السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    عيساوي: حركة الأفعى    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تدهوُّر أحوال ضحايا الحرب والمُبادرَات المطرُوحَة لحَلِّ قضِيَّة دارفور (2)
نشر في الراكوبة يوم 04 - 04 - 2017

قلتُ فى الجزءِ الأوَّل، أن الحركات المسلحة ومجموعة "نداء السودان" وكل هذه التكوينات المعارضة تتاجِرُ فى مشاكلِ الأقاليم التى ضربتها الحرب، ولا تسعى حثيثاً لحَلِّ مشاكل النازحين واللاجئين وضحايا الحرب والطلاب والمرأة والطفل. ولا تسعى لتخفيفِ مُعاناتهم فى معسكراتِ النزوج واللجوء. وتمارِسُ نوعَاً من التغيِّيبِ العمدِى لهذه القطاعات التى تضرَّرت بالحرب فى منابرِ التفاوض.
وقطاعاتَ اللاجئين والنازحين وضحايا الحرب قد فطنُوا لهذه الحقائق، وأنَّ الحركات المسلحة تتاجِرُ وتنَاوِر بمشاكلِها ولكن لا تدافع عنها بحُسنِ نِيَّة. فأصبح اللاجئون والنازحون يجهرُون فى وَسَائلِ الإعلام وخاصَّة راديو دبنقا وعافية دارفور المُتَاحة لهم، بأنَّ الحركات المُسلحة لا تُمثلهم، وأنَّهم يمثِّلُونَ أنفسهم بشرعِيَّةِ وُجودِهم ومعايشَتِهم للوآقِع الماثل. وأنَّهم مُؤهلُون لتمثيلِ أنفسهم فى التفاوُضِ مع أيَّة جهة، أصَالةً عن أنفسِهم، وبالتضَامُنِ مع الآخرين.
هذا الوضع وهذه الحقائق توجِبُ الإعتراف بها، وبأهلِيةِ قطاعات النازحين واللاجئين وبقية ضحايا الحرب فى دارفور لتمثيلِ انفُسِهم فى أىِّ منبرِ تفاوُض يُطرح فيه قضاياهم.
لذلك نرى أن يتفاوَضَ ممثلى اللاجئين والنازحين مع حكومة السودان فى الملفَّاتِ الخاصَّة بهم، وِفق المحاورِ الآتية:
. جَبْرَ الضرَر الذى أصابَهم فى الحربِ وبسببِهِ، وأن يُستفادَ من التجاربِ الإنسانية السابقة ذات الصِلة، وتبدأ بالإعتذار والإقرار بما لحِقَهم من ضرَرٍ، ثُمَّ جبرِهِ.
. إعداد المُناخ والبيئة المُناسبة لعودَتِهم إلى مناطِقهم الأصليَّة التى لجأوا ونزَحُوا منها، ويتم ذلك بتوفير الأمنِ فيها. وإحداثِ تنمية حقيقية بإنشاءِ مرافق لخدماتِ المأوى والمياه والصحة والتعليم والطرق، وتوفير المأكل والمشرب والملبس.. إلخ.
. معالجة الآثارِ السالبة لتواجُدِهم لمُدَّةٍ طويلة فى مُعسكرَاتِ اللجُوءِ والنُزوح بعد أعداد دراسات جادَّة وانتاج وتنفيذ برامج عملية، وإنشاء آليات وإقامة مرَافِق تعِينُ على ذلك.
. إجراء معالجات لرَتقِ النسيج الإجتماعى، وهذا ملف كبير ويحتاجُ إلى مُدَّة زمنية طويلة. لذلك يجِب أن يوضعَ تحت رعاية مُباشرة للأمم المتحدة من خلال آلياتها المُناسبة. وأن تنشأَ مُفوضِيَّة خاصَّة بهذا الشأن فى إقليمِ دارفور.
