* الناس مثل الخيول؛ بالإمكان ترويضهم بالرفق وليس بالقهر..! وقد قيل في الأمثال (اليد الناعمة تقود الفيل بشعرة( فالرفق في مشموله مثل الكلمة الطيبة؛ بل أعمق؛ لأن الكلام محدد بالمُخاطب العاقل؛ أما الرفق فيجدر به التعميم في كل صغيرة وكبيرة (للبشر؛ للحيوان؛ للجماد).. ولولاه لاختلت الحياة وصارت ملامحها أكثر فوضوية وجنونية..! * قال الغزالي: (الرفق واللين ينتجهما حسن الخلق والسلامة؛ والرفق ثمرة لا يثمرها إلاّ حسن الخلق؛ ولا يحسن الخلق إلاّ بضبط قوة الغضب وقوة الشهوة وحفظهما على حد الاعتدال؛ ولذلك أثنى المصطفى صلى الله عليه وسلم على الرفق وبالغ فيه). * كلمة الرفق ليّنة.. في نعومتها مصدر (قوتها) وأرى أن فيها من الأسرار و(الظلال) الكثير؛ فأول إيحاءاتها اللطف؛ مما جعلها تتفرد بمكانة خاصة في قلب الإنسان.. وكان سيدنا عمر بن الخطاب يميل إلى الرفق حين قال: (أشقى الولاة من شقيت به رعيته). * من لطائف أهل الرفق ما قرأته فأعجبني: (قيل إن الحسن بن صالح إذا جاءه سائل؛ وكان عنده ذهب أو فضة أو طعام أعطاه، فإن لم يكن عنده من ذلك شيء أعطاه دهناً أو غيره مما ينتفع به، فإن لم يكن عنده شيء أعطاه كحلاً أو أخرج إبرة وخيطاً فرقع بهما ثوب السائل)..! * وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير؛ ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير).. وفي رواية: (من يحرم الرفق يحرم الخير كله). * تعددت الروايات وتنوعت بلسان رسولنا الكريم؛ فقد حملت كتب الحديث (حِزماً) مضيئة من كلامه (الرفيق) الرقيق؛ حاثاً ومرغباً ومذكِّراً في شأن فضيلة الرفق؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم مخاطباً أم المؤمنين: (يا عائشة؛ إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف؛ وما لا يعطي على ما سواه).. وفي رواية: (إن الله عز وجل يحب الرفق ويرضاه ويعين عليه ما لا يعين على العنف).. ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن الرفق لا يكون في شيء إلاّ زانه؛ ولا يُنزع من شيء إلاّ شانه).. وقال: (إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق).. وفي رواية: (ما أعطى أهل بيت الرفق إلاّ نفعهم ولا منعوه إلاّ ضرهم). * روى عن سفيان الثوري أنه قال لأصحابه: (أتدرون ما الرفق؟ هو أن تضع الأمور مواضعها؛ الشدة في موضعها؛ واللين في موضعه؛ والسيف في موضعه؛ والسوط في موضعه). * ومن حكم النابغة الشعرية: (الرِّفقُ يمنٌ والأناةُ سلامةٌ... فاستأنِ في رفقٍ تلاقِ نجاحا).. وقال شاعر: الرِّفقُ ممن سيلقى اليُمنَ صاحبُه والخُرقُ منه يكونُ العنفُ والزللُ والحزمُ أن يتأنى المرءُ فرصته والكفُّ عنها إذا ما أمكنت فشلُ والبرُّ للهِ خيرُ الأمرِ عاقبةً واللهُ للبرِّ عونٌ ماله مَثلُ خيرُ البريَّةِ قولاً خيرُهم عملاً لا يصلحُ القولُ حتى يصلحَ العملُ * جاء في القاموس: (خَرِقَ الولد: حَمُقَ أو دَهِشَ وتحيَّر خرِق بالشّيْءِ: جَهِلَهُ).. ومن حِكم أبو العتاهية في الرفق و(الخرق) قوله: الرِّفْقُ يَبْلُغُ ما لا يَبلُغُ الْخَرَقُ وقلَّ في النّاسِ من يَصفو لَه خُلقُ لمْ يَقلَقِ المَرءُ عن رُشدٍ فيترُكهُ إلاَّ دعاهُ إلى ما يَكْرَهُ القَلَقُ * ومن آثار ابن الكريزي المنظورة في كتب التراث: الرفقُ أيمنُ شيءٍ أنت تتبعُه والخرقُ أشأمُ شيءٍ يقدُمُ الرِّجلا وذو التثبتِ مِن حمدٍ إلى ظفرٍ مَن يركبِ الرِّفقَ لا يستحقبِ الزَّللا * قال الواسطي: بنيَّ إذا ما ساقك الضرُّ فاتئد فالرِّفقُ أولى بالأريبِ وأحرزُ فلا تَحْمَينْ عند الأمورِ تعزُّزاً فقد يورثُ الذُّلَ الطويلَ التعززُ * الأشعار في الرفق كثيرة؛ أبلى ناظموها بلاء حسناً؛ ومنهم القاضي التنوخي صاحب كتاب (الفرج بعد الشدة).. يقول في قصيدة بديعة: القَ العدوَّ بوجهٍ لا قطوبَ به يكادُ يقطرُ مِن ماءِ البشاشاتِ فأحزمُ النَّاسِ مَن يلقَى أعاديَه في جسمِ حقدٍ وثوبٍ مِن موداتِ الرِّفقُ يمنٌ وخيرُ القولِ أصدقُه وكثرةُ المزحِ مفتاحُ العداواتِ. الجريدة