هل نجحت الانقاذ في تحويل الدولة ومن ثم المجتمع إلى نظام رأسمالي مترابط لا يمكن الحياة دون الانخراط في متاهاته؟ شباب السودان يقولون لا! بحناجر إخترقت مكامن السلطة ومن يعبدون لها الطريق! يجب أن نعي إن رأسملة الدولة لا تعني فقط التبعية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والشركات متعددة الجنسيات ذات القبضة الحديدة، بل هي إعادة صياغة الانسان بحيث لا يستطيع الحياة دون الإلتزام بكامل شروط المجتمع الرأسمالي. إستطاعت سلطة الانقاذ أن تجعل الحقوق الأساسية مرتبطة بالمال وكيفية الحصول عليه، بل وأصبحت الحياة الاجتماعية عبارة عن دائرة مقفلة، فأضحت القدرة المالية هي بالمقابل الوسيلة الوحيدة للحصول على الحقوق الاساسية من صحة وتعليم وأمن. ولكن هل كان بإمكان الإنقاذ أن تنجح في مسعاها هذا دون وجود نظام عالمي أوحد تسيطر عليه كبريات الكارتيلات العالمية ومن خلفها أكبر القوى العسكرية في التاريخ؟ وهذا ما يقودنا للتساؤل عن الدور الغربي بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية في دعمهم لنظام الإنقاذ، رغما عن إن تاريخه قد تلطخ بما هو أسوأ من كل تلك النظم الشرق أوسطية، والتي جردت عليها الحملات العسكرية وتم إسقاط نظمها بل والتنكيل بشعوبها، بمبررات واهية حالما تبين عدم مصداقيتها. فالإنقاذ هي النظام الوحيد في المنطقة الذي أوى الجماعات الارهابية وخرق كل المواثيق الدولية، وبالرغم من ذلك فإن القوى الراسمالية ترى فيه نظاما يمكن إصلاحه والتعامل معه! وهو ما يثير تساؤلات مشروعة عن إرتباط النظام والإستراتيجية العالمية التي يقودها نظام القطب الواحد. الإنقاذ نظام متأسلم، وهو ما يجعل البعض يصر تأكيداً على تناقضه والنظام الرأسمالي المسيطر اليوم، غير أنا يفترض أن نفكر بعقلية من يخطط للمستقبل وليس بعقلية من ينفعل بالأحداث! ولننظر لما حل بمنطقة الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين، الأنظمة التي تم تدميرها في العراق وسوريا لم يكن يرجى أن تكون جزءاً من النظام العالمي ذا القطب الواحد، لذا كان تدميرها دون شفقة ليس من أجل تغيير النظم السياسية فيها فقط، بل وبصورة مباشرة لتغيير التركيبة الديمغرافية بحيث إما أن ينتج عنها دولاً يسهل إنقيادها لسلطة النظام العالمي أو أن تسبح من خلف تاريخ البشرية. أما الدول الأخرى التي إنفجرت فيها ثورات ما عرف بالربيع العربي، فقد كانت أصلاً جزءاً لا يتجزأ من خارطة النظام العالمي الذي لم يستطيع أن ينقذ رموزها من غضبة الشباب المكتوي بنيران النهج الرأسمالي. فكان لزاما أن تحني القوى الرأسمالية رأسها لهذه العاصفة ومن ثم تعمل على إجهاضها. وقد كان، فسقطت مصر في يد من أعدته واشنطن ليخلف النظام الذي رعته طوال عقود من الزمان، ولم يكن مصير تونس بأفضل من مصر، حيث لم يكن مطلوبا أكثر من إعادة دورة تفعيل النظام الرأسمالي في الحياة الاجتماعية لشعوب مصر وتونس، وهاهي القوى الرأسمالية تعيد ترتيب الخارطة السياسية في كلا البلدين. من هنا يمكن أن نستوعب الدور الغربي في السودان، وفي ظل القناعة بعدم قدرة القوى التقليدية إحكام سيطرتها على الحراك الاجتماعي للشعب السوداني، وقد تبين ذلك رغماً عن تلك المحاولات الدؤوبة للصادق المهدي وسعي لم يعرف الكلل للميرغني، تنفيذاً لرغبة الغرب في الحفاظ على وتيرة التغلغل الراسمالي في المجتمع السوداني، فالميرغني جهد من خلال المشاركة الفعلية في سلطة الإنقاذ والايحاء بالقدرة على السير في خطى الغرب تعديلاً لمسار نظام الإنقاذ تحت مظلة دولية حتى يغدو مقبولاً من المجتمع السوداني، والمهدي من خلال طرح نفسه كبديل مقبول من الغرب ومنفذاً لسياساته دون الاصطدام بآليات الرفض التي أنتجها الحراك الاجتماعي السوداني. شباب السودان أعلن سقوط النهج الغربي وبأسلحة إستمدها من هذا التطور التقني الذي يسود العالم اليوم، فالشباب يقود ثورة على نظام المؤتمر الوطني أداتها التقنية التي حيدت العنف وجعلت المدججين بالسلاح لا يدرون ما يفعلون، وهي أيضاً ثورة ضد إفرازات هذا النظام الذي رعت رموزه القوى الرأسمالية، فالنظام رغماً عن عوراته ما زال يعد بحسابات الغرب من أفضل النظم التي مرت على السودان تنفيذا لرأسملة الدولة السودانية وجر المجتمع السوداني ليكون تابعا لا يستطيع الفكاك من هيمنتها الإمبريالية. إلى أين يفترض أن تقودنا ثورة شباب السودان؟ يجب أن نضع إعتباراً إلى أن المجتمع السوداني يتقدم على المجتمعات التي حوله بقدرته على إبتكار وسائل تتيح إسقاط النظم الديكتاتورية، في وقت كانت وتظل هذه المجتمعات تتلمس أولى خطوات الوعي بقدرات شعوبها لمجابهة الانظمة الشمولية. ففي ذاكرة المجتمع الدولي حراك الشباب السوداني في أكتوبر 64م وأبريل 85م، لذا لن يكن غريباً أو مفاجئأً أن يسطر شباب السودان ملحمة جديدة تقض أركان نظام الانقاذ دون الإلتحام مع قواته القمعية. خلخلة النظام من خلال ثورة أداتها التكنلوجيا الحديثة أمرٌ لم تستطع أن تستوعبه الفئة المتأسلمة ولا يستطيع النظام العالمي أن يحدد مجرياته ولن تقوى القوى السياسية السودانية يمينها ويسارها على تجاوزه. مطلوب منا الآن، الإرتقاء بهذا العمل ليسمو من مجرد فعل سلبي إلى مواجهة شاملة، وتبيان إن ما أحدثه العصيان المدني من ضربة للآلة الاقتصادية المتأسلمة لا يساوى شيئا مقارنة بما يمكن أن يفعله شباب التكنلوجيا حين يخوضون غمار حرب إلكترونية تركع النظام إقتصادياً وتفضح عقم آلياته أمام المجتمع الدولي، وعطفاً على ما قام به شباب الثورة، فهم يملكون القدرة على إختراق أنظمة الفئة المتأسلمة وتركيعها، قليلا من التنسيق وإيجاد آلية لتتبع المساهمات المختلفة ستدخل ثورة شباب السودان في منعطف جديد، منعطفٍ لم ولن تحسب مساراته سلطة تقتات من عقليات القرون الوسطى. فليكن هدف المرحلة المقبلة التنسيق بين كل العاملين في المجال الإلكتروني لإزالة سلطة الطغمة المتأسلمة. د. العوض محمد أحمد [email protected]