راشد عبد الرحيم: الجنسية والقبيلة    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث: المدنيون في الفاشر يكافحون بالفعل من أجل البقاء على قيد الحياة    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يهزم مازيمبي بثلاثية نظيفة ويصعد لنهائي الأبطال    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    أرنج عين الحسود أم التهور اللا محسوب؟؟؟    وصول طائرة للقوات المسلّحة القطرية إلى مطار بورتسودان    الصناعة.. قَدَر الخليج ومستقبله    السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منتجع السبلوقة السياحي العلاجي
نشر في الراكوبة يوم 08 - 09 - 2016


بسم الله الرحمن الرحيم
منتجع السبلوقة السياحي العلاجي
ملخص الدراسة:
في ثلاث سنوات فقط (1978-1980) أطلقت مصر عشرة مشاريع لمدن جديدة لتقام في الصحراء المحيطة بالقاهرة. نشطت شركات التطوير العقاري في إعمار تلك المدن وأقبل المغتربون المصريون وغيرهم من العرب على شراء الشقق والفيلات والمواقع الخدمية والصناعية. حققت تجربة المدن الجديدة نجاحاً كبيراً وكانت وسيلة فعالة في إجتذاب مدخرات المصريين العاملين بالخارج والتحكم في النزوح إلى القاهرة.
أما الأردن التي تعاني من شح الموارد الزراعية فقد سعت إلى التغلّب على فقرها في الموارد باستثمار عقول أبناءها. إتجهت الأردن نحو صناعة السياحة العلاجية منها وبلغت في ذلك شأواً عظيماً والسودانيون خير من يشهد على ذلك النجاح.
يجهل كثير من السودانيين الذين إغتربوا لسنوات طويلة أو أرتادو أقاصي الدنيا لشتى الأغراض من بينها السياحة، يجهل هؤلاء أنه على مرمى حجر من عاصمتهم توجد بقعة طيبة من أرض السودان سيكون لها شأن عظيم في مستقبله. هي كما نراها اليوم " خامة؟ إجتمعت فيها كل الأسباب لقيام نهضة سياحية تسهم في المدى القريب في إنتشال الإقتصاد السوداني من عثراته ثم تتحول لاحقاً إلى محضن ومنصة إنطلاق لصناعة راسخة في قطاع السياحة. تتمثل أهمية السياحة في كونها تعتبر من أكثر قطاعات الإقتصاد نمواً في عالمنا المعاصر ونستدل على ذلك بموقعها المتقدم بين الصادرات غير المرئية.
أن البقعة التي نعنيها هي منطقة السبلوقة التي تقع شمال العاصمة بمساحة ثمانين كيلومتر تحتشد في هذه المنطقة مجموعة من عناصر الجذب السياحي سيتعرف عليها القارئ الكريم في سياق هذه الدراسة الأولية.
أننا ندعو المستطيعين للقيام بسياحة عبر الشبكة (النت) باستخدام نظام قوقل لرؤية المواقع التي أشرنا إليها.
كما ندعو القادرين لزيارة منطقة السبلوقة سيما وطريق الريف الشمالي يشكل إمتداداً لطريق وادي سيدنا بشمال أم درمان.
ألى هذه المعطيات الطبيعية نضيف المرتكز الأهم وهو السوق السياحي. ويعلم الجميع أن البوصلة التي يهتدى بها المستثمر الذي يرغب في الإستثمار الخدمي أو السلعي هي مدى إتساع السوق وحجم القوة الشرائية.
أننا على ثقة تامة من أن العاصمة القومية لوحدها تشكل سوقاً واعده للسياحة الترويجية والعلاجية وذلك دون أن نحسب السودان الواسع ودول الجوار وغيرها. لعله من المناسب هنا أن نذكر أن قيام منتجع ترفيهي – سياحي على مقربة من المدن المليونية أصبح ضرورة إجتماعية ومجال واعد للاستثمار.
نستدل على ما ذكرناه بالقناطر الخيرية في شمال القاهرة ، "ديزني لاند" بالقرب من مدينة لوس أنجلز الأمريكية ، كورنيش جدة بالسعودية ، الأسكوريال في شمال العاصمة الأسبانية مدريد ومدينة أرانخوز في جنوبها، ديزني الأوربية بالقرب من باريس أما سكان لندن فلهم خيارات ما بين برايتون وبورن ماوث .. وهكذا. أننا تدعو القراء الكرام وبصفة خاصة المغتربين لاستصحاب الحقائق التي أوردناه وهم يطالعون طرحنا حول منتجع السبلوقة السياحي – العلاجي.
لا أحد ينكراليوم الدور الكبير الذي يلعبه قطاع السياحة في الاقتصاد العالمي، أما على الصعيد الوطني ففي كثير من الدول ظلت السياحة تقوم فيها بدور القاطرة لمعظم القطاعات الاقتصادية وذلك بدءً بقطاع الإنشاءآت وإنتهاءً بقطاع الخدمات. لعل أكثر ما يميز قطاع السياحة هو كونه يمثل أداة فعاّلة في محاربة البطالة والفقر بما يتيحه من فرص واسعة للإستخدام في مرحلتي الإنشاء والتشغيل. بهذا الفهم وغيره نطرح مشروع لقيام منتجع سياحي – علاجي بمنطقة السبلوقة التي تقع في جنوب محلية المتمة بولاية نهر النيل.
يستند ترشيحنا لمنطقة السبلوقة لكونها تتميز بالخصائص التالية:
1- وجود شلال السبلوقة الذي يمتد شمالاً لمسافة سبعة وعشرين كيلومتر من قرية الحقنة الواقعة عند الحدود بين ولايتي الخرطوم ونهر النيل. يتميز هذا القطاع من نهر النيل بكثافة الكتل الصخرية التي تعترض مجرى النيل وبكثرة الجزر وبكثافة الغطاء النباتي على الجزر وعلى الضفاف مما يضفي على مجري النيل أجواء شبه إستوائية وسط بيئة شبه صحراوية!
2- وجود سلسلتي جبال الحقنة اللتان تحيطان بمجرى النيل لمسافة أثني عشر كيلومتر فيما يعرف بخانق السبلوقة The Sabaloka Grage. يبلغ إرتفاع السلسلتين مائتي متر فوق سطح الأرض المحيطة وعلى قمتي السلسلتين توجد هضبتان يمكن استثمارهما للأغراض السياحية كما هو الحال مع خانق السبلوقة بجدرانه الصخرية العالية.
3- تتمدد إلى الغرب من شلال السبلوقة الأجزاء الجنوبية من صحراء بيوضة التي تشكل هي الأخرى عامل جذب سياحي فيما يُعرف بسياحة الصحراء أو سياحة البر الشائعة في دول الخليج. إضافة لذلك فعلى الموقع المرشح لقيام المنتجع تتناثر تلال وجبال سيكون من الممكن استيعابها في المخطط العمراني للمنتجع.
4- تنحدر نحو النيل عدة أودية موسمية متقطعة الجريان وهي أودية: الحقنة، بشارة، الطندب، أبو رغيوة ، أبو أرانب، الحنكيت، الشهداء، أبو حوّية. وأخرى. على هذه الأودية والخيران يمكن إنشاء سدود ترابية لحصاد المياه متما كان الخريف ممطراً. تكمن أهمية هذه السدود في تغذيتها للمياه الجوفية التي يمكن ضخها للإستخدام البشري دون معالجة كما أن السدود تمثل أحد الوسائل لنثر المياه لإثراء الغطاء الشجري والعشبي مما يجعلها ملاذات للحيوانات البرّية الهائمة في الصحراء وبذلك تتحول تلك الأودية إلى حظائر ومحميات طبيعية أن وجدت الرعاية والحماية من محلية المتمة.
5- تشكل الأراضي الفيضية على جانبي الشلال وأسفله بداية وادي النيل وعلى تلك الأراضي الخصبة تنتعش زراعة المحاصيل البستانية. لهذا النوع من الزراعة أهمية إقتصادية وبيئية وترويحية بالنسبة لأهل المنطقة وزوار المنتجع السياحي العلاجي.
6- أما البعد الثقافي لمنطقة السبلوقة فيتمثل في مرور زوارها من العاصمة بجبل كرري، آثار الشهيناب، مزار الشيخ الطيب. أما بشرق النيل وإلي الشمال قليلاً فتوجد آثار النقعة والمصورات إلى الشرق من شندي كما توجد إهرامات البجراوية إلى الشمال منها.
7- وجود أعلى كثافة سكانية وأعلى متوسط دخل في السودان بالعاصمة القومية بعد ان ناطح عدد السكان الثمانية مليون نسمة وهو عدد مرشح لأن يتضاعف بحلول عام 2030. بهذه الكثافة السكانية تشكل العاصمة- بعد ان أضحت العطلة الأسبوعية يومين - سوقاً واعده للمنتجع الذي يبعد عنها بمسافة 70-80 كيلومتر فقط وحوالي الساعة ونصف الساعة بالطريق البري.
8- لا توجد مشاكل حيازات الأرض في الموقع المرشح لقيام المنتجع وذلك لسبب بسيط وهو أنه موقع صحراوي يستحيل عقلاً أن يدّعى البعض أن أجدادهم كانوا يزرعونه!
9- توفر بنيات أساسية لها أهمية قصوي عند قيام ومستقبل المشروع. نعني بتلك البنيات وصول شبكة الكهرباء إلى المنطقة وذلك بالإضافة إلى إمتداد طريق الريف الشمالي من شمال أم درمان إلى الموقع المقترح. يمثل هذا الطريق المرحلة الأولى من طريق النيل الغربي الذي يجرى تنفيذه في قطاعات على إمتداد مجرى النيل.
10- إمكانية ان يلعب النقل النهري دوراً هاماً في أحياء المنتجع السياحي فالباصات النهرية يمكن ان تنقل السياح والزوار من العاصمة إلى قرية الحقنة القريبة من المنتجع كما يمكن ان تنظم رحلات نهرية من نهاية شلال السبلوقة إلى أهرامات البجراوية أو لزيارة مدينتي شندي والمتمة.
11- عند إكتمال المطار الجديد بجنوب غرب ام درمان وإزدياد الأقبال السياحي/ العلاجي بالمنتجع سيكون من الممكن إنشاء خط حديدي يصل ما بين المطار والمنتجع مروراً بغرب أم درمان.
12- سبق ان أُعدت دراسة أولية لإنشاء خزان السبلوقة بطاقة توليد تقدر بمائة وعشرين ميقاواط. الآن وقد قطعت أثيوبيا شوطاً في تنفيذ سد الألفية فإن إنتظام جريان النيل سيضاعف من طاقة خزان السبلوقة في التوليد لهذا فمن المرجح أن يقام هذا السد في مستقبل منظور. بالنسبة للسياحة ستكون زيارة الخزان كمعلم هندسي مصدراً للمتعة والمعرفة، هذا بالإضافة إلى الإمكانات السياحية التي ستوفرها بحيرة السد.
