بسم الله الرحمن الرحيم صديقي إسحاق محمد ماهر..من ملوك التعليقات اللماحة..يلقيها ببرود يحسده عليه الانجليز..ويقتصد في الضحك بعدها..جاءه في دكانه في المدينة رجل ستيني متهللاً..فسأله عن سر ذلك فأجاب ..لقد قمت بكل ما علي..فقد زوجت آخر الأبناء..وكنت قد أديت وزوجتي فريضة الحج سابقاً..ففاجأه قائلاً ..هناك شي لم تقم به بعد..فاستفسر الرجل عنه متعجباً..فأجابه( تعمل ليك عملية بروستات وتمرق كرسي قدام الباب !!) هكذا ببساطة ..وضع أمام الرجل هاجساً من هواجس كبار السن في بلادنا.. كيف لا وإنه إعلان جهير بنهاية عهد الفحولة التي تعتبر من علامات الرجولة..وتذكرت امرأة أجريت لزوجها فقالت لصويحباتها القائمات بواجب الزيارة في المستشفى متعجبة ( لم يجُبوه!!) فهكذا هي الصورة.. ودائماً يسخر كبار السن من بعضهم متضاحكين..ولا تنسى مدينة حلفا ظريفها المرحوم صالح قُشي الذي كان يقول ..إذا ما كبرنا تعاملنا زوجاتنا مثل غنم المنزل ..يقمن بفتح باب الشارع مع الشروق لنخرج ..ويغلقنه حتى قبيل الغروب ليفتحنه لندخل..ويتركننا خلال اليوم لبناتنا !ّ الهاجس الثاني في المخيلة السودانية هو المعاش ..قديماً كان الموظف القادم من الريف..يستفيد من سلفية البنك العقاري ويبني بيته غالباً في المدينة لمصلحة أبنائه..بغياب ذلك مع جور الزمان..وضعف الرواتب وهزال الاستبدال..فوجئ فني من قري الجزيرة يعمل في سكر حلفا بخطاب المعاش فقال ( والله الشيش والنمالي ديل غشونا غشة!!) وكان بالطبع في باله ما سيحل بمكافأة نهاية الخدمة والاستبدال..فلن يكفي لشراء بيت في المدينة..ولا في قراها الآن بالطبع لارتفاع أسعارها..ومعناه العودة إلى قريته النائية..وذهاب صورة رجل الميري ..والأسوأ من ذلك تعامل أسرته معه.. فقد فوجئ صديق لي بغياب كل بناطلينه وقمصانه التي اجتهد للتأنق بها من المنزل بعد أسبوعين من تقاعده..بالسؤال ..علم أنهم قد استبدلوا بها الأواني المنزلية !! قائلين(حتعمل بيها ايه !!؟) أما الاستبدال ..فستجتمع الزوجة والأبناء بعد الحصول عليه بخراج الروح..ويوزعوه توزيع الكمونية..فيجد نفسه بعدها أمام ضعف المرتب المعاشي الذي لا يمكن أن يغطي ما لم يستطعه الراتب من قبل..ويبحث عن عمل يزيد به دخله بعد ذلك ..خاصة إذا لم يتخرج أبناؤه..أو تخرجوا وأصبحوا موظفين !.. إذا قارنا هذه الصورة مع تقاعد دول الكفر.. فستجد أن المكافأة كبيرة..يخطط الموظف لما سيعمله به منذ تعيينه..فمنهم من يتجول سائحاً حول العالم..( لاحظ أن معظم السياح من كبار السن) ومنهم من يكون بها منظمات طوعية وغيرها..لذا تظاهروا عندما حاولت الحكومة في فرنسا رفع سني المعاش ..أما هنا ..فقد هدأت هواجس الأسر بمدها خمسة سنين..متناسين أنه مجرد تأجيل للمشكلة لا حلاً لها.. كل هذه الصور انداحت أمامي عندما قابلني عامل لحام كنت استعين به في موقع العمل وتعجب من وجودي في مكان غيره..عندما أخبرته بتقاعدي..صعق كمن سمع بإصابتي بداء عضال لا قدر الله لي ولكم..وتعجب كغيره عندما أخبرته بأنني اخترت ذلك وكان يمكنني الاستمرار أربعة أعوام أخرى في الشيش والنمالي وعربة الحكومة مهما كانت كركعوبة..فطمأنته بأنني متحسب لذلك بعون الله ..وبهواياتي التي عودت نفسي عليها بفضل الله ..سأكون أفضل حالاً بعونه تعالى.. فهذا النظام ..قد تفنن في جعلنا نسعد بمغادرة دواوين الحكومة رغم مد سني المعاش لحل أزمته في استثمارات المعاش..ورغبة نقابييه ( الحارقين) في الاستمرار بالتمتع بامتيازاتهم.. [email protected]