يجئ نظام للحكم و يذهب آخر في دورة التغيير المعروفة ! و نطلق علي نظام و هو في حقيقة الأمر نظامٌ عشوائي لا تحده حدود و لا يعقله عقل !يجبُ النظام الجديد إرث النظام القديم إن كان له إرث ! و قد يذهب في خطل الرأي و الفهم بعيداً لتغيير لافتات و مسميات لمشاريع صغيرة ! فتضحي حديقة عبود حديقة القرشي ! القرشي شهيدثورة اكتوبر و أيقونتها الجميل – كان في وسع الشعب أن يُشيد له صرح أكبر : مشفي أو مدرسة أو كلية للزراعة في قريته ، القراصة و لكن غياب قيادة ملهمة ، تعرف كيف تطلق المشاريع الكبيرة و كيف تُحدث التغيير ؟ وتدور الأيام و تتغير النظم و تتحول حدائق مايو إلي حدائق إبريل وتُقطع أعمدة سور البرلمان المايوي لتنسجم مع الواقع الجديد ! عُقم في التفكير و عقم في العمل الكبير ! و ما تزال أمهات الأمور غائبة : بناء دولة مؤسسات، حكمها دستور رفيع و تسري فيها قوانين قِسط علي الجميع و يتمتع الناس فيها بالحريات و يتداولون السلطة بالحكمة وبقدر العطاء. مما أفقدتنا إليه ثورة مايو نظام الادارة الأهلية وقد ظل لعقود يعمل بشكل منتج و إن بدأ للبعض غير مُرضٍ ! نظام كان في الوسع تطويره و تحسينه –بشيوخه و عمده و شراتيه و بنظاره، مستودع الحكمة و الرأي يذهب به عقلٌ غائب و يا لها من مصيبة ! خيال ضيق ذهب به جميعه ، مما ترك فراغاً كبيراً- حتي علي المستوي الاجتماعي :يأتي الرجل البسيط لشيخ الحلة يحمل نفقة زوجه المطلق و شئ من الهدايا لأطفاله و يذهبا معاً لبيت الزوجة السابق – ليري أبنائه و يقوي صلته التي إنقطعت بالطلاق. دورٌ لا أحد يقوم به الآن و لكنا نجده في الغرب و الدول المتحضرة يتم بالقانون و بالسلطة.وهكذا ذهب السلام بأقاليم و أصقاع البلاد –نمت جيوش و مليشيا مسلحة و تجمدت التنمية البسيطة و تدهورت الخدمات الشحيحة . تم إرجاع الادارةالأهلية لبعض المناطق و ظلت غائبة عن مناطق أخري.لماذا لم ننظر في عودتها بشكل متطور للمناطق التي فقدتها و تطويرها حيث عادت ؟لتصبح النظارة أو الامارة مجلساً للادارة يتكون من خمس أعضاء كبار يرأسه أحدهم و يساعدهم عدد من الشباب في الاتصال و الاعلام. علي أن يتولي ذلك المجلس مهاماً محددة مثل الجودية و دفع الديات و الخدمات ،خاصة في مجال التعليم و الصحة و البيئة –سداً لثغرات و مليئاً لفراغ لا تستطيع أن تذهب إليه الحكومة. و يسعي الجميع بما في ذلك الدولة لتشييددار كبيرة للنظارة أو الامارة يلجأ إليها الزوار و الضيوف من السلطات الرسمية و غيرهم.مع مزرعة كبيرة توفر الطعام و شئ من المال و نموذجاً في التنمية و التحديث.وليذهب ريعها للصرف علي الأنشطة المختلفة ،مع تبرعات قليلة – جنيهاً مثلاً من كل مواطن في كل شهر عبر الموبايل لتساعدفي الميزانية و في رفد المشاريع الجديدة و تحريك عجلتها. وهنا قد تصبح الأراضي و تعميرها عبر سياسات جيدة و سيلة لمحاربة الفقر و محرك للتنمية و توفير الوظائف.كانت للعمدة رحمة بمنطقة الحلاوين جنينة ! كانت نموذجاً في تعمير الأراضي و في إدخال البسلتين.و ليعد للنفير دوره في التنمية و التغيير مع عودة الادارة الأهلية. وليكن مدخلنا للادارة الأهلية عبر قياداتها و زعاماتها.كان الأمل ألا نزيحها و نهملها كما حدث خلال الحكم العسكري الثاني في مايو- لقد عادت الادارة الأهلية لبعض المناطق و ظلت مُغيبة عن مناطق أخري – مثل الخرطوم و الحلاوين ! في الخرطوم كان للعمدة المقبول وجود و مآثر و في منطقة الحلاوين و هي منطقة كبيرة تعادل مساحة دول ! كان الناظر ود إمام و هو شقيق ود حبوبة و لكم أن تنظروا في الحكمة المتوارثة و المعرفة و هي تتجلي في حوار قصير دار بين حفيد ود أمام الناظر دفع الله و بين مهندس الري صغيرون الزين كما حكاه لي العم صغيرون، كان المهندس صغيرون