13- أخيراً فمن ميزات الموقع المرشح للمنتجع السياحي – العلاجي انه موقع قريب من مواد البناء الترابية والحجرية. إلى الغرب من الموقع تتمدد حتى خط الأفق الكثبان والسهول الرملية ويوجد الحصى في مجارى الخيران الموسمية وهنا وهناك توجد كتل جبلية توفر الخامة للكسارات وفي عدة مواقع توجد بؤر لتراب الردميات. أما بالنسبة للأسمنت فهو صناعة الولاية الأولى ويمكن نقله بالشاحنات عبر جسري شندي وأم الطيور.
لماذا غرب النيل لقيام المنتجع السياحي – العلاجي؟.
ترى الدراسة أن غرب النيل بولاية نهر النيل أقل حظاً في التنمية من شرق النيل وذلك لأسباب بعضها تاريخي والبعض الأخر معاصر. أن أهم الأسباب التاريخية هي صلة شرق النيل المباشرة مع أرض البطانة وميناء سواكن ثم جاء أنشاء الخط الحديدي في بداية القرن العشرين ليرسّخ هذا التفوق- لهذا قامت أو إنتعشت مدن أبو حمد، بربر، عطبرة، الدامر وشندي بشرق النيل ولا توجد نظيرات لها بغرب النيل سوى المتمة التي هجرها أهلها رغماً عن أرثها التاريخي العظيم! مؤخراً تم إنشاء طريق التحدي الخرطوم – عطبرة وتواصل شمالاً إلى أبوحمد فأحدث المزيد من الإنتعاش الاقتصادي بشرق النيل.
ترى الدراسة أيضاً أن كثافة حركة المرور بطريق التحدي بشرق النيل وكثرة الحوداث التي نتجت عنها تشكل سبباُ آخر لتجنب شرق النيل.
أن قيام المنتجع السياحي – العلاجي بغرب النيل وإن كان في أقصى جنوبه فإنه يسهم في إحداث التوازن التنموي بين ضفتي نهر النيل كما يزيل هواجس حوداث المرور القاتلة لدى زوار المنتجع السياحي – العلاجي بغرب النيل.
عوامل الجذب السياحي:
أن منطقة السبلوقة كما وصفناها تشكل – في رأينا- خامة سياحية ممتازة تنتظر من يجلوها ليظهر بريقها أمام الجمهور السوداني والزوار الاجانب.
لهذا لا بد من أن يشمل المخطط السياحي على عدد كبير من عناصر الجذب والتشويق ومن ثم يتم طرحها على المستثمرين وذلك مع بعض الإستثناءآت التي تعتبر من صميم مسئوليات الدولة. أدناه نقدم بعض الأفكار التي يمكن تحويلها إلى مشروعات تثري المنتجع وتجعل الجمهور يقبل عليه والأفكار وهي:-
أ/ إشاعة الخضرة والظلال والجمال:
في بلد كالسودان ترتفع فيه درجات الحرارة إلى مستويات قياسية ويكاد وهج الشمس أن يعمي الأبصار فإن أكثر ما يتمناه الإنسان هو الخضرة والظل الرطب والمياه الجارية.
لهذا السبب أعطينا في طرحنا اعمار المنظر أو ال Landscaping أهمية لا تقل عن أهمية البنيات الأساسية التي لا يقوم المجتمع الحضري بدونها. بهذا الفهم نرى أن تكون ضربة البداية في إنشاء المنتجع السياحي العلاجي هي تكثيف التشجير في الشوارع والساحات متما أتضحت معالمها في المخطط الحضري. هدفنا من البداية المبكرة للتشجير هو ان تصل الأشجار المنتقاه إلى درجة متقدمة من النمو عند إكتمال الأعمال الإنشائية بالمنتجع.
ساعة إكتمال التشييد تبدأ المرحلة الثانية لأعمار المنظر وهي المرحلة الخاصة بزراعة النجيلة في الساحات والميادين والأكثار من نباتات الزينة وحبذا لو بنيت جداول في الشوارع المخصصة للمشاه لتجري عليها المياه، دون ذلك فلتعلق مواسير تنثر رذاذ المياه في نهارات الصيف!
بمرور السنين ستنمو أشجار الظل وتتعانق فروعها لتحول الشوارع إلى ظلال ممتدة ويسعد بالسير عليها والجلوس على جنباتها زوار المنتجع.
ب/ حديقة حيوان كبرى:
يفتقر السودان وعاصمته القومية إلى حديقة حيوان جامعة. لهذا ترى الدراسة أن يشتمل مخطط المنتجع السياحي على موقع لإنشاء حديقة حيوان بمواصفات الألفية الثالثة. ينتظر أن تعكس هذه الحديقة تنوع السودان البيئي ومن ثم أثرائها باستجلاب المزيد من الحيوانات البرّية التي تزخر بها أفريقيا والأقاليم المدارية في أسيا وأمريكا الجنوبية. إلى جانب دورها الترويحي والعلمي والثقافي ستسعى الحديقة المقترحة إلى إكثار الفصائل المهددة بالإنقراض وهو الأمر الذي سيكسبها تعاطف ودعم المنظمات الدولية والمؤسسات المهتمة بهذا الأمر.
في ذات الوقت يمكن للحديقة أن تتحول إلى مشروع استثماري ليس بقيمة تذاكر الدخول فحسب وإنما بإنتاج الحيوانات البرّية المطلوبة في حدائق الحيوان على نطاق العالم أو لدى مراكز البحوث والمختبرات الطبيعية ولدى الخاصة من الهواة وأصحاب القصور! من جهة أخرى فإن ثراء وتنوع الحيوانات البرّية والأبحاث التي يجريها علماء الحيوان والبياطرة المتخصصون حول الامراض وعلاجها، وحول طبيعة وسلوك الحيوانات البرّية ستعطي الحديقة شهرة عالمية لتتحول إلى مركز للبحوث يتدافع لزيارته علماء الحيوان والبيئة. بمثل هذه المشاريع يكتسب السودان شهرة علمية ومكانه أدبية بين الدول. في ذات الإتجاه ترى الدراسة أن تعلن حكومة ولاية نهر النيل بان محلية المتمة أو جنوب الولاية كمحمية طبيعية يحظر فيها الصيد مما يجعل المنطقة جاذبة للحيوانات البرية.
لمزيد من الأثراء لحديقة الحيوان ترى الدراسة أن تكون في ذات الوقت حديقة نباتية تجمع بين كل نباتات السودان مع إيضاحات مكتوبة عن أسمائها ومناطقها واستخدامها... وهكذا. تلك بعض الأفكار التي يمكن ان تشكل نواة لإضافات من أهل التخصص.
أن مشروع حديقة الحيوان بطبيعته مشروع ينبغي أن يتبناه القطاع العام ممثلاً في الحكومة الإتحادية. في اعتقادنا يكفي أن تضع الحكومة المخطط وتشرع في التنفيذ وحتماَ ستصل المساعدات والمنح من حيث تدري ولا تدري. ليخرج مشروع حديقة الحيوان بمقاييس ومواصفات مشاريع الألفية الثالثة لا بد من الاستفادة من التجارب العالمية المعاصرة ومن بيوت الخبرة كجمعية الحيوان اللندنية London Zoolgical Society التي سبق أن أستعان بها العهد المايوي لوضع مخطط لحديقة حيوان حديثة ولكنها لم تقم إلى يومنا هذا!؟
مدينة الملاهي:
لا يخلو منتجع سياحي عادة من مدينة للملاهي فهي مصدر إمتاع للصغار والكبار على حد سواء. لقد ابتكر العالم إنماطاً لا تحصى من أنماط التسلية لهذا ينتظر من من يستثمر في هذا المجال أن يقدم أحدث الابتكارات في التسلية والتشويق والترويح.
أن التكلفة العالية لإنشاء مدينة الملاهي قد تعزل المستثمر السوداني وتحصره في مستثمرين أجانب يملكون ما يكفي من رأس المال ويتمتعون بخبرات إكتسبوها من تجاربهم في بلدانهم او في دول أخرى.
د/ ساحة الثقافة أو ساحة المعرفة:
ترى الدراسة أن المنتجع السياحي يمكن أن يتحول إلى رافد من روافد المعرفة والثقافة العامة. أن تقديم جرعات صغيرة ورشيقة من المعارف العامة يمكن أن يفتح شهية الكثيرين خاصة الناشئة للاستزادة بالإطلاع والمتابعة.
لنشر المعارف والثقافة على نطاق واسع ترى الدراسة أن يقوم مبنى دائري بقطر لا يقل عن الألف متر وأن يتكون المبنى من عشرات الصالات وتتوسطه ساحة خضراء وظليلة. ان أنسب الجهات لتبني هذا المشروع هي الجهات ذات الصفة العامة كصندوق الضمان الإجتماعي، صندوق أو صناديق المعاشيين مؤسسة الشهداء أو المصارف.
في تصورنا تؤجر هذه الصالات للجهات المعنية بشأن المعرفة والثقافة وإلى المؤسسات التي ترغب في التعريف بنشاطها وذلك بتقديم مواد إعلامية وتعريفية بأسلوب مبسط وجذّاب باستخدام الصور، البيانات، الرسومات، المجسمات وأفلام الفيديو والأقراص المدمجة وذلك مع وجود مكتبة لمن يرغب في الشراء او الإطلاع. أما المجالات التي تنفرد بها كل صالة فهي قائمة طويلة نذكر منها: تاريخ السودان، تاريخ العاصمة، ولايات السودان، قبائل السودان بتراثها وفلكلورها، تاريخ ورموز فن الغناء والموسيقى تاريخ ورموز كرة القدم، حكومات السودان منذ الإستقلال، المنظمات الدولية والاقليمية وأنشطتها، حروب العالم الكبرى، الدول الأفريقية، العربية والإسلامية ، الخلافة الإسلامية منذ عهد الخلفاء الراشدين وحتى الدولة العثمانية.. الخ، وذلك مع بيانات حول المواقع الألكترونية لكل موضوع.
إلى هذه المجموعة يمكن أن تخصص صالات كمتاحف ومعارض ل: الفن التشكيلي، الطوابع، العملة، الثروات المعدنية، استخراج البترول وصناعة مشتقاته ومستقبله، السدود في العالم وفي السودان، علوم الفضاء، تاريخ وحاضر ومستقبل السكة الحديد والنقل النهري مع إبراز إبداعات العالم في هذين المرفقين، النقل الجوي، الاحتباس الحراري وتغير المناخ. نضيف أيضاً إلى عوامل الجذب السياحي:
تخصيص شوارع للمشاة فقط – اي دون السيارات – وذلك لإتاحة الفرصة للأسر التنزه والتسوّق دون خوف على صغارها من سيارة مسرعة أو ركشة تنفث الدخان. شوارع أخرى تستخدم كمضامير لممارسة رياضة الجري والمشي والهرولة في ظلال الأشجار.
طاقة إيوائية كافية ومتنوعة تشمل الفنادق والموتيلات والشقق المفروشة والمنازل وبيوت الشباب.
تأجير الخيام للنزهات الخلوية التي تنظم في الظهير الصحراوي مع تقديم خدمات ركوب الخيل والجمال والحمير والبغال!
