أخيراً نطقت حكومة مصر التي ظلت تحافظ على صمت لئيم عن التعليق حول احتجاج السودان على احتلالها العسكري لمنطقة حلايب السودانية ومطالبته لها بالتفاوض أو الذهاب للتحكيم الدولي. أخيراً فقط ألزمتها المحاولة السودانية الجديدة بأن تنطق بحرف وتفضفض لنا حول دوافعها لارتكاب جريمة احتلال حلايب السودانية.. لأن هذه المحاولة الجديدة تخضع مصر لتحكيم بحري ملزم للطرفين بحسب اتفاقية قانون البحار الدولية للمثول أمام محكمة تسوية المنازعات البحرية الدولية، للنظر في اعتراض أودعه السودان للأمم المتحدة أخيراً على ضم القاهرة حلايب إلى حدودها البحرية. نطقت مصر لكنها نطقت كفراً وكبراً وتصعيداً في لغة المواجهة، وهي ترد على مذكرة سكرتارية الأممالمتحدة بشأن الإخطار بإيداع السودان في 10 أبريل 2017 قوائم بالإحداثيات الجغرافية التي تحدد خط الأساس السوداني في البحر الأحمر . وجاء رد مصر لئيماً جداً وهي تعلن رفضها وعدم اعترافها بالحدود البحرية السودانية في منطقة حلايب.. وبذلك تريدنا أن نستسلم أمامها وهي تحتل حلايب براً وبحراً وجواً . وفي الرد المصري اللئيم تزعم مصر أنها لم تنقطع عن ممارسة سيادتها على منطقة حلايب وشلاتين الواقعة شمال خط عرض (22) درجة شمال منذ توقيع وفاق 1899 وحتى اليوم . وهذه مغالطة ساذجة للتاريخ، فالحقائق التاريخية المعروفة تقول غير ذلك.. تقول إن حلايب ظلت تحت السيادة السودانية حتى عام 1995 حين قام الجيش المصري باحتلالها . والحقائق المعروفة للجميع أيضاً توضح أن عبد الناصر في عام 1958 قام بإرسال قوات مصرية إلى المنطقة لإثبات أنها مصرية، وحين اشتكى السودان لمجلس الأمن في ذلك الوقت، أصدر الرئيس عبد الناصر أوامره لقواته بالانسحاب الفوري من منطقة حلايب من داخلها . فهل باع عبد الناصر حلايب وقبض الثمن من السودان.. هل عبد الناصر كان خائناً لمصر.. هل هذا (السيسي) الذي أمامنا أحرص على أرض مصر وسيادتها وحقوق شعبها من جمال عبد الناصر.. لا أنتظر الإجابة إلا منكم أنتم أنصار السيسي أنفسكم.. ننتظر إجابة شجاعة وليست إجابة مسبوقة بهمس جبان (خلينا نربي عيالنا).. عبد الناصر أم السيسي..؟! رد مصر على مذكرة سكرتارية الأممالمتحدة هو رد مرتبك لا يخلو من الفظاظة والعنترية مع محاولة تزوير التاريخ المعلوم للجميع. لكن هذه الخطوة على كل حال هي خطوة جيدة لأنها حركت الملف عند المصريين وأخرجت القط المختبئ تحت الصندوق، وجعلته في وضع يلزمه بأن يواجه هذا الموقف ويتصرف. مصر تقول إن جميع خرائطها الرسمية تتضمن حلايب، أما السودان فيتحدث بلغة الخرائط الرسمية للدولة السودانية والخرائط والوثائق الدولية أيضاً.. أمثلوا أمام التحكيم بشجاعة، فلا خيار للبقاء في حلايب بشرعية وضع اليد الباطلة . القصة ليست عنتريات.. والسودان في هذه المرة لا يتعامل مع ملف حلايب كملف سياسي، بل يتحرك بجدية وبخطوات متتابعة وقوية جداً للوصول إلى نهايته وحسمه بشكل كامل . هناك من خرج لنا أمس بصفة قانوني سوداني يتبرع (بلوح ثلج مكسر) للمصريين، وهو يقول إن السودان لن يستطيع إلزام مصر بالتحكيم البحري.. وننتظر (ثلوج) أقلام (المشمش) غداً وبعد غدٍ.. لتدلو (بثلجها). لكن كل هذا لن (يحلَّكم).. فالمطالبة بطرد المحتل المصري من حلايب وشلاتين السودانية هو موقف حكومي رسمي جاد جداً هذه المرة، يسانده الموقف السوداني الشعبي القوي والمحترم. وخيار التحكيم البحري هو طريق سلمي آخر.. لكنه لن يكون الأخير . شوكة كرامة لا تنازل عن حلايب وشلاتين. اليوم التالي