ويأتى فى مقدِّمةِ رَتق النسيج الإجتماعى فى دارفور مشروع مُصالَحةٍ كُبرَى بين القبائل الأفريقية ضَحايا الحربِ، وقبائل عرب دارفور الذين تورَّطَ بعضُهم فى جرائم مليشيات الجنجويد والدعم السريع وغيرها، وفتكُوا بأهْلِهم المدنيين من القبائل الأفريقية القديمة(زُرقة). فلا بُدَّ لنا، كمسؤولية تأريخية وأخلاقية، من انجازِ هذا المشروع وجَعلِ عجلةِ الحياة المُستقرَّةِ الآمنة تدُورُ من جديِد فى إقليمِ دارفور.
لا يمكن أن نعطِّلَ مستقبلُنا نحنُ أنباء دارفور ونلعب دور إبنىِّ آدم، قابِيل وهابِيل، وأن يستمرَّ ذلك لأكثر من هذا. وأن نترُكَ أمرَنا لشيطَانِ(المركز) يوسْوِسُ لنا لنَفتِكَ ببعضِنا لتحقيقِ مشروعه للتفريقِ بيننا. ودُونَنا أبناء إقليم جبال النوبة وقد طرَدُوا (شيطَانهم) الوسوَاس الخنَّاس وانتصَرُوا لأرادَتِهم وأهلِهم وقضيَّتِهم. ونستطيعُ نحنُ أبناء دارفور زرقة وعرب أن نقلِبَ هذه الصفحةُ الدامِية الحزينة والمُؤسفة من تأريخِنا، وأن ننقِذَ ما يمكن إنقاذه. وليست لنا خِيارات أخرى، فهيا نعملُ لغَدٍ أفضل وأزهَر. وأجزمُ أننا نستطيع لو قرَّرنا الخروج بلا تردُّد من طوعِ المركز الذى أوقع بيننا الفتنة والعداوة والبغضاء فى حربٍ لا مصلحة فيها لدارفور وأهلِه.
. قضية ضحايا الحرب من الأطرافِ المُتحاربة:
أفرزت الحرب فى دارفور أضرَاراً بالِغة، وخلّفت دمَاراً هائلاً بالمقاتلين الذين انضمُّوا للحركاتِ المُسلَّحة، تحرير السودان والعدل والمساواة. وأسعد المقاتلين هم الذين إستشهَدُوا وذهبُوا إلى ربِّهم، وخلَّدَ التاريخُ ذكراهم. أمَّا الذين عاشُوا منهم، وأسَرِ الشهداء فقد عانُوا وتدمَّرت حياتهم دمَاراً هائلاً ولم يجنُوا من حربِ دارفور وثورَتِها إلا الخرَاب.
وملف ضحايا الحرب من الحركات المسلحة، يجب أن يعالج بفهمٍ عميق ورؤى وبرامج متدرِّجة، قصيرة وطويلة الأمد عبر شراكات محلية وإقليمية ودولية لتنفيذ مشروعات تأوىِ وتعالج وتأهِّل هؤلاء وتعِيدُ دمْجِهم فى المجتمع، وتأسِيس حيَاةٍ كريمة لهم لا تقتصِرُ على الفهم البسيط لمبدأ تسريح وإعادة دمجِ القوات. فيجب إعداد دراسات وبرامج، وإقامة مشروعات ضخمة وطمُوحة بشراكاتٍ حقيقية للجميع تأتى بالخيرِ على هذه الشرائح، وترفعُ الحرَجَ والحيَاءَ، والهروبِ الذى
يُمارسَهُ قادة الحركات المسلحة الذين تصالحوا ودخلوا فى (سلامٍ) مع حكومة السودان، وسكتُوا عن قضايا النازحين واللاجين وضحايا الحرب وكأنَّ على رُؤوسِهم الطير. أو قادة الحركات المسلحة الذين أعْيَاهُم النِضال، فاندمَجُوا فى أوعيةِ معارضة سِلميَّة مثل "نداء السودان" التى تُهيمن عليها قوى أحزاب المركز، وهدَفهم الأساس هو إحتواء وبلعِ قادة "حركات" الهامِش المسلحة الذين لا حِيلة لهم ولا برامج، وفقدُوا حتَّى قوَّاتِهم المُقاتِلة. وهدف مجموعة نداء السودان هو أعادة انتاج السودان القديم 1989م قُبيل انقلاب الجبهة الإسلامية القومية.