المطاعم الحديثة والشعبية وأخرى متخصصة في فنون الطبخ الأجنبي كالصيني والهندي والمغاربي.. الخ وذلك إلى جانب ماكان يعرف في إحتفالات المولد النبوي الشريف بسوق الذلعة ولكن بلمسات من سوق الناقة المعاصر!.
تتشارك الفرق الرياضية في إنشاء مجمع رياضي لممارسة كل أنواع الرياضة وعلى رأسها كرة القدم ليستخدم أالمجمع يضاً لتنظيم معسكرات ما قبل المنافسات للفرق السودانية والأجنبية.
إنشاء بازار وورش صغيرة للصناعات التقليدية لبيع وصناعة التحف التذكارية وعرض وبيع تحف من شتى بلاد العالم واستقدام حرفيين أجانب لتوطين صناعة التحف غير الموجودة في السوق السوداني.
إنشاء مسرح لتقديم مسرحيات وصالات للعرض السينمائي والحفلات الغنائية.
الأسواق والبوتيكات المتخصصة لمن تستهويهم سياحة الشراء وقد ترى إدارة المنتجع تنظيم أسواق أسبوعية تحت شعارات " من المزرعة إلى المستهلك "أو من المصنع إلى المستهلك" أو من "تاجر الجملة والمستورد إلى المستهلك" وذلك بالإضافة إلى فرع للأسواق الحرة. ستكون هذه الأسواق جاذبة للأسر العاصمية عند زيارتها للمنتجع في عطلة نهاية الأسبوع وبذلك تجمع تلك الأسر بين السياحة الداخلية ومتطلبات الاقتصاد المنزلي!.
الإحياء السياحي: Touristic animation:
تهتم حتى المدن السياحية ذات الشأن من حيث الإشعاع الثقافي والأرث التاريخي والجمال تهتم بالأحياء السياحي لجذب السياح خاصة في غير المواسم السياحية. يمثل الإحياء السياحي بالنسبة لتلك المدن وسيلة لإبقاء الطلب على الفنادق وكل الخدمات السياحية عالياً وبذلك يتواصل الإنتعاش الاقتصادي عبر المواسم في كل القطاعات الإنتاجية والخدمية ذات الصلة بالسياحة.
لهذا نرى ضرورة قيام إدارة خاصة بالأحياء السياحي بمنتجع السبلوقة السياحي وينتظر من تلك الإدارة أن تكون خلاقة وقادرة على إقتباس وتوطين وإبتكار الوسائل والبرامج التي تجعل من المنتجع السياحي جذاباً طوال العام.
من بين الأفكار التي يمكن الإهتداء بها وأثرائها بالمزيد نذكر:
المسابقات الثقافية والشعرية والمنتديات الفكرية.
المسابقات الرياضية ليس في كرة القدم فقط وإنما في كل ضروب الرياضة.
المنافسات الشعبية البسيطة كجر الحبل والمصارعة والجري بالجوالات.. الخ.
الحفلات الغنائية وتنظيم منافسات غنائية لنجوم الغد مثلاً.
النوافير الراقصة على الإيقاعات الموسيقية والمضاءة ليلاً لتتحول إلى سيمفونيات تتشكل من إندفاع المياه في أشكال تتنوع على إيقاع الموسيقى والإضاءة الملونة.
إستخدام أشعة الليزر لإطلاق أعمدة ضوئية ليلاً وتشيكلها تارة كمثلثات واخرى كمربعات او مستطيلات وثالثة كأهرامات.
ضخ مياه النيل إلى الهضبتين إعلى سلسلتي جبال الحقنة ومن ثم إطلاق المياه كشلالات إصطناعية أو بنثرها كرذاذ ينزل على العابرين مضيق السبلوقة بالبصات النهرية والمتنزهين بالبواخر برداً وسلاماً في نهارات الصيف.
تركيب مايكروفات على جدران مضيق السبلوقة لتجسيم الصوت تارة لتلاوة القرآن وأخرى للأغاني والموسيقى المحببه للنفوس. بفعل التجسيم والإصداء تصبح الآيات القرآنية اعمق نفاذاً والموسيقى أكثر تأثيراً.
تركيب العربات الكهربائية المتحركة على قضبان Cable – cars للصعود إلى والنزول من الهضبة أعلى جبال الحقنة الغربية. في تلك الهضبة يمكن قيام كافتيريات ومطاعم تصطف على أطرافها مناظير مقربة أي تلسكوبات لرؤية المواقع البعيدة وذلك بالإضافة إلى مرصد مبسط للنجوم! من ذات الهضبة يمكن أطلاق الألعاب النارية في عطلات نهاية الأسبوع وفي المناسبات.
سباق الخيل والهجن والحمير في اطراف المنتجع وسباق الدراجات في شوارع المنتجع.
سياحة المهرجانات الولائية والإقليمية التي يمكن أن تنظم بمشاركة دول الجوار من بين تلك المهرجانات نذكر مهرجان الرقصات الشعبية، الاغاني، الجاز، الطبل الأفريقي، السينما الأفريقية، الأفلام الوثائقية، الموسيقى العسكرية، التصوير الفوتوغرافي، الفن التشكيلي....الخ.
المنافسات الولائية وبين دول الجوار في شتى ضروب الرياضة غير كرة القدم ونعني كرة المضرب (التنس) ، كرة الطاولة، الكرة الطائرة، كرة السلة، كرة الماء وألعاب القوى، الجرى، كرة اليد، القفز على الحواجز، السباحة، حمل الأثقال.. الخ.
الترويج لسياحة المؤتمرات وتشمل: ورش العمل، السيمنارات، المؤتمرات، الندوات التي تمتد لعدة أيام. في المنتجع السياحي يجد المشاركون في الندوات البيئة المساعدة، الإقامة المعتدلة التكلفة والقدرة على الحركة دون الحاجة لسيارات وان شكا أحد المشاركين من علة طارئة او أراد مراجعة حالته الصحية فالمستشفيات على مرمى حجر (راجع السياحة العلاجية لاحقاً).
الاتفاق مع إدارات الجامعات والمدارس الثانوية بالأقاليم لتنظيم زيارات للمنتجع ومنها ينطلق الطلاب لزيارة معالم العاصمة.
الإتفاق مع وزارتي التربية بولايتي الخرطوم ونهر النيل لتنظيم رحلات لطلاب التعليم العام في عطلات نهاية الأسبوع لزيارة المنتجع بما فيه من حديقة حيوان ومدينة ملاهي وبقية عناصر الجذب السياحي خاصة الثقافية منها.
تقديم عروض خاصة لإقامة العرسان وإعداد برامج احتفائية بهم في مواسم الأعراس كشهر رجب وما بين العيدين.
السياحة العلاجية .. والمدينة الطبية:
تعتبر السياحة العلاجية من بين أهم عوامل الجذب السياحي وقد أستفادت عدة مدن أوربية من هذا النوع من السياحة. من بين تلك المدن نذكر على سبيل المثال: لندن، باريس وبرشلونة وهي المدينة التي أشتهرت بطب العيون.
أنضمت إلى " سوق العلاج" القاهرة وعمان ومؤخراً العاصمة التايلندية بانكوك وثلاثتها تشكل مقاصد للسياحة العلاجية خاصة من الدول العربية.
ترى الدراسة أن السودان بأرثه وخبراته في الطب الحديث مؤهل لاستقطاب هذه السياحة المتخصصة رغماً عن ما يشكو منه اهله من تدهور في الخدمات الطبية!.
أن إتجاه الدولة نحو توطين العلاج بالداخل والإقبال المتزايد من مواطني دول الجوار الأفريقي تعتبر مؤشرات إيجابية وهذا ما يدفعنا إلى طرح السياحة العلاجية كأحد عناصر الجذب السياحي.
تتمثل عناصر الجذب للسياحة العلاجية في السودان في:-
1/ وجود عدد كبير من الأطباء السودانيين من ذوي الخبرة والمهارات الطبية المشهود لها. أن معظم هؤلاء ينتمون إلي جيل الستينات وما بعده من القرن الماضي. بعض هؤلاء يمارس مهنة الطب داخل الوطن والبعض الآخر يشكل نسبة عالية من الأطباء المغتربين الذين يقدر عددهم بعشرة ألف طبيب وكادر طبي.
وفقاً لذات التقديرات فإن 80% من الكوادر الطبية متعاقدون مع دول الخليج و 20% بيريطانيا وإيرلندا وبقية دول العالم. أن الرقم الذي سبق ذكره يشمل كل التخصصات الطبية المساعدة في مجالات التخدير والمختبرات والأشعة.. الخ.
2/ قيام ثلاثة وثلاثين كلية طب منها ما هو حكومي (21 كلية) ومنها ما هو خاص (12) كما قامت أيضاً كليات ومعاهد للدراسات الطبية المساعدة. بسبب التدفق السنوي لإعداد هائلة من الخريجين وضيق فرص التوظيف ينضم كثير من الخريجين من هذه الكليات إلى جيش العطالة أما المحظوظون منهم فيضطرون للقبول بالعروض المجحفة في دول الاغتراب التي تتعامل مع المؤهلات الطبية بمعيار العرض والطلب كأي سلعة! غيرهم يغيّرون المهنة او يقبلون بوظائف لا تليق بمكانة الطبيب.
3/ تميز الطبيب السوداني بخبرات متراكمة في طب المناطق الحارة اي الأمراض المدارية المتوطنة في معظم الدول الأفريقية. تشمل تلك الأمراض قائمة طويلة تأتي على رأسها الملاريا بمختلف مسمياتها وأخرى أقل إنتشاراً كالكلازار والليشميا وعمى الأنهار والمايستوتونا. بهذا التميز ستجد السياحة العلاجية إقبالاً من الدول الأفريقية خاصة تلك الواقعة في إقليم الساحل الأفريقي.
لا نعتقد ان حاجز اللغة سيعيق حضور المرضى من الدول الأفريقية إلى السودان فبالسودان جاليات كبيرة من معظم تلك الدول. هناك أيضاً خريجو الجامعات السودانية من أبناء دول غرب وشرق أفريقيا ونخص منهم من تخرج من كليات الطب من الجامعات السودانية وجامعة أفريقيا العالمية.
4/ مع تفاقم ظاهرة كراهية الأجانب "الأكسونوفوبيا xenophopia" في أوروبا أسوة بمعاداة الإسلام Islamophobia والعنصرية السافرة والمستترة Latent racism إضافة إلى عوامل غلاء السفر والعلاج والمعيشة فإن المرضى الأفارقة ومرافقوهم سيجدون في منتجع السبلوقة السياحي – العلاجي أجواء أكثر ترحيباً وكما سيجدون الإحترام الذي يليق بهم كأخوة أفارقة يحلون ضيوفاً على السودان.
5/ لماذا نذهب بعيداً إلى المرضى الأفارقة فأعداد المرضى السودانيين الذين يقصدون عمان والقاهرة والعواصم الأوربية أعداد كبيرة وفي تزايد مضطرد. يؤكد ذلك حجم التحويلات المالية لأغراض العلاج بالخارج إذ تقدر بنصف مليار دولار سنوياً. جزء من هذا المبلغ مصدره بنك السودان عبر الصرافات والبنوك والجزء الأخر من السوق الموازية. ان من رأينا أن الرقم أعلاه قد يتضاعف بالتحويلات التي تصل إلى المرضى ومرافقيهم وهم بالخارج من أبنائهم المغتربين.
