قبل فترة شهدت جامعة الخرطوم بعض أحداث العنيف والاحتجاجات الطلابية فلم يجد القائمون على الأمر سوى إنشاء شرطة للجامعات. وبالأمس تفجرت الأوضاع بعنبر الحوادث بمستشفى أمدرمان وقام مرافقو مريض شاب توفاه الله ( نسأله أن يتغمده بواسع رحمته وعفوه) بتكسير بعض أجهزة المستشفى وأعتدوا على العاملين فيه حسبما رشح من أخبار، فما كان من وزير تدمير صحة البشر ( التاجر) مأمون حميدة إلا أن أحصى لنا سريعاً قيمة ما تم تدميره من أجهزه طبية ( 500 مليون جنيه) منوهاً إلى أن وزارته قررت مخاطبة الشرطة لإنشاء شرطة خاصة بحماية المستشفيات والأطقم الطبية!! بالطبع ما كان لأهل الشاب المتوفي أن يعتدوا على الطاقم الطبي أو يحطموا الأجهزة الطبية ( رغم عدم اتفاقنا مع ردود الأفعال من مثل هذا النوع) إلا لأنهم شعروا بأن إهمالاً قد وقع على مريضهم الشيء الذي تسبب في وفاته. وما كان لطلاب جامعة الخرطوم أن يتركوا مقاعد الدراسة ليخرجوا في تظاهرات واحتجاجات واسعة إلا لشعورهم بالظلم وغطرسة بعض من يجدون الحماية الكاملة في اعتداءاتهم على الآخرين. هناك لم يجد القائمون على الأمر حلاً سوى بإنشاء شرطة خاصة بالجامعات. وهنا أيضاً فكر الوزير (التاجر) بذات الطريقة. وخوفي أن يأتي يوم يخرج علينا في أحد المسئولين بتصريح يفيد بضرورة إنشاء شرطة لحماية أفراد الشرطة. ولاة الأمر في بلدنا لا يرغبون إطلاقاً في فرض العدل أو تبني الشفافية منهجاً في التعامل مع ما يجري. ويعتقدون مخطئين دائماً أن الحلول الأمنية يمكن أن تجنبهم المزالق، مع أنها تزيد من تفاقم الأمور لو يعلمون. بدلاً من إنشاء شرطة هنا وهناك كان بالإمكان مخاطبة المشاكل بشجاعة ونية خالصة لحلحلتها. لكن الحديث عن الشفافية وصدق النوايا يقع على آذان صماء دائماً ولا يجد من يصغي له في دولة الظلم. فمثل هؤلاء الذين استمرأوا الظلم والكذب لا نتوقع أن يأتي يوم يصدقون فيه النوايا لحل أي مشكلة تواجه شعبهم. منذ ساعة تقريباً طالعت خبراً ( عبيطاً). يقول الخبر: " أعلنت سمية إدريس أكد وزيرة الدولة بوزارة الصحة خلو ولاية النيل الأزرق من حالات الإصابة بالإسهالات المائية واكتمال السيطرة عليها في كافة المحليات". ولابد أن القارئ الحصيف قد انتبه للتناقض الذي وقعت فيه الست الوزيرة في تصريح لا يتعدى عدد كلماته ال 16. فكيف تؤكد سعادتها خلو الولاية من المرض وفي ذات الوقت تقول أنه قد تمت السيطرة عليه في كافة المحليات!! إذ كيف تكون السيطرة على شيء غير موجود أصلاً؟! ألا تؤكد مثل هذه التصريحات أن مسئولينا لا يفكرون جيداً قبل أن ( يسهل) الواحد منهم كلامياً! ألا يعكس ذلك أنهم أبعد ما يكونوا عن الشفافية والوضوح والصدق في التعامل مع مشاكل البلد! فكيف لا تتفجر الأوضاع هنا وهناك طالما أن هذا هو حالكم! وأي شرطة يمكن أن تقف حائلاً بينكم وبين مواطنين يتعرضون للظلم في كل يوم، بل كل ساعة ! إن عاجلاً أم آجلاً ستتفجر الأوضاع على نطاق أوسع بكثير ما لم تكفوا عن ظلمكم وغطرستكم. فمن غير المعقول أن يصبر المواطن على الجوع والمرض وتردي الخدمات إلى ما لا نهاية وهو يسمع في كل يوم عن أموال تُسرق وفساد يستشري وثروات وطنية تضيع هباءً منثوراً. تصحيح واجب لا شك في أن القارئ الفطن قد لاحظ أن كلمة " ضريح" التي وردت في مقالي السابق قد جاءت بالخطأ مكان كلمة " خلوة، أي خلوة الشيخ الأمين وليس ضريحه بحكم أن الرجل ما زال حياً يُرزق، لكنه يظل خطأً واجب التصحيح. [email protected]