عرفتُ د. معتصم بشير نمر من خلال العمل العام في مجال الموارد الطبيعية و في حماية البيئة، كعمل طوعي وفي كلا المجالين كان مثالاً للعالم الراقي ، كما يقول الزين مساعد وهو رجلٌ من عامة الناس – عند إبداء إعجابه بشخص ما "زول راقي" ،ذلك قمة الاطراء و لكنه إزاء د.معتصم قدلا يكون كافياً ! كان رجلاً علي إستقامة. كان د. معتصم لا يُهرج عند التحدث، ولكنه يُخاطب العقل ،لا يشكو كحال غالب الناس في ظل الأوضاع الحالية و التي تدعو إلي الكثير من الشكوي، بل العمل للخلاص من أسرها ! لا يأسف علي ما فات و لا يحكي عن نفسه أو مشاغله و ما أكثر مشاغل أهل السودان ! ذهبتُ مرة إلي جهة و حكيتُ عن نموذج لرجل منتج و خدومٍ، فما كان من ذلك الشخص إلا أن أخبرني عن رغبته في زيارته- ظننته سيتحدث في الشأن العام و لكن فؤجئت به يطلب خدمةً لنفسه ! وهذا حال الكثيرين ! لم يكن د.معتصم من هذه النوعية من البشر- كان عالماً مهتماً بالبيئة و حمايتها، محمية الدندر أو حظيرة الدندر كانت من ضمن همومه لوقت طويل :حيواتها و محيطها ،إنسانها و حيوانها ،حدودها وأحزمة الحماية بركها و خيرانها و ميعاتها .لقي ربه و هو في طريقه إليها ! دارت بيننا مكاتبات حول الغابات و وسائل حمايتها و المفاهيم وكذلك حواراً – ليتني أعثر علي تلك الرسائل لنشرها حتي يعرف الناس حبه للطبيعة و تواضعه . حواراً حول قطع الأشجار و صناعة الفحم – لم نصل إلي توافق في الرأي و لكنه ظل مهذباً و متواضعاً،لا يفرض رأيه و معتقداته ولم أكن علي علم بانتمائه السياسي، فهو لم يسعي لنشر معتقداته السياسية أو الترويج لها، كان يحترم الناس و يعرف الحدود. كنتُ أري ضرورة السماح بتصدير حطب و فحم المسكيت ، كأحد السياسات التي قد تُمكن من القضاء عليه – خاصة في المشاريع الزراعية و المناطق الخصبة ! قد لا تعجب د.معتصم هذه الآراء ، فهو لا يريد ترك ثغرة ينفذ من خلالها أعداء البيئة، فيقدمون علي قطع الأشجار الأخري كالطلح أو الهشاب و السنط تحت تلك المظلة التي يوفرها السماح بتصدير خشب و فحم المسكيت ! ذي النكهة البديعة للشواء! و هذا ما حدث ! بالطبع يمكن إحكام الرقابة مع توفر المعرفة للتمييز بين أنواع الحطب و الفحم و تطبيق القوانين الموجودة لحماية الغابات.أمرٌ يدعو إلي رسم سياسات ذكية- مثل تصدير الاخشاب و الفحم المنتج من غابات مستزرعة أو كأن نصدر الحيوانات المرباة في الأسر عِوضاً عن تلك التي تعيش في البرية و للعلم طرائق في معرفتها. قد يختلف الناس في السياسات التي يضعون لحماية البيئة و كثيراً ما نشاهد في قنوات التلفزة الفضائية، سلطات بلد ما تُقدم علي حرق أطنان من سن الفيل و يقدرون قيمتها بملايين الدولارات و تراهم يحتفلون بذلك المشهد! ولكن ،تُري هل هكذا نحمي الأفيال؟ لقد تم قتل تلك الحيوانات الجميلة و الآن يحتفلون باعدام آخر أثر لها علي الأرض ! في تقديري ببيعنا لذلك العاج و إستخدام عائداته في حماية الأفيال و بيئتها و في الأبحاث التي قد تمكن من إكثارها و رعايتها لهو عين الصواب ! و لكن د. نمر قد يختلف معك فهو لا يُريد ترك ثغرة للتجار و أعداء الطبيعة ! كان عالماً متجرداً . بذهاب د. معتصم نمر إفتقدنا عالماً جاداً و علي درجة من الاستقامة لا مثيل لها.لعله المعني بالقول "رجال الله يعرفهم و لا تعرفونهم" ،يمشون بين الناس هوناً ،خفاف علي الوجود و خفاف علي الناس و لكن أعمالهم جد ثقيلة و ثمينة. إن إحياء ذكري د. معتصم تكون بالعمل الجاد لحماية البيئة و بغرس المفاهيم الجديدة والسعي دوماً لتحريك السياسات الكفيلة بضمان دوام إستدامة الأعمال و الأنشطة، مع العمل الجماعي و ترك التعصب العقائدي. العزاء لاسرته و أصدقائه و لجمعية حماية البيئة - [email protected]