من بين المرضى السودانين نخص بالذكر مرضى الأقاليم الذين ينشدون العلاج بالعاصمة. هؤلاء ومرافقوهم يعانون أشد المعاناة بسبب تعقيدات الحياة بالعاصمة وبسبب المتغيرات الإجتماعية التي حدثت كالسكن في الشقق التي لا تسع الضيوف ولا ترحب بهم!
6/ من بين الأسواق الواعدة للسياحة العلاجية نجد دولة جنوب السودان وذلك لكونها دولة وليدة ومازالت تفتقر للمؤسسات العلاجية المتخصصة والخبرات الطبية. هي في ذات الوقت دولة تتوفر لها الموارد المالية من عائدات تصدير البترول أي ما يكفي تكلفة العلاج بالخارج. نذكر أيضاً دولة تشاد التي تربطنا بها علاقات خاصة وتشيع فيها اللغة العربية كما نذكر أيضاً دول مثل أثيوبيا، أريتريا، اليمن، ليبيا، ونجيريا وجميعها ترتبط بالسودان بعلاقات وطيدة.
المدينة الطبية:
إستناداً على عوامل الجذب للسياحة العلاجية في السودان التي سبق ذكرها ترى الدراسة أن أهم مقومات هذا النوع من السياحة متوفرة في السودان بقدر يفوق بداياتها في كثير من الدول التي حققت فيها نجاحات مشهودة.
ترى الدراسة أيضاً أنه قد آن الأوان للسودان أن يحذو حذو الدول التي سبقته في هذا المجال وذلك كوسيلة للارتقاء بالخدمات الطبية لمواطنيه وليحقق مكاسب إقتصادية وأدبية فالتميز في الطب غير متاح لكل الدول!!.
من زاوية أخرى ترى الدراسة إن ما يفتقر إليه السودان حالياً لقيام سياحة علاجية على أسس راسخة ومتينه هو غياب الأطار الذي يناسبها ونعني بذلك البيئة الملائمة. أن العاصمة القومية بما وصلت إليه من كثافة سكانية وما نتج عن ذلك من غلاء فاحش في الإيجارات والفنادق وفي سعر الأرض ومن تكدس بشري وزحام واختناقات في شوارعها، ما عادت توفر البيئة المناسبة لقيام وإزدهار السياحة العلاجية. هنا يكفي أن نتذكر الحالة البائسة لشارع العيادات شمال مستشفى الخرطوم.
إن الإطار الحضري الذي يمكن ان يعطي السودان ميزة حقيقة ينافس بها من سبقوه في السياحة العلاجية هو البيئة الهادئة والخضراء والمرحّبة مقرونة بالطبع بالتميز في الخدمات العلاجية والاعتدال في تكلفتها.أن الإطار الحضري الذي يستوفي هذه الشروط هو المدينة الصغيرة الحدائقية أي القاردن ستي Garden City على نهج إبنزار هوراد Ebenzar Howard الذي أبتكرها ونفذها في ضواحي لندن منذ مطلع القرن العشرين بإنشاء مدينة ليتشورث Letchworth في عام 1903. في مدينة كهذه تختزل المسافات بين السكن والمرافق والامكنة التي تهم السائح سواء أكان قصده العلاج أم الإسترواح في مدينة خضراء.
أن قيام المدينة الطبية في حضن المنتجع السياحي لا يعني البيئة الجاذبة للمرضى ومرافقيهم في فترة العلاج فحسب وإنما يعني إمكانية تمتع المرضى بإقامة ممتدة لقضاء فترة الاستشفاء والنقاهه التي يرى الأطباء أنه لا غنى عنها لاستكمال العلاج. أن فترة الاستشفاء التي تعقب العلاج وبصفة خاصة العمليات الجراحية تسمح للطبيب بمراقبة ومتابعة المريض حتى يستعيد كامل صحته. هي أيضاً لمواصلة العلاج الطبيعي لمن أصيبو بحالات شلل ناتج عن الجلطات أو أصيبو بكسور في حوادث المرور أو لجرحى الحرائق.
يقودنا الحديث عن البيئة المناسبة إلى عامل الطقس. يعلم الجميع أن أشهر الشتاء في أوروبا ومقدماته وما بعده أشهر تنخفض فيها درجات الحرارة إلى مستويات طاردة للسياحة العلاجية ذات المنشا الأفريقي والعربي. أن أكثر المرضى تضرراً هم أصحاب الحالات المرضية الطارئة والحرجة التي يصعب إرجائها إلى حين عودة الدفء. لهذه الشريحة من المرضى تمثل المدينة الطبية المقترحة بديلاً أحسن سيما والشتاء يعتبر من أميز الفصول في السودان.
عودة الكوادر الطبية:
كما سبق ان نوهنا ان التقديرات تشير إلى وجود حوالي عشرة ألف كادر طبي يعملون بخارج البلاد. تشير ذات التقديرات إلى أن 80% من هؤلاء يعملون بدول الخليج وليبيا بينما 20% بالمملكة المتحدة وإيرلندا وبقية دول العالم.
لأغراض هذه الدراسة تفترض – دون مرجعية إحصائية أن 8% من تلك الكوادر من خريجي السبعينات من القرن الماضي وقله قليلة من خريجي الستينات وتعادل هذه النسبة 800 كادر طبي. نفترض أيضاً ان 12% هم من خريحي الثمانينات و20% من خريجي التسعينات وبذلك تصبح نسبة خريجي عام 2000 وما بعده 60% أي ما يعادل ستة ألف كادر طبي. ليت جهاز السودانيين العاملين بالخارج ينشر استبيان عبر موقعه بالشبكة لحصر الكوادر الطبية العاملة بالخارج ليجمع من خلاله كل المعلومات ذات الاهمية العلمية.
في تصورنا أن الشريحة الأولى هي الأكثر ميلاً واستعداداً للعودة إلى الوطن إذا ما توفرت لأفرادها الاجواء المواتية. تلي تلك المجموعة الشريجة الثانية – أي خريجي الثمانينات- وبمضي السنوات تتواصل عودة بقية المجموعات لتحل محلها في الإغتراب مجموعات أخرى من فائض الخريجين فالطلب على الأطباء سيظل يتنامي كما تؤكد كل المؤشرات وتتطلب أهداف التنمية البشرية. .
نفترض أيضاُ ان تكون فترة الاغتراب الطويلة التي أمضتها الشريحة الاولى قد سمحت لأفرادها تحقيق الطموحات التي أغتربوا من أجلها: التخصص والزمالة، الايفاء بالالتزامات الأسرية وعلى رأسها تعليم الأبناء وربما زواجهم، تشييد المنزل وقد يزيد البعض بمنزل ثاني أو شقة في بلد الاغتراب او غيره. هناك عاملان آخران يدفعان باتجاه عودة هذه الشريحة وهما عامل تقدم العمر وعامل الشوق للوطن والاهل. ان هذين العاملين يشكلان ضغوطاً عاطفية – نفسية قد تعني مقاومتها الإصابة بحالات الاكتئاب سيما وقد أصبح أفراد هذه الشريحة في سن الشيخوخة! تلك هي الحالات الطبيعية والسائدة التي قد نستثنى منها فئة محدودة تحول إغترابها إلى هجرة واختارت بلاد الاغتراب أوطاناُ بديلة!.
البداية: تعبئة رؤوس الاموال:
لإتاحة الفرصة في الاستثمار لكل الأجيال المتعاقبة من الكوادر الطبية ولتوفير ما يكفي من رؤوس أموال لتشييد صروح من المنشآت الطبية المزدوة بأحدث التجهيزات التشخيصية والعلاجية لا بد من أن تتوافق هذه الكوادر على تكوين شركات لإنشاء حوالي مائة مستشفى متخصص وعام -وهو رقم قد يزيد او ينقص- لتشكل في مجموعها مدينة طبية كأحد مكونات المنتجع السياحي. أن تجمع الكوادر الطبية في شركات ضرورة تحتمها مستجدات العصر إذ ما عادت المبادرات الفردية تعني شيئاً في عصر العولمة والابداعات العلمية والتشخيصية والعلاجية. أن أهمية قيام الشركات لا تكمن فقط فيما يتوفر لها من رؤوس أموال معتبرة من خلال اكتتاب المساهمين ولكنها تعني أيضاً مقدرتها في طرح المزيد من الأسهم ان حققت نجاحات وإحتاجت لتمويل إضافي, تعني أيضاً استطاعتها كشخصيات اعتبارية تمتلك أصول أن تقترض من المصارف أو من أسواق المال من خلال إصدار السندات.
لماذا يشتري المغترب السوداني الأسهم؟
قد يتسأل المغترب السوداني لماذا أضع مدخراتي التي شقيت من اجلها في أسهم وأحرم نفسي من التحكم فيها والتمتع بصرفها؟ انه سؤال مشروع في أجواء عدم الثقة والبلبلة التي نراها الآن. للإجابة على هذا السؤال نقول للمغترب:
أن قوة رأس المال تكمن في حجمه ولذلك يقال أن الملايين تلد الملايين، لذلك فبشرائه للأسهم يعطي المغترب مدخراته مهما كانت صغيرة قوة للدخول في استثمارات كبيرة وأكثر طموحاً.
ان الالتزام بدفع قيمة الأسهم يفرض على المغترب أن يعيد النظر في أوجه صرفه وعلى الادخار باستبعاد "فنطازيا" الاستهلاك التفاخري وهو ال Conspicuous Consumption كالتبذير في الدعوات والثياب النسائية الفاخرة وشراء والذهب وحفلات الاعراس الباذخة التي تحبط شباب السودان وتفاقهم من أزمة العنوسة!.
تسمح أسواق المال ببيع الأسهم – بقيمة أعلى- ان أستجد ظرف او حدث طارئ يحتاج فيه المغترب للسيولة.
إمكانية إستخدام الأسهم في المعاملات المالية أو كضمانات عند الاقتراض.
ان الاستثمار العقاري يزداد قيمه بمرور السنين.
ان الأرباح السنوية التي تحققها المستشفى او الفندق تمثل معاشاً مستداماً.
أن نجاح الاستثمار في المنتجع يفتح الباب للشركة للمزيد من الاستثمارات قد تكون في المجالات الزراعية أو الحيوانية أو الخدمية.
لقد آن الأوان للدخول في عالم الشركات والأسهم وهي ثقافة لا غنى عنها للشخص المعاصر.
هناك بعض الأمور التي ينبغي على المغتربين أن يتداركوها ويحسنوا تدبيرها، من بين تلك الأمور تبرز قضايا الميراث الشائكة. في دوائر القضاء كثيراً ما تتعقد قضايا الميراث أما سبب وجود المال الموروث خارج السودان – وهو الأمر الذي يهمنا في هذا السياق – أو بسبب تعدد الورثة وتوزعهم بين المدن في السودان وفي بلاد الاغتراب؟ يزداد الأمر تعقيداً ولا يستطيع أحد أن يثبت ما إذا كان على قيد الحياة أو متوفي!؟.
