*ما زالت تلازمني عادة القراءة بنهم.. *وهي عادة ترسخت في وجداني منذ الصغر.. *بل ترسخت بدواخل أغلب الذين شهدوا زمان حصة المطالعة.. *وربما أعيد قراءة كتاب للمرة الثانية أو الثالثة أو الرابعة.. *فمتى ما وجدته أمامي أقرأه ولا أبالي بقراءات سابقة له.. *ففي كل مرة أرى جانباً لم أنتبه له من قبل.. *والآن أقرأ كتاب إدوارد عطية للمرة الثالثة بعنوان (عربي يحكي قصته).. *وقد ترجمه للعربية- بإبداع- زميلنا سيف الدين عبد الحميد.. *وعطية لبناني أقام مع والديه بأم درمان في سنوات الحرب العالمية الأولى.. *وكان والده يعمل طبيباً تحت إمرة الإنجليز آنذاك.. *وعمل هو نفسه معهم- بعد أن كبر- موظفاً في قلم مخابراتهم بالسودان.. *ما استوقفني في كتاب عطية يتردد في ذهني كثيراً.. *لماذا يتفوق الغربيون علينا في مجال الحضارة بينما نحن عالة عليهم؟.. *فهم يخترعون ويكتشفون ويبتكرون ونحن نستهلك.. *نستهلك فقط نتاج حضارتهم ولا نجتهد إلا في (ترجمة) ما يصنعون.. *وهنا تتجلى عبقريتنا في النقاش والكلام والجدال.. *فهو المجال الوحيد الذي نبذ - وتصح مفردة نبز أيضاً- فيه الغربيين.. *وتنعقد (المؤتمرات) لترجمة أسماء الاختراعات.. *فهذا هاتف، وتلك قاطرة، وذاك (شاطر ومشطور بينهما طازج).. *والترجمة الأخيرة هذه بالذات أتعبت (علماءنا) جداً.. *طيب لماذا يكتشفون هم ونحن نكتفي بالدهشة والترجمة والاستهلاك؟.. *هل هم أذكياء؟ أم نحن أغبياء؟ أم هناك سر لا نعرفه؟.. *وأكاد أحس بجنوح عطية نحو تفسير هذا السر لولا عقبة واحدة.. *فهو مسيحي يكن كرهاً عظيماً للإسلام.. *أكاد أحس برغبته في أن يقول (المشكلة تكمن في هذا الدين).. *ولكن الغربيين دينيون كذلك مما جعله (يلف ويدور).. *وربما لو كان بحث عن هذا السر في دغل السياسة الكثيف لوجده.. *فالأديان السماوية تحث على إعمال العقل لا تحجيمه.. *وخصوصاً الإسلام الذي أعلى من شأن حجج المنطق على حساب الغيبيات.. *وما ذاك إلا لأنه الدين الخاتم الذي يحي العقول لا (الموتى).. *ولكن الذي يعمل على تحجيم (العقل الحر) هو الأنظمة (القابضة).. *فهي لا تكتفي بقبض السلطة والمال و(الأرواح) فقط.. *وإنما تسعى إلى القبض على العقول أيضاً في سياق (ما أُريكم إلا ما أرى).. *وهذا التفسير يُدرج تحت مظلته دولاً غير عربية كذلك.. *فليس العرب وحدهم هم المتخلفون وإنما شعوب قارة أفريقيا كلها.. *وذلك فضلاً عن شعوبٍ لاتينية وآسيوية تُحكم دكتاتورياً.. *وما زلت أسير عادة القراءة بنهم.. *ثم لا أكتشف إلا (خيباتنا!!!). الصيحة