الاحظ نشاطا شديدا للمبعوث الامريكى هذه الايام فى الموضوع السودانى . واعتقد ان السبب الرئيس فى هذا هو التحرك الايجابى من قبل طرفى المعارضة الرئيسيين – قوى الاجماع ونداء السودان فى الساحة السياسية ، بعد ان توصلا الى عدم جدوى الاستمرار فى لعبة التفاوض بقيادة الجماعة رفيعة المستوى . وقبل ذلك التحرك الشعبى المتزايد والمتمثل فى اضراب الاطباء وحملة استخدام الكيماوى فى داخل السودان وخارجه ، واعتصام اهالى الجريف ، ومظاهرة ابناء دارفور عقب اغتيال الطالب الدارفورى الناشط . ولا انسى ندوات الاحتفال باكتوبر . كل هذا الزخم شكل انذارا لما يسمى بالمجتمع الدولى وللنظام نفسه بان المسألة أصبحت جد ! فعلى مستوى النظام ايضا حصلت بعض التحركات التى قصد منها اعطاء اشارات ايجابية للقوى السياسية والمجتمع الدولى ، وذلك مثل تقديم مشاريع لتعديل الدستور من قبل الرئاسة الى البرلمان واطلاق سراح المحكومين والغاء عقوبة الاعدام عن جماعة الحركة الشعبية ..الخ . هذه التحركات تعنى من جانب ان توازن القوى اصبح يميل الى جهة المعارضة ، مماجعل النظام والمجتمع الدولى الذى لايريد مجئ نظام راديكالى لايمكن اللعب معه وعليه ، محاولة اجهاض هذه التحركات قبل ان تصل الى مرحلة يصعب معها الايقاف ، ومن جانب آخر تهئ للاطراف المتردة فى المعارضة سببا لقبول الرجوع الى مربع التفاوض . لهذا لزم التنويه الى عدة اشياء حتى لا يتم الانزلاق مرة أخرى الى ذلك المستنقع : لاأظن ان أى طرف من أطراف المعارضة الحقيقية يؤمن بالنوايا الحسنة للمجتمع الدولى ، بعد كل ما قام به لتحقيق اهدافه فى تقسيم المنطقة ونجاحه الباهر بالبدأ بالسودان . ولعل النظام نفسه يذكر الوعود التى قطعت له كى يسير قدما فى تنفيذ الانفصال ويتحسر على قبوله بتلك الوعود التى ذهبت ادراج الرياح وبقى الانفصال ! وهو نفس المجتمع الدولى الذى نجح فى اقناع جماعات نداء السودان فى التوقيع على الخارطة مقابل الوعد الشفوى بتضمين متطلباتها لتضاف الى الخريطة . واذكر وقتها ان المهندس الدقيرر قد قال ان المجتمع الدولى ليس لديه من كروت الضغط على المعارضة لتقبل تنفيذ مايريد . وان المعارضة تتماشى مع بعض طلبات المجتمع الدولى بسبب تأثيره الذى لاينكر ولفضح النظام امامه بانه هو، وليس المعارضة ، الذى يعرقل مساعى الحل التفاوضى. وهذا كلام جميل ومعقول ، ويمكن الانطلاق منه الى مقترح يحفظ وحدة المعارضة امام الضغط الذى بدأ بالفعل ويظهر فيه عامل التنسيق بين النظام ومن يريدون استمراره ، ولو من خلال بعض عمليات التجميل . المقترح يضع خيارين : الاول ، وهو الافضل فى اعتقادى فى هذه الظروف التى بدأت فيها قوى المعارضة والشعب أخذ زمام المبادرة والهجوم ، ان ترفض المعارضة مبدأ الرجوع الى مربع التفاوض ، خصوصا وان لديها من الدفوعات مايكفى امام المجتمع الدولى وآخرها ماحدث من تعنت النظام بعد توقيع النداء لخارطة الطريق . خصوصا وان ذلك سيكون بمثابة صب الماء البارد على تباشير الثورة الشعبية . الثانى ويمثل اخف الاضرار ، وهو الموافقة على الرجوع الى مربع التفاوض ، ولكن مع اضافة شرط رئيس الى الشروط السابقة التى يجب ان تسبق اى تفاوض مجد ، وهو البدأ فى تحقيق دولى محايد حول قضية استخدام الكيماوى فى مناطق الحرب الثلاث !