وقد أعلنَ قادة الحركات المُسلَّحة الإرتماء فى أحضَانِ الإمام الصادق المهدى زعيم حزب الأمَّة القومى، وكتبُوا له صكوك وَلاء على بياض. وناشدُوا (جماهيرهم) للخروجِ لإستقبالِ الإمام بمطارِ الخرطوم يومَ عودَتِه قادِمَاً من القاهرة فى 26 يناير 2017م فى ذكرى فتحِ الخرطوم على يَدِ جدِّه الإمام محمد أحمد المهدى!. ولكن شتَّان ما بين هذا وذَاك. على أنَّ الفتحَ الحقيقى للأمام الصادق هو أنَّهَ فتحَ كُوَّةً كبيرة بينه وبين قادة الحركات المسلحة، وقام بتُروِيِضِهم، وجعلهم يمِدُّونَ حزبه العجُوز "منْسَأة سُليمان" بأسبَابِ الحياة، وإعادة بعض النبضِ إليه.
ولكن يجب على جماهير الهامش وضحايا التطهير العرقى والإبادة الجماعية أن لا يخدعَهُم هؤلاء، وان يعرِفُوا عدُوِّهم ويفاوِضُوه وصولاً إلى إحدى الحُسنيَيِّنِ: حلَّاً يؤَمِّنُ أسباب حياة حُرَّة وكرِيمة لجميعِ السودانيين فى وطَنٍ يتساوى فيه جميع سُكَّانِه فى المواطنةِ والحُرِّيَّةِ والعدالة والعيشِ الكرِيم، أو فِراقٌ بينهم بمَعرُوفٍ يؤَمِّنُ النَصرَ للمَبْدَأ، ويضَعُ حجرَ الأساس لإعادَةِ مَجدِ الأجداد الذين بنُوُا مملكة دارفور الفتيَّة وأقاموا عِمادها، وعلاقات دولية مع الدنيا، وكسُوا الكعبة المُشرَّفة، وأطعَمُوا فيها ضيوفُ الرحمن، قُرُونَاً عدَدا.
مُبادرة الرفيق أبوبكر حامد نور:
وأختِمُ هذه المادَّة بالشُكرِ الجزيل للأخ المهندس أبوبكر حامد نور الذى نظرَ إلى المشهَدِ بمنظَارٍ وآقِعى، لأنَّهُ عاش تجرُبة الحرب من داخلِ ساحاتِ الوَغَى، ورأى مآسِيها وقرَّرَ أنَّ الحَلَّ يكمُنُ فى وَضعِ حَدٍّ لهذا النزاع الذى تطَاوَل. فتقدَّم بمبادرَةٍ أرى أنَّها موفقة لأنَّها مربُوطة بتائِجِ الحرب وضحايَاها الذين يعيشُون فى ظُروفٍ صعبة.
فقط نرجوه أن يضِيِّفَ إلى مُبادَرتَهِ النقاط الآتية:
. أن تكونَ المُبادرة (مكتوبة) وأن تُنشر فى وسائل الإعلام لأنَّها مصلحة عامَّة، وحقٌّ أدبى به، ولها مُترَتِّباتها لاحِقاً. لذلك، يكون جيِّدَاً لو كُتِبت فى نقَاطٍ بسيطة تُوضِّحُ فكرتِها وأهدافها ومراميها ومرجعيَّتِها، فضلاً عن آلياتها من وساطة ومنبر وشركاء وسقفٍ زمنى.
. أن تكونَ مُبادَرَة عامّة لحَلِّ المشكلة والقضية فى إقليم دارفور، حلَّاً شامِلاً لا يُغادِرُ حَربَاً ولا سَقَماً من سِقَامِها. وأن لا تُحصر فى حركةٍ أو تنظيم، لأنَّ الحربَ كانت شامِلة وآثارها و وَيلاتها لم تتخَيَّرَ أحداً، وتترُك آخر، لذلك فيجب ان يكونَ الحَلُّ شامِلاً.
