الهلال يرفض السقوط.. والنصر يخدش كبرياء البطل    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الجيش ينفذ عمليات إنزال جوي للإمدادات العسكرية بالفاشر    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالفيديو.. تاجر خشب سوداني يرمي أموال "طائلة" من النقطة على الفنانة مرورة الدولية وهو "متربع" على "كرسي" جوار المسرح وساخرون: (دا الكلام الجاب لينا الحرب والضرب وبيوت تنخرب)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    عصار تكرم عصام الدحيش بمهرجان كبير عصر الغد    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العصيان المدني..صرخة في وجه الظلم
نشر في الراكوبة يوم 28 - 11 - 2016

قد يكون الصمت والسكون وتمالك النفس هو طريقك للحصول على حقوقك .. بلا عنف ولا مظاهرات، فقط بفلسفة تتكون من كلمتين "العصيان المدني"، تلك الفلسفة التي تبناها غاندي في الهند، ومارتن لوثر كنج في أمريكا، وتبناها أهل السودان في إسقاط ديكتاتوريين عسكريين وآتت ثمارها دون عنف.
ظهر مفهوم العصيان المدني في ظل التقاليد الليبرالية والإنسانية التي سادت الأنظمة الديمقراطية الغربية، حيث كانت الأقليات والفئات المضطهدة تلجأ للعصيان المدني لإسماع صوتها، كما امتد ذلك ليشمل الأنظمة الدكتاتورية في دول العالم الثالث والأنظمة الاشتراكية ذات الحزب الواحد.
جذور العصيان المدني
بدأت أولى عمليات العصيان المدني مع ما قام به سقراط الفيلسوف، فقد كان يتجول في الأسواق، ليسأل الشباب والعامة بعض الأسئلة البديهية الفلسفية، وهذا الأمر كان يزعج السلطات فألقت القبض عليه، وأودع السجن بتهمة إخراج الشباب عن طريق الصواب، وهذا الإتهام كانت تصل عقبته في آثينا للإعدام.
تمت محاكمة سقراط وتحولت هذه المحكمة إلى مناظرة فلسفية وفكرية تاريخية، وصدر بحقه عقوبة الموت عن طريق شرب السم، فلم يعترض على جزائه ولم يهرب من السجن بالرغم من توفر كافة الظروف لذلك، فقد كان يحترم قوانين مدينته، وتجرع السم بنفسه ضارباً أروع مثال على العصيان المدني والمعارضة السلمية ضد نظام الحكم وسفسطة السفطاء وجهل العامة، ولم يحتقر جلاديه، فقد بيّن احترامه للقانون وكان تصرفه هذا بمثابة انتقاد أخلاقي وسياسي موجه للنظام الحاكم، حتي أصبح هذا الموقف الجليل عماداً من أعمدة العصيان المدني ومبدأ أساسياً فيه.
كان أول من استعمل مصطلح العصيان المدني، وأشار إلى فكرته هو الكاتب الأمريكي "هنري دايفيد ثوراو" في مقالته الشهيرة "العصيان المدني" الذي نشر عام 1849، وقد كتب تلك المقالة عقب امتناعه عن دفع ضرائب الحرب، احتجاجاً على العبودية والقمع والاضطهاد والحرب التي كانت تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية ضد المكسيك، حيث رأى أن الامتناع عن دفع الضرائب كنوع من الاحتجاج، أمر من شأنه إلزام السلطة بتغيير سلوكها ليلائم ما يريده الشعب حقيقة.
ويعتقد الكاتب الأمريكي "هنري دايفيد ثوراو" أن المواطنين هم الذين يشكلون ويصنعون الجزء الأعظم في جماعة العصيان المدني أو الذي يشكل بدوره المرحلة الثانية بعد تحرك الشارع في مظاهرات سلمية أمام رموز السلطة الحاكمة بهدف زيادة الضغط على النظام السياسي للتسليم بمطالب الشعب، والتي تمثلها المعارضة خارج السلطة.