أن الموت حق وكلنا ذاهبون إليه وأن كان من تقدم به العمر هو الأقرب بما تفرضه دورة الحياة، فغنه قادر أن يختار أسبابه. أن هذه الحقائق تستوجب حسن التدبير عند كل الأعمار.
من جهة أخرى فإن كانت الدول الإسلامية متفقه على الشريعة الإسلامية في قضايا الأحوال الشخصية ففي دول غير إسلامية قوانين وضعية وقد تكون الزوجة والأبناء حاملين لجنسيات تلك الدول وهنا يصبح الأمر في غاية التعقيد. هناك
أمر آخر تناوله مؤخراًالدكتور صلاح محمد إبراهيم ، الأسلاذ الجامعي مقالاً بصحيفة التغيير بتاريخ 2/1/2014 تناول فيه موضوع ودائع السودانيين الدولارية المهددة في البنوك العالمية أشار المقال إلى خبر سبق أن نشرته صحيفة "الخرطوم". يكشف الخبر أن الحكومة يمضي الدكتور صلاح في مقاله ذاكراً أنه وأثناء عمله بسفارة السودان بالقاهرة في منتصف التسعينات وصل حجم مدخرات السودانيين بالمصارف المصرية يملكها السودانيون في القاهرة وغيرها من المدن يصل إلى عشرات الآلاف .. فماذا عن مدخرات السودانيين وعقاراتهم في بقية أنحاء العالم؟.
مجانية الأرض ... العصا السحرية لأعمار المنتجع السياحي – العلاجي:
ان ياتينا راغب في إعمار بقعة صغيرة من صحراء السودان المترامية الأطراف ليحولها إلى واحه تتناثر ثمارها ذهباً ولآلي إنما يقدم لنا خدمة لا تقدر بثمن وينتظر منا أن نستقبله بالأحضان وتفرش أمامه بساطاً أحمراً دفعاً له ليقبل على هذ التحدي العصي!.
ان واقع الحال يشي بغير ذلك رغماً عن نصوص قوانين الاستثمار التي تمنح الأرض مجاناً للمشاريع الاسترايجية خاصة تلك التي تقوم في الأقاليم والمناطق المهمشة. لقد درجت حكومات الولايات على تجاوز قانون تشجيع الاستثمار باختلاق جبابات ورسوم بشتى المسميات لاعتصار المستثمرين أمولاً لصالح خزينة الولاية لتصرف فيما يفيد وفيما لا يفيد! أن هذه العقلية تضرب الاستثمار في مقتل فالمستثمر لم يات لدعم الولاية ودعم المحلية ولا لتقديم التبرعات شبه القسرية أو للقيام بالمسئولية الاجتماعية وهو يتحسس خطواته الأولى. ليس المستثمر بالمؤسسة الخيرية ولا من أجل العطايا والتبرعات أقدم على الاستثمار. لهذا كله ينبغي ان تؤكد مجانية الأرض فعلاً لا قولاً.
ان مفهوم مجانية الأرض لمن يعمرها الذي نأمل تطبيقه بحرفية على مشروع المنتجع السياحي – العلاجي وغيره من المشروعات الاستثمارية التي تستهدف أعمار الأرض زراعة أو عقاراً مفهوم يحمل بين ثناياه عدة مضامين لعل اهمها:
أنها تحمل رسالة قوية للمستثمر الوطني والأجنبي بجدية الحكومة في دعوتها للاستثمار خاصة أن استهدف الأقاليم والمناطق الأقل حظاً في التنمية.
ان إدمان حكومات الولايات على ممارسة الجبايات والتبرعات القسرية بشتى المسميات فيه إضعاف لرأس مال المستثمر وأضعاف لروحه المعنوية مما يجعله ينفر ويهرب بجلده قبل أن تنهش جسده الصقور.
ان للتطبيق الحرفي الصارم لمجانية الأرض وللإعفاءات الضريبية والجمركية وكل المزايا التي يتضمنها قانون تشجيع الاستثمار أثر أيجابي على سعر المنتج النهائي سلعة استهلاكية كانت أو عقار أو خدمة .. كالسياحة الترويجية والعلاجية.
أن حكومات الولايات ان حكّمت العقل وتعاملت مع مبدأ مجانية الأرض والامتناع عن الجبايات من منظور استراتيجي يستشرف المستقبل فأنها ستكتشف حقائق هامة وهي:
أن الجبايات التي تفرضها على المستثمرين لا وجود لها أصلاً في الميزانيات ولذلك ليس من مبرر أن يعوّل عليها في تغطية بعض بنود الصرف!
ان حصيلة هذه الجبايات تتضاءل امام المكاسب التي يمكن أن يحققها المشروع الاستثماري أن كتب له النجاح وان كانت حكومات الولايات في حاجة ماسة للمزيد من الموارد المالية فعليها ترشيد الصرف فهو مصدر كفيل بتعويضها عن كل تلك الجبايات البغيضة.
أن الموقع المرشح لقيام المشروع السياحي – العلاجي – كما ذكرنا- هو قطعة من الصحراء ستظل عاطلة عن العمران والزراعة كما كانت دائماً كما انها ستظل على هذه الحالة ما لم تعمّر بمثل هذه المشاريع. لهذا فإن إعاقة المشروع بالجبابات والمساهمات والاجراءآت البيروقراطية السقيمة ستؤدي إلى قتله في مهده. ان قتل المشروع تعني استدامة التخلف والفاقة والبطالة والفقر ويصبح حال الولاية او المحلية كحال الذي يذبح الدجاجة التي تبيض ذهباً!.
أخيراً لا نشك في أن القارئ يعي أن مجانية الأرض ليس المقصود بها المعني المطلق لهاتين المفردتين! ذلك لان الموقع المرشح لقيام المنتجع وان تميز بعدة خصائص فهو أرض قفر لن تكتسب قيمة عقارية إلا بإرساء البنيات الأساسية. من زاوية أخرى يعلم الجميع أن لا حكومة الولاية ولا الحكومة الإتحادية قادرتين على تحمل تكلفة تلك البنيات. لهذه لا بد من توزيع التكلفة على المستثمرين عبر سعر المتر المربع وهي صيغة عادلة إذ تستند على منطق لا يخفى على أحد وتطبقها كل شركات التنمية العقارية كما فعلت شركة سوقطرة اليمنية في المخططات التي قامت حول العاصمة.
مساحة وإستخدامات الأرض:
ترى الدراسة أن تخصص لمشروع المنتجع بأحزمته الشجرية التي ستروى من سدود حصاد المياه ولاحقاً من مياه الصرف الصحي أن تخصص مساحة أربعمائة وخمسين كيلومتر مربع. تبدو هذه المساحة بصورة مجملة في شكل مستطيل يمتد أحد أضلاعة لمسافة ثلاثين كيلومتر غرب طريق غرب النيل وبامتداد شلال السبلوقة، اما الضلع الثاني فهو محور شرق – غرب ويمتد من طريق غرب النيل إلى عمق الصحراء لمسافة خمسة عشر كيلومتر (15كلم).
ترى الدراسة ان يقوم المنتجع السياحي العلاجي في الجزء الأوسط من المستطيل بينما يقوم المخطط العمراني لسكن العاملين في كل الأنشطة السياحية في الجزء الجنوبي من المستطيل ويخصص الجزء الشمالي لقيام المخطط العمراني لسكن الكوادر الطبية بمختلف تخصصاتها.
تجدر الإشارة هنا إلى أن هناك متسع في ظهير سكن الكادر الطبي لقيام كلية للطب مكتملة بسكنها الداخلي وميادينها وساحاتها الخضراء. تطرح الدراسة هذه الفكرة إقتناعاً بان التجمع الكبير للكوادر الطبية ذات التأهيل الأكاديمي الرفيع والخبرات المتراكمة يوفر أهم متطلبات قيام كلية للطب بمقاييس عالمية كما أن تعدد المستشفيات بالمنتجع يتيح المجال واسعاً للدراسة التطبيقية وإجراء البحوث الطبية والصيدلانية المعمقة عسى ان ينتقل السودان من خانة المتلقى للعلوم إلى حالة المشارك في صناعة الإبداعات العلمية...
مراحل تنفيذ المشروع السياحي – العلاجي:
على خلفية ما تقدم ذكره ترى الدراسة ان المشروع يمكن ان ينفذ وفقاُ للمراحل التالية:
المرحلة الأولى:
أيلولة الموقع إلى السلطة المنفذه – هيئة عامة أو شركة تطوير عقاري- التي يُتنظر منها ان تشرع فوراً في التعاقد مع بيت خبرة هندسية – أو كنسورتيوم من بيوت الخبرة – لإعداد دراسة الجدوي الفنية والاقتصادية والمخططات العمرانية للمنتجع السياحي – العلاجي وللمخطين السكنيين للعاملين في المشروع.
كما جرت العادة ينتظر ان تبدأ دراسة الجدوي الاقتصادية بالاطمئنان على ملاءمة الموقع لخدمة الأغراض المستهدفة ويشمل ذلك طبغرافية الأرض، التربة ومدى ملاءمتها للمباني، ودراسة لسوق السياحة الترويحية والعلاجية محلياً واقليمياً وذلك إلى جانب مسح للمستثمرين المحتملين Potential Investors ... الخ.
يتنظر أيضاً من دراسة الجدوي ان تحدد تكلفة إنشاء البنيات الأساسية وهي شبكات المياه، الكهرباء، الصرف الصحي، الطرق واعمار المنظر بالتشجير. من جملة هذه التكاليف تصل الدراسة إلى تكلفة أعمار المتر المربع في المنتجع السياحي وفي المخططات السكنية للعاملين في الأنشطة السياحية والخدمات الطبية. عند الوصول إلى تكلفة المتر المربع يمكن تحديد سعره للمستثمرين. قبل إعلان أسعار المواقع الاستثمارية قد ترى السلطة المنفذه للمشروع إجراء بعض التعديلات على سعر المتر المربع وذلك وفقاً للموقع، المساحة، الغرض من الاستثمار هل هو مستشفى أم فندق، مركز تجاري أم ثقافي سكني أو ترفيهي.. الخ.
المرحلة الثانية:
لعل القارئ الكريم يتفق معنا على ان حجم المشروع وضرورات الالتزام بالتنفيذ في المدي الزمني المعقول يفوق إمكانات شركات الإنشاء والمقاولات السودانية. لهذا سيكون من المناسب وكسباً للزمن دعوة شركات الإنشاءآت العربية والأجنبية للمشاركة في التنفيذ.
لهذا هناك ضرورة للترويج للمشروع عبر وسائل الإعلام وعبر الشبكة "الأنترنت". هنا لا بد من التعامل بواقعيه مع تحفظات المستشمرين السودانيين والعرب والأجانب حول الاستثمار في السودان للأسباب التي تتناولها الصحف بانتظام وبعضاً مما ذكرنا.
ترى الدراسة أن يحمل الخطاب الإعلامي عن المشروع ما يطمئن تلك الشركات وبذلك نعني:-
ان المشروع يستند على دراسة جدوي فنية اقتصادية ويمكن الاطلاع عليها.
