أعاد ظهور هاني عابدين في الحفل الختامي لما يسمي بالحوار الوطني أعاد ملف علاقة المبدع بالسلطة الي دائرة النقاش بعد أن امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بنقاشات قسمت الناس* مابين مدافع ومنتقد لموقفه، وظل هذا الملف حاضرا في ظل ثلاث أنظمة شمولية* طوال الست عقود المنصرمة جذبت فيها تيارات الأنظمة المبدعين الي شواطئها* تارة عنوة واقتدار وتارة اتو إليها برغبتهم وقدموا ابداعهم قربانا لها .* وطالما اعتاد الناس تتبع مسيرات المغنيين والشعراء في علاقتهم بالسلطة دون سواهم من المبدعيين وذلك ما خلق سجلا حافلا من الأرشيف المؤرخ في وجدان الشارع* السوداني حول علاقة المغننين والأنظمة الشمولية* فما ان يذكر جعفر النميري الا واقترن اسمه بسيد خليفه كما اقترنت اسماء عديده بالانقاذ من جيل اليمني وترباس الي جيل فرفور، وخلدت ذات السجلات بالمقابل مواقف مبدعيين اختاروا أن يتخذوا* موقفا مضادا من كل الأنظمة الشمولية طوال العقود المنصرمة وان ندر ذلك كأبو عركي البخيت ومحجوب شريف* نموذجا . لكن الشارع السوداني لا يذكر جليا* أسماء مذيعيين- مخرجيين - رساميين- مصوريين كثر ظلوا يسخرون ابداعهم لكل الأنظمة دون أي حرج . والآن مع التحولات المفاهيمية واتساع دائرة الوعي قد تمتد (سجلات العار ) الي مبدعيين من قطاعات اخري ظلوا بعيدين كل البعد عن الشبهات ولم تلاحقهم سجلات الارشفة من قبل قط، فالعالم الآن أصبح ( هاردسك ) لا محدود السعة وكل قصيدة أو عنوان علي صحيفة أو حوار أو اغنية* كل شيء أصبح قابل للحفظ والعودة إليه في أي زمان مهما طال . فإذا كان الشارع السوداني يذكر أغنية واحده وموقف واحد لمبدع ساند جعفر النميري في سبعينيات القرن المنصرم فامسي بالامكان الحصول علي عشرات الدلائل والبراهين عن علاقة مبدع مع النظام الحاكم في العام 2016* فنحن في زمن نوثق فيه لكل تفاصيلنا الحياتية بقصد أو دون قصد . إن العلاقة الثنائية مابين المبدع والسلطة خلال العقود الثلاث الاخيره لعبت فيها السلطة دور الضوء المشع والمحرق الذي يجتذب إليه الحشرات ليلا وسرعان ما يقتربوا منها ويحترقوا لتلفظهم السلطة التي لم ولن تك يوما مهومة بالإبداع والمبدعين . بل ظلت تحاول بكل ما في وسعها تسخير المبدعين لخدمة مشروعها الذاتي.* فالسلطة أي سلطة كما يري أدوار الخياط أنها بطبيعتها تحرص علي البقاء في الحال علي ما هو عليه علي النقيض من طبيعة المبدع المتطلع للتجديد وللتغيير والاستقلالية أو هكذا يجب أن يكون . والآن وقد اتضحت الرؤيا وأصبحت التقاطعات التي تأخذ المبدع الي السلطة جانبا والتي تاخده الي الشارع العريض في الجانب الآخر. والآن وقد تخندق الحاضر مؤرخا مستقلا للتاريخ وامسي الشارع يتلقي الابداع وهو أكثر وعيا وانتباها بمحتوياته ومقاصده* فمن أراد أن يجعل من إبداعه مروجا للزيف ومحرضا للقبح ومزيفا للواقع *وبائعا للناس الوهم مغلفا بابداعه فليفعل. ومن أراد أن ينتمي للشارع اوجاعه واحلامه وآماله فقد اختار طريق الي وجدان الشعب ولو بعد حين . * [email protected]