كما ينبغي ألا تنشغل حركة العصيان المدني بتوجيه خطابها إلى الحاكم أو النظام وتغفل عن اختيار خطاب مناسب للجماهير يدعوهم للمشاركة في العصيان، ويحرضهم عليه ويربط مستقبلهم بنجاحه، طالما أنها قررت المقاومة وليس الاحتجاج.
يقول جون راؤول في كتابه "نظرية العدالة": "ليس من الصعب أن تبرر حالة العصيان المدني في نظام غير عادل لا يتبع رأي الأغلبية، ولكن حينما يكون النظام عادلاً إلى حد ما تبرز مشكلة ألا وهي أن من يقوم بالعصيان المدني يصبح من الأقلية وتغدو عملية العصيان المدني وكأنها موجهة ضد رأي الأغلبية في المجتمع".
لذلك تستفيد حركات العصيان من الظلم والتسلط، وتوظفهما في عملية التحريض، وكلما ازداد الظلم كلما كان ذلك في صالح حركات العصيان، وكلما زادت الجرائم المعلنة للنظام الحاكم كلما كان ذلك سبيلاً إلى اجتذاب الجماهير.
لذلك ينبغي أن تستفيد حركات العصيان من أخطاء النظام، وتوظفها بشكل دقيق لجذب المزيد من الأحرار، ولتسقط شرعيته وهيبته.
احتجاج بلا ضجيج
العصيان المدني هو ببساطة، أن تعصي القانون وتطيعه في آن واحد، فهو أرقى صور التمرد والمقاومة والرفض والاحتجاج، ولكن بالشكل السلمي المتحضر.
ويعرف بير هيرنجرين العصيان المدني في كتابه "طريق المقاومة .. ممارسة العصيان المدني" بأنه: نشاط شعبي متحضر يعتمد أساساً على مبدأ اللاعنف، وأنشطة العصيان المدني هي عبارة عن تحدٍ لأمر ما أو لقرار ما حتى ولو كانت غير مقيدة بالقانون، وهدف النشاط المباشر هو أن يحافظ على ظاهرة معينة أو أن يغير ظاهرة معينة في المجتمع.
أما النتائج أو التبعات الشخصية المترتبة على العصيان فهي جزء مهم من النشاط ولا ينظر إليها على أنها نتيجة سلبية.
إذاً فالعصيان المدني تقوم أنشطته على التحدي، فلا تقيده قوانين النظام أو قراراته، وإن كان أحياناً يتم عبر القوانين، ومن ثم لا يستطيع النظام أن يفرض على حركة العصيان نشاطاً بعينه أو يمنعها من نشاط، أو يفرض عليها ميداناً بعينه، ومن المعروف، وكلمة "مدني" قد تعني للبعض المواطن المدني، أي أنها صفة تتصل بالمواطن، ولهذا فإن أول ما يتبادر إلى الذهن أن العصيان المدني يعني عصيان المواطنين المدنيين، ولكن في حركة اللاعنف فإن كلمة "مدني" تعني عكس ما تعنيه كلمة عنف أي "اللاعنف"، وهذا معناه أن المشاركين في أي نشاط للعصيان المدني يتصرفون بشكل مدني لاعنفي - أي متحضر.
كيف يكون؟
يعتمد العصيان المدني في الأساس على مبدأ اللاعنف، وعدم رفع شعارات مؤيدة أو معارضة، أو لنقل هو العصيان الصامت، كما يعتمد على أن يكون هذا العصيان علنياً وليس في الخفاء، ولذلك ينبغي لحركات العصيان أن تعي هذه النقطة جيداً أن المواطنين هم المستهدف الرئيسي للعصيان، أن يرى الناس أفراداً من الشعب يمارسون العصيان جهاراً، ويتحملون عواقبه، فالعصيان هو رفض للنظام وكسر لقانون أو وضع ما جائر دون تخفي.