لشركات المقاولات الحق في التفاوض المباشر عند تسويق منتجاتها العقارية كما لها الحق في استلام قيمة العقار داخل او خارج السودان وبالعملة الوطنية او العملات الحرة وتلتزم السلطة المنفذه بنقل الملكية لمشتري العقار دون تطبيق اي شكل من أشكال الجبابات.
لشركات المقاولات الراغبة في تشييد مباني بالمنتجع بغرض بيعها للمغتربين السودانيين الحق في إستيراد كل مدخلات البناء من الخارج أن رات في ذلك مصلحتها ومصلحة المشترين من حيث الجودة والسعر. هنا تلتزم السلطة المنفذه بتفويض من الحكومة بتطبيق كل النصوص الواردة في قانون تشجيع الاستثمار لعام 2013 فيما يتعلق بالامتيازات والإعفاءات. تلتزم السلطة أيضاً بحماية المستثمر من أي نوع من المضايقات التي قد يتعرض لها من الإدارات الحكومية وان لزم الأمر ترفع شكواه إلى المجلس الأعلى للاستثمار.
لشركات المقاولات الحق أيضاً في التعاقد مع العمالة الفنيّة الأجنبية إن لم تجد من يستوفى شروطها بين العمال السودانيين وفي هذه الحالة ينبغي أن تخصص نسبة للعمالة السودانية لاكتساب الخبرات التي يفتقدها السودان.
بنفس القدر ستقوم السلطة المنفذه للمشروع بالإشراف الهندسي والفني والمراقبة للتأكد بأن المباني التي تشيد تستوفي شروط الجودة.
تلتزم السلطة المنفذه بتنفيذ شبكة المياه لكل القطع المعروضة للأستثمار من مواردها الخاصة حتى تستطيع شركات التنمية العقارية البدء فوراً في اعمال التشييد ساعة استلامها للمستندات الخاصة بملكية الأرض.
في المقابل تلتزم شركات التنمية العقارية بسداد قيمة الأرض كاملة حتى يتسنى للسلطة المنفذه للمشروع إرساء بقية البنيات الأساسية التي سبق ذكرها.
لتطمين شركات الإنشاءات الخليجية العاملة في مشروعات التطوير العقاري سيكون من المناسب أن تستعين السلطة المنفذه لمشروع المنتجع السياحي – العلاجي أن تستعين بالمؤسسة العربية لضمان الاستثمار.
سيناريو التمويل الذاتي لإنشاء المنتجع السياحي العلاجي:
لأسباب سيرد ذكرها لاحقاً ترى الدراسة ان الفئة من المغتربين التي ستشكل رأس الرمح لقيام المنتجع السياحي – العلاجي هي فئة الأطباء المغتربين.
أن السيناريو الذي سيتم به التمويل ومراحل إنشاء المنتجع يقوم على ثلاث حلقات ترتبط عضوياً مع بعضها البعض والحلقات هي:
الحلقة الأولى: تجمع الأطباء المغتربين والكوادر الطبية المساعدة – وعددهم عشرة ألف – في مائة شركة عامة للخدمات الطبية وذلك بواقع مائة مساهم في كل شركة وهذا مجرد مثال..
بداهة لهؤلاء الحق في تسجيل شركاتهم وإيداع رأس المال في السودان أو في مواقع تجمعهم وبحيث يكون رأس مال الشركة بما يعادل تكلفة قيام مستشفى متعدد الطوابق ومكتمل التجهيزات.
كما جرت العادة ليس بالضرورة أن يُسدد رأس المال المكتتب من أول وهله بل يدفع في أقساط تمتد لخمس سنوات وهي الفترة الزمنية الكافية لإكمال المستشفيات وتجهيزها كما أن المبالغ التي تجمع يمكن أن تتحول أولاً بأول إلى ودائع استثمارية إلى حين شراء المباني الخاصة بالمستشفيات وتجهيزها وبذلك تزداد الحصيلة.
الحلقة الثانية: ان مبادرة الكوادر الطبية لتكوين عشرات الشركات ستتحول إلى كرة جليد يزداد حجمها كلما تدحرجت. ما نعنيه ان بقية المغتربين سيرون في شركات المساهمة للخدمات الطبية في المنتجع السياحي العلاجي إشارة قوية لحاجة المنتجع لطاقات إيوائية للمرضى ومرافقيهم وأخرى لسكن الكوادر الطبية في مجمعهم السكني وثالثة لسكن العالمين في المنتجع باختلاف أنشطته الترويحية والتجارية والإدارية.. الخ.
بهذا الفهم ستتجه القاعدة العريضة من المغتربين إلى تكوين مئات شركات الاستثمار العقاري والخدمي والترفيهي هنا أيضاً قد يرى المساهمون في تلك الشركات تسجيل شركاتهم في البلاد التي تستضيفهم او في السودان وسيسعون – إلى حين البدء أو إكتمال تشييد العقارات السكنية والسياحية- سيسعون إلى إستثمار رؤوس أموال شركاتهم أولاً باول كوادئع استثمارية في المصارف داخل أو خارج السودان أيهما أكثر ربحيه وضماناً أو لشراء السندات الحكومية وغيرها من منتجات أسواق المال أينما شاءوا وبذلك تزداد رؤوس أموال الشركات.
الحلقة الثالثة: سيجد الإعلام السوداني والخليجي في ظاهرة تكاثر شركات الاستثمار العقاري الطبي والسياحي بين المغتربين السودانيين مادة خصبة للتناول الصحفي وهو تناول ستكون له حتماً أصداء إيجابية مما يعني المزيد من الاقبال على الاكتتاب في الشركات القائمة أو تكوين شركات جديدة. أن تكاثر شركات الاستثمار العقاري والخدمي في اوساط المغتربين السودانيين سيشكل قوة مالية هائلة سيكون لها مفعولها. هي في ذات الوقت دعوة قوية وجادة لشركات التنمية العقارية الخليجية وغيرها لتتنافس في تقديم عروض مغرية لشركات المغتربين السودانيين لم لا وقد تشبعت أسواق الخليج بالمنتجات العقارية؟
أن المنافسة بين شركات التنمية العقارية الخليجية والعربية والأجنبية لايجاد مواطئ لأقدامها في المنتجع سيتيح الفرصة للسلطة المسئولة عن تنفيذ مشروع المنتجع لأن تختار الأفضل من بين الشركات وأحسن العروض وهو الأمر الذي يصب في مصلحة المغترب السوداني في نهاية الأمر.
بهذه الحلقات الثلاث المترابطة تتبلور أمامنا صيغة أو ترتيب إستثماري ثلاثي الربحية وهي: W.W.W.: T.W.A: .Triple Win Arrangment
مغزي صيغة W.W.W:
يحقق المغتربون السودانيون في مجموعهم مكاسب بقيام شركات مالكة لعقارات لخدمات مختلفة وهي العلاجية، الفندقية ، السكنية، الترويجية الخدمية.. الخ. من أرباح هذه المنشآت الاستثمارية تتوفر لهم ولأسرهم الدخول التي تطمئن بها القلوب وتزول هواجس المستقبل وتطيب العودة إلى الوطن وهذه (W-1). غنى عن القول أن المكاسب التي يحققها السودان تعني ضمناً مكاسب للمغترب بحكم المواطنة! وبذلك يحقق المغترب مكسبين أي Double – wins.
بذات القدر تحقق شركات التنمية والتطوير العقاري إنجازات تؤمن لها مواقع في سوق العقار السوداني وبالطبع أرباحاً من خلال بيع المنشآت التي تقيمها بالمنتجع في ظل ضمانات كافية من بينها ضمانات المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وهذه (W-2).
اما الرابح الاكبر فهو السودان وذلك في مرحلتي الإنشاء والتشغيل للمنتجع السياحي – العلاجي. في مرحلة الإنشاء ستتدفق مليارات الدولارات لضرورات الأعمار وهي: شراء الأراضي الإستثمارية، إستحقاقات العمالة، النقل، مبيعات مواد البناء .. الخ. اما السياحة بشقيها الترويحي والعلاجي فستقوم بدور القاطرة التي تستوعب العمالة وتتحرك معها كل قطاعات الاقتصاد وهذه (W-3).
المكاسب التي يحققها المنتجع السياحي – العلاجي للسودان:
ندعو القارئ ان يقفز معنا فوق الزمن لنرى المكاسب التي سيحققها المشروع عند إكتماله على المستويات المحلية والولائية وعلى الصعيد الوطني.
المكاسب المحلية:
أن أكثر المستفيدين من قيام المشروع هم سكان القري المتاخمة له وهي قرى الحقنة، القويز، ود الشايب، الطنيدب، الجابراب ومديني. ان رصف طريق النيل الغربي سيسمح لسكان هذه القرى بالعمل في شتى المجالات في المنتجع والعودة لأسرهم. -بهذه الميزة- اي قرب السكن- ستفضل شركات الإنشاءآت المنفذه للمشاريع العمرانية أسوة بالمستثمرين في الخدمات السياحية والعلاجية العمالة المحلية على غيرها لتجنب متطلبات السكن والإعاشة.
سيدفع الطلب العالي للمواد الغذائية المزارعين بهذه القرى وغيرها إلى تكثيف وتنويع الإنتاج الزراعي.
تتوقع الدراسة أيضاً أن يستفيد المزارعون بالمنطقة من نوافذ التمويل الأصغر للدخول في مجال الإنتاج الحيواني بأكثر من وجه:
- التسمين لإنتاج اللحوم الجيدة.
- استجلاب السلالات الجيدة من الأبقار لإنتاج الألبان ومشتقاتها.
- التوسع في إنشاء حظائر الدواجن لتوفير لحوم الدواجن والبيض.
- تتوقع الدراسة أيضاً أنتعاش مهنة صيد الأسماك.
عند تصاعد الطلب على المواد الغذائية الطازجة ستتجه محلية المتمة نحو توزيع حظائر للتسمين ولإنتاج الألبان على جانبي طريق النيل الغربي وذلك اعتماداً على الاعلاف التي تستجلب من المناطق الزراعية بالمحلية او من خارجها.
إذا ما تأكدت جدوي هذه الحظائر قد يفضل أبناء المحلية الذين نزحوا إلى العاصمة او عادوا من الاغتراب الرجوع إلى قراهم وهو الأمر الذي يدفع المحلية لتخطيط إمتدادات للقرى النيلية مما يعني قيام مخططات سكنية على جانبي طريق النيل الغربي.
ترجح الدراسة ان المزارع النيلية القائمة بما فيها من ظلال وخضره ستتحول إلى مزارات وأماكن للنزهات لرواد المنتجع وذلك نظير رسوم تُدفع لأصحاب المزارع مما يزيد من دخولهم.
بالتوافق والاتفاق مع أصحاب المزارع النيلية سيكون من الضروي فتح طريق موازي لمجري النيل عند منطقة الشلال. على هذا الطريق وباطلاله على الشلال يمكن لأصحاب المزارع إقامة مطاعم وكافتيريات ومقاهي لتشغيلها بأنفسهم أو بإيجارها لمستثمرين يمتلكون رأس المال والخبرة.
