في أحايين كثيرة كنت أطرحُ على نفسي هذه الأسئلة: من أين لنا بنبيٍّ أو رسولٍ مبعوث من كوكب آخر غير الأرض، ليُخبر ساستنا في دولة جنوب السودان أن الشعب الجنوبي لم يخلقه الله كي يٓقتل بعضه البعض، وأن أصول ممارسة السياسة الرشيدة والحكيمة التى ينتفع الجميع من خيراتها تكمنُ في الاستغلال الأمثل لثروات البلاد وطاقة الشعب وتسخيرهما لما ينفع الناس، وليس لخوض حروبات لا طائل منها غير الدمار والخراب وحصاد الخيبات، أو ليُخْبرهم ويُعْلمهم أيضاً أن ما يستحق الحرب فعلاً وتوجيه كل فوهات البنادق له، إنما هو محاربة الجهل والفقر والمرض، وليس "أوبج وقلواك ودينق"، فهذه الحرب بكل تأكيد ضلت بنادقها الصواب والأهداف لتصيب الأشخاص الخطأ. يؤسفنى حقاً ما يحدث في بلدي من حربٍ ودمارٍ ما زالت ولا تزال تحصد أرواح الجنوبيين، يوماً بعد يوم دون أي أسباب أو مبررات منطقية لقيامها. أقول هذا وقد فجعتني الصور والمشاهد الحزينة التى رأيتها بأم عيني في ضواحي مدينة ملكال، التي زرتها أمس الأول ضمن الوفد الإعلامى المرافق للجيش الحكومي لتغطية الأحداث التي دارت هناك. قد أساءت ملكال استقبالي رغم أنني دون الناس أحسب نفسي زائرها للمرة الاولى، فبدلاً من جمال الطبيعة وعبق الأزهار ونكهة الورود وزغزغة العصافير التى طالما سمعت عنها كثيراً في تلك المدينة، بدلاً من ذلك فقد استقبلتني بروائح الجثث لأشخاص سقطوا في الحرب العبثية اللعينة، وبدت المدينة لي في منظرها عكس الصورة الجميلة التى رسمتها في مُخيلتي وذهني! هل هكذا تُكرمين ضيوفك وزائريك يا ملكال؟ رغم أنني تظاهرت بالانضباط والصرامة في المهمة التى جئت من أجلها امتثالاً لشروط مهنتى التي أضحت (محنتي)، إلا أن حسرتي على وطني الذي أراه يضيع أمام ناظري بسبب صراعات السياسيين غير الوطنيين، كانت قد طغت على صرامتي، وبالتالي على مهنتي، إن لم أقل كرامتي، كيف لا وواقع الحال يفيد أن المنتصر والمنهزم في هذا الصراع تجسدا معاً في شخصي، وفي شخصية كل مواطن جنوبي غيور على وطنه، يبغض الحرب ويُحب الخير لوطنه جنوب السودان بأهله وناسه الطيبين الذين يكافئهم الساسة اليوم مكافاة الملك لباني القصور "سنمار" الذي قرأنا كلنا قصته الحزينة في كتب المطالعة في المرحلة الابتدائية. فأي فائدة ينتظرها هؤلاء وأولئك من هذه الحرب اللعينة، وأي سلطة يريدون الحصول عليها، اللهم إلا على جماجم الأبرياء!!؟؟ يا نبي ألا تسرع.. فلقد أضنانا العذاب وأرهقتنا الحرب. ألقاكم. سايمون دينق [email protected]