. كنت اراه من حين لآخر فى دار الرياضة بام درمان بين رواد المصطبة الوسطى فضلا عن لقاء لى به فى احدى زياراتى مع الشيخ كرف الى فسم الدراسات الاضافية فى معهد الخرطوم الفنى لصرف مستحقات مالية لنا نظير مشاركتنا فى تدريس مسائى فى ايام محددة للراغبين فى الجلوس لآمتحانات الشهادة الثانوية كان فسم الدراسات الاضافيه Further Educationتحت اشراف الاستاذ عبدالله رابح سكرتير نادى الهلال الامدرمانى..بعد دقايق عاد الاستاذ تلودى الى مكتب الناظر ومن حديثه وبعض تساؤلاته جاءنى الاحساس ان الرجل هو الناظر المرتقب للخرطزم الثانويه.. وحيث انه تبسط فى الحديث مع شخصى الضعيف تجرأت وسألته ان كنا سنسعد بنِظَارته فى الخرطوم الثانويه.. تبسم دون ان يفصح ولكنه زاد متسائلا.. سمعت شنو فى مكتب الوزير .. انا سألت عن الضابط النبطشى ..عرفت من فتح الله انك انت اللى ماسك وحتمسك دورة تانيه وقالوا كنت فى اجتماع فى مكتب الوزير! تخابثت عليه وقلت "برندات الوزاره مرشحاك لحنتوب.".جاءنى رده" الله يكفينا شرلسان برندات الوزاره" ,, وافصح عن مكنون ما فى نفسه.. انا ما مارق من الخرطوم . حنتوب اليودّوا ليها هاشم ضيف الله ولآ احمد سعد" وتواصل الحديث عن الكوره والتحكيم عندما تدخل فتح الله الذى كان سكرتيرا لنادى ابو عنجه معلقا" السلاوى دا رايك شنو فى تحكيمو..موش تفتكر يا استاذ انه بيتحيز للهلال!" سعدت كثيرا بما ابداه الاستاذ عن ممارساتى وقدراتى التحكيمية نافيا عنى التحيز المزعوم..ومدافعا عنى فى اطناب لذ لى الاستناع اليه .. وتبادلنا الاحاديث من هنا وهناك الى غادر الاستاذ المدرسه. فى ذلك المساء اعلنت التنقلات وصدق حديثه ان كانت حنتوب من نصيب هاشم ضيف الله خلفا لجسن احمد الحاج مثلما كانت وادى سيدنا من نصيب احمد سعد خلفا لحسن فريجون ولم "يمرق تلودى من الخرطوم ".. رحم الله اولئك الكرام من المعلمين فى اعلى عليين.
والى لقاء قادم مع حقبة زمنية جديدة من تاريخ الخرطوم الثانويه وقد ارتفعت منزلتها الى مصاف الثانويات الكبرى بين يدى "الاستاذ الشيخ" عبد القادر تلودى و"تلميذه الفتى" ابراهيم شبيكه.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.