توجد بمنطقة الشلال حوالي الثلاثين جزيرة مختلفة المساحات ولعل أكبرها مساحة هي جزيرة جرسي الواقعة بين قريتي الحقنة بغرب النيل والمسيكتاب بشرق النيل. بعض تلك الجزر لا يبعد كثيراً من الشواطئ مما يسمح بإنشاء معابر حديدية معلقة تسمح بالدخول إلى تلك الجزر. أن إنشاء تلك المعابر يتطلب توفير قدراً من التمويل ولذلك نتوقع أن تقوم شراكات بين ملاك الجزر ومستثمرين يرغبون في استثمار الجزر سياحياً.
المكاسب التي ستحققها ولاية نهر النيل ومحلية المتمة:
أن قيام المنتجع السياحي سيعني قيام قطب للتنمية للمحلية لا بد وان ينعش اقتصاد المحلية خاصة في الانتاج الزراعي والحيواني.
يمثل المشروع أحدى الوسائل للتوزيع العادل للثروة وذلك لاعتماده على ما يصرفه السائحون والزوار من العاصمة القومية!.
بعد إنتهاء قترة الحضانة او السماح The grace period التي ينص عليها قانون تشجيع الاستثمار سيصبح المنتجع بمثابة منجم الذهب للمحلية والولاية. وذلك لأن المحلية ستحقق إيرادات ضخمة من ضرائب أرباح الاعمال، ضريبة الدخل الشخصي، رسوم ودمغات تجديد الرخص التجارية .. الخ من هذه الإيرادات تستطيع المحلية والولاية الإرتقاء بخدمات الصحة والتعليم والمياه في كل القرى.
بقيام المنتجع السياحي سيتولد طلب قوي لبعض السلع الغذائية – الصناعية وهو الامر الذي يتيح الفرصة لمحلية المتمة لتخطيط منطقة صناعية لتوفير تلك السلع.
من بين الصناعات التي سيكون له حظ كبير من النجاح صناعة الثلج، صناعة الأيس كريم، تعليب الألبان ومشتقاتها، تجهيز وتغليف اللحوم الحمراء ولحوم الدواجن، الأسماك وصناعة المعجنات والحلويات... الخ.
سيحظى سكان المحلية بأحسن خدمات طبية في السودان وقد تبادر إدارات المستشقيات بإكرامهم بمعاملات خاصة!.
ستختفى ظاهرة البطالة في محلية المتمة لتصبح اول محلية في السودان بلا عاطلين عن العمل مما يعني استئصال الفقر.
الماكسب التي يحققها المنتجع للاقتصاد الوطني:
بقيام صناعة سياحة تستوفي أمزجة وأزواق السودانيين ستفضل كثير من الأسر والأفراد قضاء إجازاتهم بالمنتجع بدلاً عن السفر لخارج السودان. بهذا التحول يتراجع الطلب على العملات الحرة ويتحسن ميزان المدفوعات وتتعزز قوة الجنية السوداني ويتراجع التضخم.
بقيام مستشفيات حديثة التجهيزات يديرها ويعمل بها أطباء من ذوي التأهيل الرفيع والخبرة الطويلة ستتراجع ظاهرة العلاج بالخارج مما يعني تراجع الطلب على العملات الحرة.
سيدفع قيام المدينة الطبية المستشقيات والعيادات الخاصة بالعاصمة القومية إلى الإرتقاء بخدماتها وبفعل المنافسة ستتراجع تكلفة العلاج.
ستدر السياحة العلاجية القادمة من دول الجوار – وبصفة خاصة دولة جنوب السودان- إيرادات عالية من العملات الحرة لخزينة الدولة.
بسبب توفر الأجواء الهادئة والجاذبة في منتجع تقصر فيه المسافات سيصبح الانتقال من موقع إلى آخر إلى متعة ممارسة رياضة المشي. بهذا التميز سيجتذب المنتجع على الصعيد الإقليمي ما يسمى بسياحة المؤتمرات. إلى جانب المؤتمرات وورش العمل التي تنظم على الصعيد الوطني فإن المنظمات الإقليمية والدولية والشركات العالمية ستختاره كموقع مناسب لتنظيم مؤتمراتها ومنتدياتها والدورات التدريبية. استعداداً لاستقبال سياحة المؤتمرات ستسعى الفنادق لبناء صالات وغرف عمل وإجتماعات.
سيتحول المنتجع إلى محضن لصناعة سياحة راسخة في السودان بما يقدمه من تدريب وأعداد للكوادر الفنية الإدارية، العلاقات العامة، فنون الطبخ، تعلم وممارسة اللغات الأجنبية.. الخ. شانها شأن الصناعة الوطنية لن تجد صناعة السياحة سوقاً خارجية ما لم يقبل عليها المواطن أولاً!
في ذات الوقت سيتحول المنتجع إلى منصة لإنطلاق السياح الأجانب لزيارة المواقع الطبيعية الجاذبة في جبل مرة ومناطق هيبان ورشاد وكاودة بحبال النوبة أو أركويت وجبيت وسنكات بجبال البحر الأحمر. قد يحلو للسياح أيضاً زيارة المواقع الأثرية في النقعة والمصورات، إهرامات البجراوية، جبل البركل، وأهرامات مروي أو الدفوفة في شمال السودان.
لعله من المناسب هنا ان نشير إلى ما يتوهمه البعض بأن الآثار السودانية والبيئات الطبيعية قادرة على إجتذاب السياح الأجانب أو السودانيين. ينسى هؤلاء ان مواقع المناطق السياحية الجاذبة ومواقع الأثار تتباعد آلاف الكيلومترات وان مشاهدتها لا تستغرق سوي سويعات – وهنا نعني الآثار- كما أن الطرق التي تصلها خالية تماماً من الخدمات التي ينتظرها السائح وأهمها دورات المياه النظيفة والصحية وكفتريات ومطاعم يطمئن السائح على ما تقدمه من وجبات ومشروبات في واقع الأمر لا توجد حتى فنادق أو إستراحات!
كما تنشط مطارات عمان والقاهرة في إستقبال طائرات فيها للمرضى ومرافقيهم نصيب وافر من المقاعد، سينشط مطار الخرطوم الدولي الجديد في إستقبال الطائرات القادمة من غرب وشرق أفريقيا الحاملة من ينشدون العلاج بالمنتجع السياحي – العلاجي وفي ذلك مكاسب عظيمة من العملات الحرة للطيران المدني وللمطار.
كما سبق أن ذكرنا فإن قطاع السياحة يعتبر بمثابة قاطرة الإقتصاد Economic Locomotive أو ماكينة للإقتصاد Economic Engine وذلك لمقدراته على تحريك معظم قطاعات الإقتصاد بدءً بالإدخار وتكوين الشركات مروراً باستيعاب المهنيين من كوادر طبية وهندسية وإنتهاءاً بالعمالة بكل تخصصاتها. ينتعش الإفتصاد بانتعاش قطاعات التشييد والصناعة والزراعة فالقوة الشرائية من خلال الأجور ستكون عامل إنعاش للسوق كما أن ما تصرفه شركات التنمية العقارية في مرحلة الإنشاء سيشكل مورداً للعملات الصعبة يستفيد منها البنك المركزي.. وهكذا تتعدد وتتوع الآثار الإيجابية في مرحلتي التأسيس والتشغيل.
أخيراً فكما هو معروف تعتبر السياحة أداة فاعلة في إرساء دعائم السلام والتعايش بين الشعوب وهي وسيلة لتسويق الدولة وشعبها فمن خلال المعرفة والعلاقات الشخصية تنشأ العلاقات الاقتصادية والثقافية وتلك هي أعمدة السلام.
وهي في ذات الوقت وسيلة ليتعارف السودانيون فيما بينهم ومن خلال هذا التعارف تنشأ المصاهرة سيما المنتجع يشكل خير بداية للعرسان!.
التحديان الأردني والمصري!:
من بين التجارب المعاصرة التي ينبغي أن نستلهم منها العبر والدورس التجربة الأردنية في صناعة السياحة العلاجية وتصنيع الدواء والتجربة المصرية في إنشاء المدن الجديدة.
لقد نشأت الأردن كدولة قبل عامين فقط من تأسيس كلية كتشنر الطبية في عام 1924 لتخرج اول دفعة في عام 1928. كانت تلك بداية التراكم المعرفي في الطب الحديث في السودان وهو الذي أعطى الطبيب السوداني التميّز الذي أشتهر به في المملكة المتحدة وفي دول الخليج. بقى أن نعلم ان الأردن تحتل اليوم الموقع الخامس عالمياً والأول عربياً في مجال السياحة العلاجية أما صناعة الدواء الأردنية فقد أصبحت منافسة للصناعات الاوربية كما تشهد بذلك الصيدليات في العالم العربي.
للتعريف بالأردن نذكر أن عدد سكانها بلغ 6.5 مليون نسمة في عام 2012 وان مساحتها تبلغ حوالي التسعين ألف كيومتر مربع معظمها من الأراضي الصحراوية القاحلة والتلال.
تتمثل موارد الأردن الزراعية في 45 ألف هكتار وهي تعادل نصف مساحة مشروع الجزيرة! أما المياه فامرها عسير إذ يشكل نهر الأردن أهم مصادرها وهو نهر يقدر إيراده السنوي بحوالي 1.6 مليار متر مكعب اي ما يعادل إيراد يومين فقط من إيراد النيل الأزرق في ذروة فيضانه!. رغماً عن ضآلة إيراده فنهر الأردن نهر دولي تصطرع على مياهه خمس دول من بينها الأردن!
لهذا شاع في الأردن الري يالتنقيط Drip irrigation ويعتصر مواطنوه امتاراً مربعة من الصحراء حيثما كان ذلك ممكناً ليقيموا عليها المزارع المحمية- اي الصوبات- ومن إنتاج هذه المزارع يصدرون الخضر والزهور إلى دول الخليج وأوروبا بعد ان يكتفوا ذاتياً.
وجدت الأردن نفسها في أكثر أقاليم العالم توتراً فكان لها نصيب وافر من اللاجئين الفلسطنيين بعد نكبة 1948 وحرب 1967 وعند إحتلال الكويت ثم من العراق عندما إجتاحته جيوش التحالف الغربي وأخيراً هاهي تستقبل مئات الآلاف من اللاجئيين السوريين.
عن طريق التخطيط الإقتصادي الذكي والمحكم إزدهرت صناعة السياحة إذ وصل عدد السياح إلى4.6 مليون سائح في عام 2010، اي ما يعادل 70% من عدد السكان! هؤلاء اجتذبتهم آثار جرش والبتراء والسياحة العلاجية كما أجتذبتهم عاصمة من بين أجمل العواصم العربية إذ تزدان شوارعها بالصروح المعمارية من فنادق وشقق فندقية Flat Hotels كان للمغتربين الأردنيين إسهام كبير في تشييدها بفعل الطلب المتصاعد على السياحة العلاجية.
في آخر تقرير من تقارير التنمية البشرية التي يصدرها صندوق الأمم المتحدة الإنمائي (2013)، أحتلت الأردن الموقع المائة من بين 186 دولة من دول العالم بينما إحتل السودان الموقع 171. لقد عرفت الأردن مكامن قوتها فأحسنت استثمارها وعرفت مكامن ضعفها فعرفت كيف تتغلب عليها وهذا هو سر نجاحها.