أما أشكال وصور العصيان المدني فهي متعددة، مثل رفض الموظفين للذهاب إلى دوائر الدولة، والمدارس والجامعات والمصانع والمعاهد، مع إغلاق كل الأسواق والمحلات التجارية والأفران,ومثل امتناع سائقي السيارات العامة والخاصة ومحطات الوقود وسيارات الأجرة في داخل المدن وخارجها، أو أن يخرج المعارضون بشكل جماعي وفي أوقات محددة، لإجبار السلطات الحاكمة على الانصياع لمطالب المحتجين الهادئين، ومثل أن يخرج "المدنيون" وهم يرتدون الثياب السود أو البيض رجالاً ونساءً ولكن بهدوء لا شعارات، ولا صراخ، ولا نداءات معادية، ولكن عصيان بهدوء، وكالجلوس في الشوارع الكبرى، وعلى أرصفتها، وفي وسطها، ولكن بصمت دون أي فعل، فالاحتجاج اجتماعيا قبل أن يكون سياسياً.
فيجب على الممارس للعصيان المدني أن يكون هادئاً مالكاً لزمام نفسه حتى يتحقق هدفه، فعندما يمسك به رجال الأمن والشرطة، لابد أن يكون مطيعاً لهم تماماً، يبتسم في وجوههم على الدوام، ولو سبوه أو شتموه؛ يجادلهم بالتي هي أحسن، أو يسكت؛ فإن السكوت أبلغ من الكلام .. لا يقاوم اعتقاله لأن المقاومة عنف والعنف ينافي جوهر العصيان المدني.
العرب والعصيان المدني
تعبير "العصيان المدني" قد يكون غير مألوف لدى الشارع العربى، بل يعتبر البعض أن العرب والعصيان المدني بمثابة معادلة صعبة، ويقول الباحث جميل عودة أن "هناك من يرى أن اللجوء إلى العصيان المدني في الدول العربية والإسلامية، كأسلوب متطور لانجاز المطالب وتحصيل الحقوق، ما هو إلا ضرب من الخيال، وكلام سفسطة لا معنى له"، فأنت تستطيع أن تتحدث عن العصيان المدني، في دولة مثل أمريكا وكندا وسويسرا، وما شاكلها من دول العالم المتحضر، ولكن لا يمكن أن تتحدث عن مفهوم العصيان المدني، فضلا عن تطبيقه في الدول العربية، إلا إذا كنت مجنوناً؛ لأن استخدام الأسلوب اللاعنيف راسخ في الدول التي تكون معاييرها أسس العمل الديمقراطي، وحقوق الإنسان وحرياته، وتحكيم مبادئ العدالة والمساواة الاجتماعيين.
أما في الدول العربية الجامدة أو الزاحفة نحو الديمقراطية، لا يمكن اللجوء إلى هذا السلوك على سبيل الحقيقة، لأجل استبدال الحكومة المستبدة أو تغيير منهجها، لأن قيام نهج العصيان المدني غير العنيف في هذه الدول يحتاج إلى ترويج ثقافة اللاعنف والعصيان المدني عند الجماهير والسلطة على حد سواء، وهو ما زال في طور التكوين، يموت حيناً، ويفيق آخر.
