اذا قارنت بين شعوب القارة السمراء فلن تجد أقرب للمصريين من أهل السودان، وهذا هو الواقع الذي لا يعيه كثير من المصرين، ولا يروه بشكل جيد، فأهل السودان دائما يسعون لخلق علاقات متينة مع الاشقاء في وادي النيل ولكن المصريين يفشلون دائما في الحفاظ على صداقتهم، بل ويعكرون دائما صفوها، لأن تلك الوشائج تركت لأصحاب السياسة حتى أفسدوها بخلافاتهم الصغيرة، وتركت لقوى الأهواء التي أساءت إلينا وإليهم، ثم تركت مؤخرا نهبًا للسماسرة والطامعين، فاستأثروا لأنفسهم بكل شيء، لم يتول الأمر أصحابه الحقيقيون- شعبي وادي النيل- الأقارب شبه الأشقاء، الذين ظلوا طوال عمرهم يشربون الماء نفسه،ويتنفسون الهواء عينه ويعانون من المشكلات نفسها، وينتقلون بين البلدين دون أن يلاحظوا فرقا. نقطة الخلاف الواقعية والموجودة على الأرض هي حلايب وشلاتين، والحرب التي تقام حولها حتى الآن هي حرب كلامية، تدار من خلال أجهزة الإعلام، وتشارك فيها نفوس مريضة، تزيد من شقة الخلاف، لا توجد محاولة جدية لأن يجلس الأشقاء وجهًا لوجه ليناقشوا هذه القضية، لم تبذل الحكومات جهدا حقيقيا لتحويل هذه البقعة الصغيرة من الأرض من سبب للتنافر إلى حجر زاوية للتعاون فالازمة التي يعيشها البلدان اليوم أشعلتها أجهزة الأمن المصرية القمعية في حادثة المواطن السوداني قبل شهور من بدايات هذا العام ، اذ انهم ودون وجه حق وبطريقة بربرية همجية تم القبض عن مواطن سوداني عزيز كريم هو "يحيى زكريا " وتعذيبه داخل أحد أقسام الشرطة بطريقة وحشية ، كان قد جاء للقاهرة مثل المئات من الإخوة السودانيين للقيام بعملية "بواسير" لابنته الصغيرة، ذهب الى بلده الثاني كما يقولون لعلاج فلذة كبده ، وعندما ذهب لتغيير مبلغ الدولارات التي يملكها وهي لا تتجاوز 500 دولار( تعادل بالسوق الاسود اليوم خمسة مليون جنيه سوداني" وقع في فخ من بعض رجال الأمن من ذوي النفوس الضعيفة والمريضة التي تعودت البقشيش والرشوة ، فما أن خرج من الصرافة حتى ألقوا القبض عليه، ووجهوا إليه تهمة الاتجار في العملة ، رغم أنه فعل ذلك في صرافة رسمية معترف بها، وبمبلغ لايساوي كلمة اتجار بالعملة وهو كل المبلغ الذي عبر به الحدود و لا يستحق الإعلان عنه، وقد صودر هذا المبلغ بطبيعة الحال بلا استحياء رغم علمهم التام بسبب حضوره لمصر – تصور كيف يكون الحال لو ما كنت سوداني - وتعرض الرجل إلى المزيد من الضرب والإهانة داخل قسم الشرطة. فقد وصلت صور يحيى الذي تعرض للقمع إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وأحدثت صدمة لدى الاهل والشعب في السودان، وظهر هناك من يزيد اشتعال النار، ودست العديد من الصور القديمة والحديثة التي تدل على سوء معاملة الشرطة للسودانيين، وبالرغم من أن وزارة الداخلية المصرية تؤكد أنها ترفض كل أنواع التعذيب، رغم ذلك أنه يمارس على أيدي رجالها في كل مكان، وهي لا تقدم للمحاسبة إلا من يتم تصويره وتصبح فضيحته علنية، كأنها تعاقبه فقط، لأنه فضح نفسه ولم يكن حذرًا بما فيه الكفاية . ولكن الأمر الخطير في هذه الواقعة أن بعض وسائل الإعلام المصرية قد شنت هجوماً ضد السودان واتهمته بأنه يتضامن مع إثيوبيا ضد مصالح مصر المائية مقابل اتفاقيات سرية بشراء الكهرباء الناتجة عن سد النهضة بأسعار ووضعت بعض الصحف مانشيت كتب عليه " السودان ليس دولة صديقة"!!! واستنكر البرلمان السوداني في جلسته ما سمّاه "سوء معاملة" مواطنيه في مصر وذلك خلال جلسة استمع فيها لتقرير من وزير الخارجية إبراهيم غندور حول القضية.واعترف وزير الخارجية السوداني خلال الجلسة أن هناك زيادة في حالات احتجاز السودانيين وتفتيشهم وسلب ممتلكاتهم في مصر ". وأشار في تقريره الذي عرضه على البرلمان السوداني إلى استهداف بعض المواطنين السودانيين في المقاهي والشوارع واقتيادهم في سيارات ومحاولة الحصول على أموال منهم تحت ذرائع التأكد من وجود إقامات لديهم". وقال التقرير إنه "تتم معاملة المحتجزين في بعض الأحيان بفظاظة، كما انتقلت الحملات التي يتعرض لها السودانيون إلى بعض أماكن السكن التي يتم تفتيشها". ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد قامت شرطة الحدودالمصرية بقتل أربعة من السودانيين في سيناء خلال بدايات العام الحالي كانوا يحاولون التسلل عبر الحدود إلى إسرائيل كما ورد في الفضائيات ووسائل التواصل السريع ، وهذه ليست المرة الأولى التي يحدث هذا الأمر، فالمصريون يقتلون الكثيرين من الجنسيات الإفريقية المختلفة، وأحيانا تسرق بعض العصابات أعضاءهم أيضًا، حتى أضحى أبناء قارتنا يخافون من المصرين أكثر من خوفهم من إسرائيل ، والسؤال الذي يفرض نفسه ما السبب الذي يجعل القوات المصرية تقتل السودانيين وغيرهم وتجتهد لحماية حدود اسرائيل ، والغريب في الامر أن اسرائيل نفسها توجه انتقادات عنيفة للأساليب الوحشية التي تمارسها انظمة القمع المصرية ، بل باتت دولة العدو الصهيوني تقدم الإسعافات اللازمة والماء والطعام للمصابين الذين ينجون من القتل !!!، لا أحد يعترض علي المصرين بأن يحموا حدودهم ، وأن يحاربوا كل محاولات التسلل أو الهجرة أوقوى الارهاب التي انتشرت في كل مكان، ولكن عليهم أن يفرقوا بين المهربين المحترفين الذين يتاجرون في السلاح أو المخدرات او البشر،أو قوى الشر وبين هؤلاء الفارين الذين يبحثون عن مخرج من الفقر والحروبات التي انتظمت القارة المظلمة.وإنهم مجرد هاربون من الجوع ومن ويلات الحروب الأهلية ويبحثون عن حياة أفضل وليس عن موت عاجل ،بل عليهم أن يحاولوا منعهم بأي طريقة سلمية حضارية طالما تأكدوا أنهم بشر مغلوب على أمرهم، وإذا نجحوا في الإفلات من مصيدة الصحراء فلنتركهم لمصيرهم، فالقتل عقاب قاس عن جريمة لم ترتكب بعد، وإسرائيل ليست بالدولة التي تستحق أن تلوث أيدي المصريين من أجلها بدم الأفارقة بشكل عام ودم إخوتي السودانيين بشكل خاص. وتستمر المناوشات المصرية للسودان والسودانين فخلال اليومين الفائتين نستمع للموظف المصري الذي يصف بلادنا بأنها أرض الزنوج والكوليرا في الفضائية المصرية . اذن لم ينته العداء المصري للسودان ما دامت الاجهزة المصرية تتلفظ بأسوأ العبارات على لسان مسئوليها ومازالت قوارب الصيد المصرية تمارس الصيد في المياه الإقليمية السودانية . إن ما يفعله بعض المسئولين المصريين وأجهزة الامن المصرية يسئ الى كافة الشعب المصري الشقيق ،كما يسي إلى تاريخ البلدين المشترك معًا. إن مصر والسودان أرض المستقبل بالنسبة للجميع ، ففي عام 1967م عقب الهزيمة القاسية التي تلقتها مصر من إسرائيل، لم تجد غير السودان متسعًا حتى تخبئ فيه طائراتها، وهم اليوم في حاجة إلى السودان ليستزرعوا أراضيه طعاما يكفي الزيادة السكانية الرهيبة التي تعاني منها مصر ، والسودان مستعد لذلك، ففي المؤتمر الاقتصادي الذي عقد منذ عدة أشهر، فإن الرئيس السوداني هو الذي فتح باب التعاون والتنمية بين مصر والسودان وهو الوحيد الذي شجع الشعبين للمرور بين الدولتين باعتبارهما ارضا واحدة دون جواز سفر، وهو الوحيد الذي يسعي بكل عقلانية لحل مشكلة الحدود بين البلدين بالوسائل السلمية التي تقدر روح الاخوة ومتانة الجوار . ونحن كسودانين ندين بشدة تعامل المسئولين في مصروالخارجية المصرية مع تعاملهم مع كافة الأزمات الذي كان بطيئا وفاقدا للإحساس بالزمن وبخطورة ما يجري وما قد يترتب عليه، وكانت تصريحات المتحدث باسم الخارجية في بداية الأزمة فارغة من أي مضمون محدد سوى الكلام العام والشعارات التي لا تغني ولا تسمن من جوع، الأمر الذي ساهم في تمدد الأزمة باعتباره نوعا من التهرب. فالسودان لا تستطيع قوة ان تخيفه او تقهره ، فالسودان معروف للجميع – اذا ظلم فان رده للظلم مر مرارته كطعم العلقم – ومازال السودانيون ، يأملون أن تتوقف كافة اشكال العنف الهمجية التي توجه لاخوتهم المقيمين أو الزائرين أو التصريحات والاساءات التي تحدث دون مبررات واسباب . ودام السودان حرا أبيا [email protected]