أما التجربة الثانية التي تستوجب الدراسة والتأمل فهي تجربة مصر مع المدن الجديدة وهي تجربة وجدت الرصد والمتابعة من كل المنظمات الدولية المهتمة بقضايا السكان ومن مراكز البحوث الخاصة بالتخطيط الحضري والعمراني.
يعيش ما يزيد عن التسعين في المائة (90%) من سكان مصر (84 مليون نسمة في عام 2012) في وادي النيل والدلتا على أرض زراعية تبلغ مساحتها أربعين ألف كيلومتر وهي مساحة تعادل اقل من من ضعف مساحة ولاية الخرطوم أصغر ولايات السودان!.
تضاعفت الكثافة السكانية في وادي النيل وكان للقاهرة نصيب الأسد من تلك الكثافة إذ بلغ عدد سكانها أكثر من 12 مليون نسمة.
لهذا أنشأت الحكومة المصرية مدناً جديدة خارج وادي النيل والدلتا وذلك على الصحراء المحيطة بالقاهرة وعلى سواحل البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر.
إعتباراً من عام 1978 وفي سنوات قلائل قامت عشر مدن جديدة وهي: 10 رمضان، 6 أكتوبر، 15 مايو، السادات، برج العرب، الصالحية، النوبارية ، العبور، البدر والأمل كما قامت مدن سياحية على ساحل البحر الأحمر في شرم الشيخ والغردقة.
في أجواء من التعاون الوثيق بين أجهزة التخطيط العمراني وشركات التنمية العقارية والمصارف تم تشييد المباني متعددة الطوابق وأقبل المصريون العاملون بالخليج- أسوة بالسودانيين وكثير من مواطني الدول العربية – على شراء الشقق والفيلات. اتسعت فرص الإستثمار الصناعي والخدمي بقيام الجامعات والمستشفيات التي تخطت شهرتها الحدود وهكذا يتوالد النجاح.
أمام هذه النجاحات الباهرة نتطلع إلى قيام المنتجع السياجي – العلاجي ولكل مغترب فيه دور. فللكوادر الطبية دور الريادة في إنشاء المستشفيات.. وللقاعدة العريضة من المغتربين دور في إنشاء الفنادق والمجمعات السكنية وفي تأسيس الخدمات الترويحية والسياحية وللمهندسين بالداخل والخارج دور في وضع المخططات العمرانية وفي تصميم المباني لشتى الإستخدامات.
كيف ننشئ شركة عامة؟.
قد يتهيب البعض من إجراءآت إنشاء الشركة العامة رغماً عن بساطة تلك الإجراءات ونوجزها إدناه:
إتفاق سبعة أشخاص او أكثر على إنشاء شركة عامة وتحديد أهدافها ورأس مالها.
تكليف محامي بإعداد أمر التأسيس ومتابعة الإجراءآت لدى مسجل الشركات وتتراوح تكلفة استحقاقات المحامي والرسوم والدمغات ما بين ألف وألف ومائتي دولا أمريكي.
بعد الحصول على التصديق بقيام الشركة يتم الإعلان عن ذلك والدعوة لإجتماع تأسيسي وطرح الأسهم للإكتتاب.
يشترط أن يكون للشركة مقر وفي حالة المغتربين لا بد من وجود وكيل مقيم بالسودان. لتقليل المصروفات الجارية نقترح أن يكون رئيس جهاز المغتربين بحكم منصبه وكيلاً لكل شركات المغتربين وأن تخصص رئاسة الجهاز مكتب ليصبح مقراً مؤقتاً لكل الشركات. هنا يكفي أن يفوض رئيس جهاز المغتربين أحد الإداريين المقتدرين ليدير هذا المكتب بحفظ ملفات ومكاتبات كل الشركات.
تلك معلومات عامة نقدمها كفاتحة شهية وهي معلومات قطعاً تحتاج للمراجعة باستشارة القانونيين المغتربين أو بالإتصال بمكاتب المحامين بالسودان فالهاتف الجوال يسّر لنا كثير من أمورنا.
أما بالنسبة لرأس مال الشركة فإن تحديده يخضع لتقديرات تكلفة إنشاء مستشفى أو فندق بما في ذلك التجهيزات والمعدات والأثاثات.
إستناداً على تقديرات تحصلنا عليها عند إعداد هذه الدراسة فإن تكلفة إنشاء المتر المربع اليوم تتراوح ما بين خمسمائة وسبعمائة دولار وفقاً لمستوى التشطيب.
لهذا فإن أفترضنا إختيار شركة لقيام مبنى على مساحة خمسمائة متر مربع ويتكون من خمسة طوابق فإن التكلفة الإجمالية تتراوح مابين 2,45 و 1,75 مليون دولار، بناءً على هذه التقديرات الأولية يمكن تقدير تكلفة المباني حتى عشرة طوابق.
للشركة بدائل في فتح الحساب والأفضل ان يكون لها حسابين إحدهما بالسودان حيث تتراوح أرباح الوديعة الإستثمارية بالدولار حالياً ما بين 4 إلى 5% والآخر بالخارج. في ظل حالة عدم الإستقرار الاقتصادي والمالي في السودان ليس من حقنا ان نلوم المغترب أن فضّل وضع رأس ماله في بنوك أجنبية وذلك في إنتظار أن تستعيد العملة السودانية إستقرارها.
أن فترة تكوين رأس المال قد تمتد لعدة سنوات مما يسمح لشركات المغتربين إستثمار ما يتجمع من رأس المال أولاً باول – ولكن بحذر شديد- في شكل ودائع استثمارية أو بشراء سندات حكومية قصيرة الأجل او التعامل مع أسواق المال أن رغبوا في ذلك. في حالات أخرى قد تتفق شركات المغتربين مع شركات التنمية العقارية على سداد التكلفة المتفق عليها في أقساط يدفع آخرها بعد إستلام المبنى.
أن الغرض من طرح هذه الأفكار هو أن يطمئن المغتربون على أموالهم وأن تحتفظ أموال الشركات بقيمتها أن لم تتزايد من خلال الودائع الإستثمارية وغيرها من وسائل الإستثمار وذلك إلى حين شراء العقار.
ختاماً نطلق نداءَ لقدامى الأطباء المغتربين بالعودة إلى الوطن ونقرن نداءنا بالتعبير عن بعض الهواجس التي تؤرقنا وإليهم بعضها .. أن لدينا من الأسباب ما يجعلنا نتخوف من إنهيار الخدمات الطبية في السودان في السنوات القادمات.
أن أهم الأسباب – في رأينا – هو هجرة الكوادر الطبية أو استنزاف العقول The brain drain – الذي ظل يشهده السودان منذ عدة سنوات ومازال يتواصل بوتيرة متصاعدة. كما تعلمون أن هجرة أساتذة الجامعات والكوادر الطبية المميزة يعني إنقطاع تواصل الأجيال وتعثر توارث الخبرات. إن النتيجة الحتمية لهذا الاستنزاف هي أن يكون حصادنا من أطباء المستقبل هو ضعف في الإعداد الأكاديمي وفقر في الأداء العلمي وضحايا بالآلاف .. وذلك بالإضافة إلى إنهيار سمعة الطبيب السوداني في الخارج وهي سمعة العقود الأربعة الماضية وذلك إذا ما تسرب إلى الخارج الأطباء من ضحايا الهشاشة العلمية وتواضع المهنية!
هناك سبب آخر مسكوت عنه إذ يتحاشى الجميع الحديث عنه وهو أن القلة المتميزة التي صمدت بالداخل وتلك التي عادت من بلاد الإغتراب أصبحت في معظمها تعاني من الإجهاد والإنهاك البدني والعقلي إلى حد الإعياء! أن هذه القلة أصبحت تلهث طوال الأسبوع بين قاعات المحاضرات بكليات الطب المتباعدة – أحياناً بالولايات! – وبين العيادات الخاصة والمستشفيات الخاصة والعمليات الطارئة وغير الطارئة هذا بالطبع إلى جانب المسئوليات الأسرية والواجبات الإجتماعية التي لا ترحم! يحدث ذلك في عاصمة تمددت أطرافها وأختنقت بالسيارات شرايينها وطرقها وجسورها. ان المرضى الذين يأتي دورهم في العيادات الخاصة قبيل منتصف الليل يلاحقون الإجهاد من العيون المحمّرة والأذهان الشاردة!
يعلم الأطباء قبل غيرهم أن الإجهاد مسؤول عن الأخطاء الطبية والفواجع التي تتناولها الصحف من حين لآخر وتتحدث عنها مجالس المدينة بكثير من الحسرة. بسبب الإجهاد يقل العطاء في قاعات المحاضرات علماً بأن طلاب اليوم هم أنفسهم ضحايا لظروف حياتية وأكاديمية تفرض على المحاضر مضاعفة الجهد!.
بسبب الإجهاد وضيق الوقت يظل الأستاذ المحاضر حبيس تاريخ الطب وبعيد عن المستجدات التي تتدفق عبر الدوريات والشبكة كل يوم فكما هو معلوم يعتبر الطب البشري أسرع العلوم تطوراً.
هنا يحضرني ما ذكره لي أخ وصديق يعمل بالسلك الدبلوماسي وقد سبق له أن كان سفيراً بسويسرا. ذكر لي أن المجلس الطبي السويسري – أو لعلها وزارة الصحة- يحظر على الأطباء إستقبال أكثر من خمسة عشر مريضاً في اليوم كما يشترط على كل طبيب ان يعد ورقة علمية كل ستة أشهر! بداهة أورد هذا المثال للعلم وللقياس وللتطبيق.
أن اخطر إفرازات الإجهاد البدني والعقلي هو الإجهاد المعنوي أي The moral fatigue الذي تعقبه مرحلة اللامبالاة The Indifference وهي أسوأ ما يصاب به الطبيب.
أن المحصلة النهائية هي فقدان الثقة في الطبيب ولذلك يسعى المريض لإعتصار ما لدية من مال وما يجود به الآخرون ليسافر إلى خارج السودان بحثاً عن العلاج عند أطباء هم دون الطبيب السوداني كفاءة.
لهذا كله تصبح عودة قدامى الأطباء رضوخاً للواجب الإنساني وإستجابة لنداء الوطن. لهذا نتوقع منهم ان يكونوا رأس الرمح لقيام المنتجع السياحي العلاجي. لم لا وقد لمسوا من صياغة المشروع أنه يسعى إلى التوفيق بين تطلعاتهم المشروعة والمستحقة في حياة هادئة ومنقطعة لأداء الواجب الإنساني والعلمي وفي ذات الوقت فيها متسع للواجبات الأسرية والاسترواح في المنتجع السياحي. هي حياة خالية من الضغوط والتوتر ومبرأة من الإجهاد كما هي حياة فيها سلام مع النفس وحبلى بالإبداع .. فهل يستجيبوا للنداء؟
والله الموفق،،،
د. عمر محمد علي أحمد
جمعية خريجي
كلية الدراسات الإقتصادية والإجتماعية
جامعة الخرطوم
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.