في الفترة الأخيرة تكررت حوادث الاعتداء على الأطباء من قبل المواطنين، بل وفعلها نظاميون، صحيح أن تلك الأحداث كانت متفرقة ويمكن أن نعتبرها استثناءً رغم أن الأطباء حذروا منها وطالبوا بحمايتهم في أماكن العمل، إذ يبدو أنهم يتوقعون الأسوأ، وبالفعل فما حدث في مستشفى أم درمان قبل يومين يعتبر نقطة تحول خطيرة، ولكنها تدين وزارة الصحة قبل المعتدين، ليس لأنها لم تحم الأطباء، بل لأنها هيأت كل الأسباب ليتطاول المواطنون على الأطباء. من حق أي مواطن أن يجد الرعاية الصحية بالسرعة المطلوبة في الحالات الحرجة، ويجب أن تكون المستشفيات الحكومية مؤهلة بما فيه الكفاية لذلك، وهذا ما لا يتوفر فيها بسبب وضعها المتردي، مع أنها الوحيدة التي تستقبل الفقراء، ولذلك مهما فعل الأطباء فلن يقدموا كل المطلوب، ومن أراد لمريضه العناية المطلوبة فعليه بالمستشفيات الخاصة، حيث يخدمه (الكاش) (عندك قروش تتعالج ما عندك تموت)، فمستشفيات الحكومة تعوق الأطباء من أداء واجبهم كما هو، وكثير من المواطنين تسرَّبوا من بين أيديهم وهم يبذلون قصارى جهدهم لإنقاذ حياتهم إلا أن الإمكانات خذلتهم، ومعروف عن أطبائنا أنهم مخلصون في أداء عملهم وخاصة عندما تتوفر لهم الإمكانات ويشهد لهم العالم، ولكن رداءة المستشفيات الحكومية في السودان جعلتهم عرضة للإهانة . مستشفى حوادث أم درمان واحد من المستشفيات الحكومية التي تحكي عن إهمال الدولة المتعمد للصحة، فرغم أنه متخصص في استقبال الحالات الحرجة إلا أنه يفتقر إلى كل شيء تماماً ويعمل الأطباء في ظروف قاسية وبيئة سيئة ونحن نشهد بذلك، فالمستشفى يفتقر إلى كل شيء والضغط عليه عالٍ بسبب موقعه وقلة مستشفيات الحوادث والطوارئ وكثرة الإصابات والأمراض التي تحتاج إلى العناية الصحية المستعجلة. عشرات المرات كنت شاهدة على حالات أحضرت لمستشفى أم درمان ولم تجد الرعاية الكافية وقضت ساعات طويلة في الانتظار بسبب المعينات. إن كان أهل المصاب من الذين لا يملكون المال اللازم لنقله إلى مستشفى خاص فسيظل تحت رحمة الجهد الشخصي للأطباء، قد ينجحون في إنقاذه وقد لا ينجحون، ولكن الذي يجب أن يعرفه المواطنين أن مستشفيات الحكومة تعيش بجهد الأطباء والعاملين الشخصي، وما تقدمه الحكومة لا يمكن أن يجعلها تستمر، ولكن ليس كل المواطنين يقدرون ذلك ويعتقدون أن مريضهم يجب أن يتعافى ويعيش ما دام هو بين يدي طبيب، وعندما يموت يعتقدون أنه إهمال، صحيح هو إهمال ولكن ليس من الطبيب، بل من الدولة، وعليه فالأطباء يتحملون ثمن فشل الدولة فقط، ولذلك حين يضرب المواطنون الأطباء لا يضربونهم في أشخاصهم، بل يضربون فيهم الدولة. ما حدث في مستشفى أم درمان هو مسؤولية الحكومة التي جعلت المستشفيات الحكومة عاجزة في حين أنها فتحت أبواب الاستثمار مشرعة في المستشفيات الخاصة والصحة عموماً حتى فسد النظام الصحي للدولة تماماً. أيها السادة الأطباء نعلم أنكم تقومون بعملكم على أكمل وجه وفي ظل ظروف سيئة وفرتها لكم الحكومة عن قصد، ولكن يجب أن تعلموا أن الحماية لا يمكن أن تتوفر إلا من خلال الإصلاح الكامل للقطاع الصحي، وكذلك بقية القطاعات، فالأمر مرتبط بجودة ما تقدمه وإلا فاليوم يضرب الأطباء وغداً المعلمين ثم الموظفين في كل المؤسسات وهذه هي نتيجة الفساد فهو مأساة الدولة التي تذل الشعب السوداني كله وليس الأطباء وحدهم. التيار