انجز الشعب السوداني عصيانه الثاني خلال شهر حيث كان الأول في 27 نوفمبر والثاني في 19 ديسمبر وبدرجة عالية من التوحد ظل الشعب السوداني يسعى نحوها منذ اليوم الأول لانقلاب الجبهة الإسلامية القومية في 1989 – حيث جدات المقاومة الفعلية علي الجبهتين العسكرية والمدنية وبصعود وهبوط في مد الحركة الجماهيرية وفي المقابل ضغط غير مسبوق من الأجهزة الأمنية وبأساليب لا أخلاقية تمارس لأول مرة في الحياة السياسية السودانية لقمع المعارضة – فلأول مرة يتم استخدام أساليب التعذيب النفسي والبدني ضد المعارضين تصل حد الاغتصاب للرجال والنساء علي حد سواء وتدمير الاف القرى وتشريد ملايين السكان والسعي لإحلال قبائل في مكان قبائل أخرى في اكبر عملية تغيير سكاني تحدث في تاريخ السودان وبالقوة والقهر – هذا علاوة علي قطع الارزاق وفصل العاملين بعشرات الالف من اعمالهم ايضا في اكبر عملية احلال بأبعاد العناصر الكفؤة واحلال أصحاب الولاء في كل المجالات وعلى وجه الخصوص في المواقع القيادية سواء في القوات النظامية ( القوات المسلحة والشرطة ) او في الخدمة المدنية – فتحت هذه الممارسات الباب واسعا لانهيار الدولة وافلاسها – فالفقر والغلاء ضرب الشعب في مقتل فارتفاع سعر الدولار من 15 جنيه عند مجيء الإنقاذ في 1989 الى اكثر من 20000 جنيه في 2016 رفع أسعار كل السلع وبنفس النسبة ، انهيار تام في الخدمات الصحية بالتعمد الى تجفيف الخدمات الصحية الحكومية وتجفيف المستشفيات لصالح مستشفيات القطاع الخاص وفيما بعد التحرير الكامل لأسعار الدواء – انهيار العملية التعليمية من حيث المعينات والمناهج والمعلم وإلغاء غير معلن لمجانية التعليم ولأول مرة نشهد انتحار أطفال لعدم قدرة اهاليهم علي دفع الرسوم المدرسية – تدمير كافة البنيات التحتية للدولة والتصرف فيها بالبيع بحيث اصبح السودان الدولة الوحيدة فى العالم التي لا تمتلك بواخر نيلية او سفن بحرية او طائرات وانهارت القطاعات الاقتصادية مشروع الجزيرة وقطاع الصمغ العربي وقطاع الثروة الحيوانية كما خلقت الدولة اجسام موازية للقوات المسلحة بالمليشيات القبلية ولقوات الشرطة بما يعرف بالشرطة الشعبية وبجهاز الامن بما يعرف بأمن النظام وقسمت الدولة واقعيا الى دولتين دولة الحزب وهيئاتها وهى المستأثرة بكل موارد الدولة ويتمرغ المنتسبين اليها في نعيم اكل السحت والمال الحرام و دولة المواطن المفرغة من كل الموارد والتي لا تجد الا ما يتبقى من موائد اللئام . لكل ذلك اخذت عزلة السلطة تزداد اتساعا وتراكما عاما بعد عام حيث ان أي فعل سياسي يبدأ تنفيذه بدءا من مرحلة اتخاذ القرار مرورا بالتحضير للتنفيذ وحتى لحظة الصفر ثم التقييم والتجهيز لفعل اخر اقوي هكذا تستمر الدورة في حلقات تمسك كل منها بالأخر صعودا حتى الوصول للهدف المنشود – لذلك نجد ان فعل العصيان غي نسختيه اعطى الشعب السوداني زمام المبادرة واجبر الحكومة على الدفاع عن نفسها والهذيان من اعلي راس فيها –وصلت فكرة العصيان الى قطاعات عريضة من الشعب السوداني و بمعنى الرغبة في اجبار السلطة علي التنحي – ظهرت قيادات جديدة وشابة تصدرت المشهد السياسي أعطت املا جديدا للشعب في مستقبل افضل – استمرار ارباك النظام لعدم معرفته للخطوة القادمة وكنهها وتوقيتها - ارهاق قوات الشرطة والامن لاستمرار الاستعداد وما يصيبهم من ملل ورهق ، كذلك التكلفة المالية الضخمة التي تدفعها الخزينة من مواردها الشحيحة أصلا – كذلك ادي العصيان الى استعادة الشعب لثقته في قدراته وجرأته على كشف الفساد والوقوف في وجه الظلم ومقاومته وتوقع المزيد من التحركات نحو إزالة النظام . بدأت نتيجة للعصيان الأحزاب السياسية في تجميع نفسها داخليا أي عضويتها ومع بعضها البعض كجبهة عريضة تضم أيضا منظمات المجتمع المدني والقيادات المهنية التي تمكنت من تجاوز النقابات الموالية للسلطة لا سقاط النظام – وهذا سيؤدى الى مزيد من اشكال المقاومة وسد الثغرات التي تنفذ منها السلطة لضرب الثورة. اذن فالعصيان المدني أدى بالفعل الى تحريك الجمود السياسي ونقل الحراك السياسي والجماهيري الى مرحلة متقدمة وبأدوات جديدة حتما ستقود الى إزالة النظام وإقامة سودان جديد. [email protected]