. أن لا تضعَ المبادرة أيَّة آمال فى قادةِ الحركات المسلحة الذين انحرَفُوا بالقضية من العَامِّ إلى الخاص، وحوَّلوا تلك الحركاتِ من أوعِيةِ كِفاح مُسلَّح للجميع، قزَّمُوها بسوءِ الإدارة وضيقِ الأفق حتى صارت شركات خاصَّة لعشَائِرِهم الأقربين، وحِفنةٌ من النهَّازين الذين يحلَمُون بالسُلطةِ والجَاهِ فى خاتِمةِ المَطاف.
. طرح المبادرة وكأنَّها تهدِفُ للمُصالحَةِ الداخلية بين أطراف حركة العدل والمساواة سيُقزِّمُها، لذلك يجمُل أن ينتهِز أهل دارفور هذه السانحة ليدخلوا من خلالها فى عملٍ دؤوب وجَاد لحَلِّ المُشكلة والقضية العامَّة، لا لتكُونَ ساحَة للنرجِسيِّين لمزيدٍ من تكرِيسِ الذَاتِ وإعادَة انتاجِ الفَشَل.
. فلتذهب المُبادرة إلى رِحابٍ أرحب لحَلِّ قضايا ومشاكل البلد وهى بعددِ الحَصَى، وتترُك الذين تخصَّصُوا فى الفشلِ وإعادة انتاجه ينعَمُونَ بالحُضنِ الذى تخيًّرُوا، حُضن الحبيب الأمام و(السَّادة) أصحاب مدرسة المُواطنة المُتدَرِّجة. وتجَّار الرقيق الذين تقدَّمَ أجدادهم (عبد الرحمن المهدى وعلى الميرغنى) بمُذِّكِّرَةٍ مكتُوبة للحاكم العام الإنجليزى يعتَرِضُون فيها على إلغَاءِ تجارَة الرِّقيق فى السودان وتحرير العبيد!. فيجبُ أن تتجاوز المبادرة هؤلاء، فهم أصلُ المشكلة ولن يكونوا الحلَّ أبداً، وعلى الشُركاءِ الجادِّينَ الذهابُ بالقضية إلى مرآسِى الحلِّ.
. وأنَّ المبادرةَ يجب أن تكونَ لوقفِ الحرب، والدخول فى سلام مُتفَاوضٌ عليه كهدَفٍ إستراتيجى. وأن يكونَ ذلك بقواعدِ لعب وشركاء جُدد بالإستفادة من عيوب الماضى وقصورِه عن الشُمول. بحيثُ يمثِّلُ النازحين واللاجئين أنفسهم فى التفاوضِ مع الحكومة والشركاء فى المجتمع الدولى بأنفسهم عبر ممثلين يتم إختيارهم من قواعِدِهم، وهو ما يُعرَفُ "بأهليةِ القِطاعات".
هى محاولة لإستنباطِ رُؤى جديدة بالإستفادةِ من تجارُبِنا السابقة فى التفاوُضِ وتنازع حقوق هذه القطاعات بين اطرافِ التفاوض، الحكومة والحركات المسلحة. فدعونا نعيد إليهم حَقِّهم هذا ليأتُوا ويُعبِّرُوا عن حقوقِهم، وأن نكتفى بإسنَادِهم، وتقديمِ العون الفنِّى والمشورة لهم. ولكن لا يُستسَاغُ إدعاءِ تمثيلهم بلا تفويض منهم! وهم حضور وعلى مرمَى حجَرٍ من أبوابِ قاعات التفاوض، حيثُ يتغالطُ الأطراف كُلُّ يدَّعِى تمثِيلهم.
. ونِقاطَ القُوَّةِ فى مُبادرَةِ باشمهندس أبوبكر نور هى أنَّها جاءت فى توقيتٍ مُناسب، فالمزَاج العام فى عموم السودان قد سَئمَ الحرب لمَّا تطَاوَل بِلا طَائل.