وبالتالي، فإن الكلام عن العصيان المدني في بلد عربي أو إسلامي، مثل مصر أو تونس، أو في الخليج العربي التقليدي، كلام قد لا يمت للواقع بصلة، كيف تستطيع حشود مطوقة بطوق من رجال الأمن والشرطة ومكافحة الشغب، وعيون الجواسيس والمخبرين السرين، ولا تملك إرادتها في التعبير عن غضبها إلا في نطاق أسلوب العصيان المدني، أن تغير نظام مستبد مسلح، لا يفهم إلا منطق القوة والعنف والسلاح؟
تجارب حول العالم
لقد كان للمهاتما غاندي السبق في إتخاذ العصيان المدني كوسيلة لتحدي القوانين الجائرة في الهند؛ متخذاً إسلوب اللاعنف، وكانت الساتيا جراها هي استراتيجية غاندي في توحيد ملايين الهنود، بإعطاء القدوة في المحبة والتسامح عبر الانقسامات الطائفية؛ ثم حفز أبناء شعبه على مقاطعة البضائع الإنجليزية، وابتكار البدائل البسيطة لتلك البضائع بداية من ملح الطعام إلى المنسوجات والملابس، وكان كل نجاح يحرزه غاندي وحزبه، الذي سماه حزب "المؤتمر"، كلما زاد أنصاره عدداً وتصميماً.وشجعه ذلك على الانتقال من مرحلة المقاطعة إلى مرحلة خرق القوانين الاستعمارية التي فرضها الاحتلال البريطاني، ومنها قانون منع التظاهر، وفي هذه المرحلة التي درسها غاندي واستعدلها بدقة، وأوقع سلطات الاحتلال في ورطة، فأي قانون لا قيمة له إذا لم ينطوي على عنصر العقا؟!.وكان التظاهر بالمخالفة للقانون ينطوي على الحبس، ثم السجن في حالة ثبوت "الجريمة"، وفوجئ البريطانيون بعشرات الألوف يتظاهرون، ويقبلون إلقاء القبض عليهم بلا مقاومة، بل والاعتراف بمخالفتهم للقانون، وهو ما يعني إما حبسهم، وهو ما كان مستحيلاً، حيث لا توجد سجون تستوعب هذه الآلاف في كل مدينة هندية، وحتى إذا تم القبض انتقائياً على الزعماء والكوادر، فإن استمرار اتباعهم في التظاهر السلمي وخرق القانون كان يحتم على السلطة لكي تحتفظ بهيبتها أن تلقي القبض على المزيد منهم، وتتكفل طبقاً للمواثيق الدولية، بإعاشتهم وكسائهم، وتقديم الخدمات الطبية لهم، وهو الأمر الذي لم تعمل له بريطانيا حساباً.
أما إذا استخدمت العنف بديلاً للحبس والسجن، ولم يرد المتظاهرون بنفس الأسلوب العنيف، فإن ذلك كان يجعل الجنود الإنجليز بعد فترة يشعرون بالخجل، فيرفضون هم أنفسهم تنفيذ الأوامر باستخدام العنف، وهكذا وجدت سلطات الاحتلال البريطاني في مرحلة من المراحل أن "العصيان" يمتد من صفوف الهنود "المغلوبين" إلى صفوف جنودهم، وبدأ الرأي العام البريطاني نفسه يثور على حكومته، ويضغط عليها للتسليم بمطالب الحركة الوطنية الهندية في الاستقلال، وهو ما كان.
أمريكا
وجاء من بعده "مارتن لوثر كينج"، في إطار حركته المطالبة بالحقوق المدنية؛ فسار على خطا غاندي مبتكرًا أسلوبي المسيرة والجلوس الاحتجاجيين، لخلق موقف متأزم مستحكم يُرغم الحكومات والأنظمة على فتح باب النقاش والتباحث، وقد لجأ الزعيم الأمريكي الزنجي إلى نفس استراتيجية غاندي الساتيا جراها في حركة الحقوق المدنية، والتي نقلت نضال الزنوج الأمريكيين نقلات نوعية غير مسبوقة في غضون عشر سنوات فقط، فانتهت إلى غير رجعة قوانين الفصل العنصري، التي كانت ما تزال سارية في ثلاثة عشر ولاية جنوبية في الولايات المتحدة.
السودان
كذلك نجح الشعب السوداني مرتان في إسقاط ديكتاتوريتين عسكريتين، هما نظام اللواء إبراهيم عبود عام 1964، واللواء جعفر نميري عام 1985 بالتظاهر والإضراب الجماعي السلمي عن العمل. فعندما قررت الحركة العالمية الديمقراطية في السودان عام 1964 ممارسة العصيان المدني ضد الحكم العسكري، ونشرت إذاعة الخرطوم أنباء هذا العصيان، واشتراك العاملين في الخرطوم والمراقبين الجويين في الإضراب عن العمل وكان أن أحد المذيعين في إذاعة الخرطوم أعلن أن العاملين بالإذاعة قرروا أيضا المشاركة في الإضرابأ وأنهم سوف يتوقفون فورا عن العمل.