يخطط لامتداد جديد في مشروع الجزيرة و سأل الناظر دفع الله صغيرون عن قطعة أرض، ما إذا كانت ستدخل في الامتداد الجديد لمشروع الجزيرة و عندما أخبره المهندس بأنها ستظل خارج مشروع الجزيرة ، كانت فرحة الناظر كبيرة و هو يقول "سِلمت" " سِلمت " وهو تلخيص شديد لوهم التنمية كما كتب عنه أحد البريطانيين في سفره " the Gezira scheme, an Illusion of Development", وهو يعني وهم التنمية ! لقد لخص الناظر بحكمته فشل التنمية في مشروع الجزير بسلامة أرضه و لتظل بوراً خالية من المبيدات و الملوثات للأجيال القادمة. و من هنا تأتي هذه المبادرة لاعادة الادارة الأهلية و تطويرها بقليل من التفكير و العصف الذهني و لنحد من حركات الاعدام لنظمنا و تجاربنا! الآن اللجان الشعبية وهي قد حلت مكان الادارة الأهلية في بعض المستويات: علي مستوي القرية و الحي أو المربع و لكن علي مستوي المناطق الكبيرة سيظل دور الناظر أو الأمير و العمدة مفقوداً.و تأتي هذه الدعوة لتطوير الادارة الأهلية لتصبح لها صلاحيات في مجال الخدمات : التعليم و الصحة و البيئة مع الجودية و في بناء النسيج الاجتماعي و السلام و مساعدة سلطات الشرطة في تعقب المجرمين و اللصوص وفقاً للقانون و قد يكون ذلك عبر الشرطة الشعبية في شكل علاقة محددة و ربط الادارة الاهلية باللجان الشعبية لمساعدة العمد و الشيوخ فيما ذكرت من مجالات.لنستفيد من حكمة الشيوخ و النظار و من ثقة الناس فيهم. قد تكون الموارد المالية معوقاً و عقبة في آداء النظار و العمد و لكن مع وفرة الأراضي في البلاد فليوضع بعضاً منها تحت تصرفهم للانفاق علي الحركة و الاتصال و الجودية و في واجبات الضيافة و في مبادراتهم للمشاريع الجديدة و تحريك عجلتها. لقد قصر المتعلمون في تطوير البلاد و في نقل تجارب الشعوب الأخري و حتي في الاحتفاز بتجاربنا المحلية الناجحة.وتزداد بشاعة التقصير في ربط العمل و السياسة بالدين، فباسم الدين تُرتكب الكثير من الجرائم ! قد يكون من المفيد إستحضار شيئاً من سمات القيادة و الزعامة من التجارب و من القراءة .في زيارة لمستشارنا القانوني قبل سنوات وهو من جنوب البلاد- فقد كان وقتها السودان واحداً ! كنتُ أجد بمكتبه عدداً من الضيوف وهو يترفق بهم و يقدم لهم واجبات الضيافة كما هو الحال في بقية مكاتب الدولة و في كافة المرافق.أشرتُ لذلك أو لاحساسه هو بما يهدر من وقت و من مال و ذكر بأن ذلك من واجبات و أشراط الزعامة و القيادة – فهو سليل أسرة كبيرة، لها طرفٌ في القيادة و الزعامة- وهنا يأتي الكرم و العطاء المادي و المعنوي مع لين العريكة و كنف الموطأ من الأشراط و الصفات التي يجب توفرها ، فهي لم تأتي نتاج خضوع أو خوف و لكنها محبة راكزة و ربما الجينات و التقاليد.هكذا يمكننا أن نحدد الكثيرو علينا ألا نبخس الناس أشياءهم و أن نتعلم حكمة التواضع و أن نعرف بعضنا ! سمات الزعامة تتعلق بارث تاريخي و بتقاليد و ميل فطري للقيادة و فوق كل شئ حب الناس و قبولهم و يلخص الزعيم المعروف بابو نمر في واقعة شهيرة مع أحد المفتشين البريطانيين و هو يشير إلي عصاته في حوار مال إلي الخشونة ! كان الزعيم يجهل معرفة البريطاني باللغة العربية و كانت تلك سياسة للانجليز في السودان .ضرورة إلمام الموظف البريطاني باللغة العربية و لا يتم توظيفهم إلا عقب إمتحان لقدراتهم في اللغة العربية. و علي كل حال لبد ذلك البريطاني للزعيم و بعد أن ترقي في وظيفته و كبر في سنه ، جاء إلي الزعيم و أخبره بذلك ،فما كان من الزعيم إلا أن أخبره بأن عصاته أيضاً قد كبرت و أضحت شجرة ! و تبادلا الضحك و أصبحا صديقين ! وهنا تجئ الفطنة و الذكاء و البديهة الحاضرة من أشراط القيادة و الزعامة مع شئ من الغفران و التسامح. [email protected]