. وقوَّتها وضمان نجاحها، بإذنِ الله، فى قبولِ فخامة الرئيس التشادى إدريس ديبى برعايتها والقيام ببناءِ منبر تفاوض لها مع حكومة السودان بعون ودعمِ شركاء سلام السودان.
. ونقطة قوتَّها أيضاً من حيث ضمان تنفيذ ما تتمخَّضُ عنها من اتفاقات وتفاهمات هى دخول شركاء سلام لهم الرغبة والمقدرة على الوفاءِ بما تعهَّدوا به وفى مقدِّمتهم دولة قطر التى راكمت خبرة طويلة فى هذا الملف نيابة عن جامعة الدول العربية.
بقى أن ننصَحَ كلِّ الأطراف، أن السعِىَ إلى السلامِ بحُسنِ نيَّة هو هدفٌ سامى دونه الغالى والنفيس، ويفسِدَهُ ويؤخِّرُ الوصول إليه التمترُس خلف شروطٍ مُسبقة. وفى هذا نناشدُ جميع الأطراف الذين يخطِّطون لهذه العملية السلمية أن يتزوَّدوا بالصبر وتوسعة المواعين وعدم الإصرار على شُرُوطِ مُسبقَة.
فمثلاً: وَرَدَ فى المُبادرة أنَّها سوف تستنِدُ على وثيقة الدوحة كمرجعية للتفاوضِ، وهذا جيد ولا غبار عليه. ولكن ماذا يضِيرُ أصحابُ المبادرة ورعاتها وشركاءها وهم يهدفون إلى تحقيق السلام هذا الهدف السامى لو أضافوا إلى هذا البند عِبارة تنفعُ ولا تضُرُّ، وهى (والتجارب الأخرى ذات الصلة)، وذلك لإرضاء من فى نفسِه شيىءٌ من حَتَّى، ولنزعِ الذرِيعة ممَّن يتخنْدَق ويختبئ بحُجَّةِ ضِيق المرْجَعِيَّاتِ؟.
إنَّ الدور المركزى لفخامة الرئيس إدريس ديبى رئيس جمهورية تشاد الشقيقة فى هذه المُبادرة هو الأمل الأكبر وضمان نجاح هذه العملِّية السلمية المُزمَعَة. وبذلك نضعُ حدَّاً لمأساة أهلنا بإذنِ الله، والبدءِ فى مراحلِ التطبيعِ والنباء والإستقرار والنماء.
تفاؤلنا بنجاحِ دورِ الرُبان للرئيس إدريس ديبى فى هذه العملية نابِعُ من خبرَتهِ الكبيرة وتعامُله المُستمر، وتعاطيه اليومى مع قضية ومشكلة دارفور منذُ العام 2003م وهو أول من توسَّط لحلِّها وأقام لها مِنبراً، ولمّا شَقَّ عليه دعَى الاتحاد الإفريقى للنهوض بدور الوساطة فيها فى أبوجا وظلَّت دولة تشاد فى دور الوسيط المشارك Co- Mediator والآن بعد عقد ونصف من الزمان يعود الرئيس ديبى لحلِّ نفس المشكلة وهو اليوم رئيساً للإتحاد الإفريقى ووزير خارجيته رئيساً للجهاز التنفيذى للاتحاد الأفريقى، بالتالى تجمَّعت جميع فرص النجاح لدلة تشاد لحلِّ قضية دارفور. ثمَّ أنَّ اللاجئيين من دارفور ما زالو يعيشونَ فى الجارةِ الشقيقة تشاد، لم تكِلّ أو تمَلّ وِفادَتِهم وحسن ضيافتهم، فللَّهِ دَرَّهُم من كُرَمَاء.
لكُلِّ ذلك، يجب حلّ هذه القضيَّة ومشاكِلها الناتجة عنها فوراً، ليعُود اللاجئين من أهلِ دارفور إلى السودان، ويعود النازحين أيضاً ليبدأ الجميع فى مراحلِ ما بعد الحرب وهى كثيرة وتحدِّياتها جَمَّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.