بعدها سقط الحكم العسكري في السودان دون طلقة رصاص واحدة فقد أثبت الشعب السوداني قدرته علي تحويل البلاد إلي ساحة خالية من أي حياة، ولم يكن بإمكان هذا النظام أن يواصل الحكم بدون تعاون الشعب.
هذا إن دل علي شئ فيدل علي أن الشعب السوداني من أرقي الشعوب العربية و أكثرها تحضرا فالعصيان المدني لا تقوم به إلا أمه تعرف معني الديمقراطية و الحكم الراشد و تقدرهما.
كيف يعمل العصيان المدني ؟
هدف العصيان الاساسي هو إسقاط النظام و لكن إن لم يحدث ذلك و كان نجاح العصيان بنسبة تفوق ال50% فيعتبر ناجحا من حيث الآتي:
1-إحداث الأثر النفسي و له مظهران:
المظهر الاول يتبدي في الشعب بكسر حاجز الخوف و الخنوع للسلطان و الاستعداد للنضال من أجل نيل الحقوق المسلوبة.
المظهر الثاني و موضوعه النظام حيث يشعر النظام و رموزه و منسوبية بالهلع و الخوف من هبة الشعب و إستيقاظه و زوال ملكهم فتقل ثقتهم في نظامهم ويدب الارتباك في صفوفهم و تتغير لهجتهم و افعالهم من الصلف و التعالي إلي لغة التخدير و المهادنة.
2- الاثر السياسي و له إنعكاسات كثيرة منها سياسات تراجعية كما ظهر في بيان وزير الصحة الاخير و أنشقاقات في أوساط الملأ من سدنة النظام و خلافات جلية ,يتبدي ذلك ايضا في نظرة العالم و المنظمات الدولية و الاقتصادية للنظام بوصفه نظام غير مدعوم من شعبه مما يؤثر علي ديبلوماسية النظام و مصداقيته علي ذلك الصعيد.
3-الاثر الاقتصادي الذي يتبدي في صرف النظام علي الحالة الامنية من خزينة هي أصلا مرهقة و توابع ذلك من إتصالات و مواصلات ووقود وبدل إستعداد,يتبدي أيضا في تقليل الايرادات المفترض دخولها في منظومة الدولة عبر روافدها المختلفة و أيضا في في تدني مؤشر البورصة و إحجام راس المال عن الدخول في الدورة الاستثمارية.
3- حركة الشارع و المكاتب و هذه أضعف الآثار حيث أن الآثار المشار اليها آنفا هي الاقوي و تظهر نتائجها بعد فترة قصيرة,لكن حركة الشارع المكاتب و الشارع الظاهرية فتشمل تحركات المجبورين علي الذهاب للعمل و التحركات الاضطرارية للمواطنين ,لكن الملاحظ في عصياننا المدني أن الحركة الظاهرية كانت اقل كثيرا من السابق بنسبة تفوق ال50%.
4- الاثر الاعلامي و هو من اسوا الآثار في هذا العالم الذي صار قرية صغيرة فقد تناقلت وكالات أنباء لها وزنها الدولي خبر العصيان المدني في السودان منها الجزيرة و سكاي نيوز و البي بي سي.
الشعب السوداني الابي البطل شعب معلم صنع الثورات و الاعتصام المدني في زمن و محيط قل أن يعرف فيه الناس هذه المعني ,هي صرخة ضد الظلم من اي كان سواء كان نظاما أو معارضة أو افرادا أو سلوكاو الوضع الحاصل في بلدنا الآن لا يستحمل التأجيل أو التسويف حسبما صرح عراب هذا النظام و كثير من قادته و قد طال الامد و احتار الجميع فيما قد يفعلون و صرنا شحادين كما قال مصطفي عثمان إسماعيل و لا ضوء في آخر النفق,الشعب الآن يقول كلمته أن كفي و إن اردتم قتلنا في الشوارع ثم الخروج علينا ببيان من وزير العدل أن لا أحد يعرف الجهة التي قتلت شهداء سبتمبر فقد آثرنا البقاء في بيوتنا و إنشاالله تضوي ليكم!!!!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.