أيام الشدو الأخيرة، عنوان جذاب لا يبتعد كثيراً عن سياق أحداث الرواية وفيه موسيقى تشبه حداء الإبل لحثها على السير يحتاجه بطل الرواية راكب الهجين في أسفاره البعيدة. جاء تحت العنوان الرئيسي أنها (رواية عن الثورة المهدية) وفي تقديري أن هذا يعطي انطباعاً لدى القاريء أن أحداثها قد جرت بالفعل على أرض الواقع إبان الثورة المهدية وكان الأحرى أن نقول أنها ( مستوحاة من يوميات ثائر في زمان المهدية). لم تتقيد الرواية بالمكان بمعنى أنها لم تحصر نفسها في ساحة جغرافية محددة بل جعلت الوطن كله مسرحاً لتحركات شخصياتها. كما تميزت الرواية بحشد قدر كبير من أسماء الأشخاص والأماكن، ويبدو أن المقصود نقل القاريء المعاصر لثقافة وبيئة مجتمع المهدية. يلاحظ القاريء كذلك الإنتقال المفاجيء بين الأمكنة، فالراوي ينتقل من جبال تقلي في أقصى كردفان إلى جبل سقدي في الجزيرة لشد انتباه القاريء وإثارته بحركة دائبة وسريعة تنقله من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان. وتترك في نفسه أيضاً انطباعاً بسرعة إيقاع الثورة المهدية واندلاع شرارتها لتعم كل أرجاء الوطن. وقد أبدع الكاتب عندما كسر تسلسل الأحداث المرتبطة بتجوال وأسفار بطل الرواية بمشاهد عاطفية يستريح عندها القاريء حتى تهدأ أنفاسه من متابعة الحركة الدائبة لشخوص الرواية وهم في ترحالهم المستمر وذلك عندما تطل صورة فاطمة بين الفينة والأخرى. عرس محمد خالد من الميرم كان مناسبة سودانية خالصة حرص الكاتب أن يجمع فيها كل أبناء الوطن بمختلف سحناتهم وهو يرمي إلى أن الثورة المهدية جمعت كل أنواع الطيف في صعيدٍ واحد. وهي لوحة فريدة تهفو إليها أشواق الأجيال في زماننا الحاضر. أهم فكرة ركزت عليها الرواية هي التغيير الذي أحدثته الثورة المهدية في الإنسان السوداني عندما صارت له أهداف يسعى لتحقيقها كما ورد على لسان الراوي :" ما أجمل أن تعيش من أجل فكرة كبرى يهون في سبيلها الغالي والنفيس". وفي مكانٍ آخر: " لقد تبدلنا... بدلتنا الأيام والأفكار الجديدة... كنا كالسوائم لا تدري إلى أين تساق". تنتهي أحداث الرواية بنهاية الدولة على يد الغزاة، يعبر عن ذلك الراوي عبدالرحمن بانقا: " لم نهزم ولكنهم غلبونا بقوة السلاح". ويفترض مخاطباً حفيده ياسر: " حتماً سينصفنا التاريخ حيث لم نفرط في الوطن". أنهى الراوي جولاته المرتبطة بأحداث الثورة ليغوص في تفاصيل عشقه لفاطمة بعد أن بنى بها. ويعتبر ذلك نصراً أخرجه من حالة الإحباط والهزيمة. ويسترسل في وصف العلاقة حتى بعد أن جاء مولوده الأول. وكانت الرواية ستترك انطباعاً أعمق في نفس القاريء لو أن خيال الكاتب أنهى حياة فاطمة بعد خروج مولودها الأول للحياة لتتعمق المأساة بذهاب الدولة ورحيل الزوجة ويكون العزاء هو المولود الجديد الذي يمثل رمزاً لميلاد جيل جديد يرفض الهزيمة. حينها تكون الرواية قد أكملت عناصر قوتها. هذه إيضاحات لا ترقى لمستوى النقد الأدبي ولا تقدح في إمكانات الأستاذ صديق الحلو كأديب في مجال القصة وتجعله في الصف الأول من الكتاب المبدعين. [email protected]