فرض على العمل أن أذهب إلي الجنوب كضابط شباب وتعليم في ولاية بحر الغزال وبحق وجدنا أن أبناء الجنوب يحتاجون إلى التنمية في كل الخدمات وخاصة التعليم بدلاً من الحرب والتناحر الذي أزهق الأرواح منذ قبل الإستقلال عام 1956 وأضر بكل الأجيال المتعاقبة في جنوب السودان وليت المتعلمين والمثقفين من أبناء الجنوب عملوا بفهم تنمية بلدهم وتوفير الخدمات لأهلهم بدلاً من الحرب الضروس التي أصبحت هي المسيطرة على جيش الجنوب ثم ظهور النعرات القبلية حتي وصل الأمر إلى عدم السيطرة على الوحدات العسكرية وهذا أُس المشكلة في الجنوب. هل يعلم أبناء الجنوب في الداخل والخارج أن بلدهم بكر في أرضها وذات خصوبة عالية جداً وأرضها خالية من الموانع للزراعة وأشجار الفواكة والأخشاب تمون كل العالم وبها غابات من الأبنوس والتيك والنيم لا يوجد مثيل لها في صنع الأثاثات في العالم وثروة برية وحيوانية تسر السواح مما يجعلها قبلة لهم وحتى بعد إستقلال الجنوب تدهورت الأمور إلى الهاوية ولم ينعم الإنسان الجنوبي بخيرات بلده... لماذا؟؟!! جنوبية ممشوقة القوام في العقد الخامس من عمرها تحمل لون التيك وسواد عيونها بلون الأبنوس جلست بجواري في كافتيريا تعج بالرواد وقد عرفت أنها سلطانة حيث تحيط بها إثنان من الوصيفات ولم أنتبه لها ولكن بعد مدة لفت نظري أنها جلست وهي تخلف رجلاً على رجل (جلسة سلاطين) ونظرها بعيداً وليس لها إهتمام بما يدور حولها وقليلة الإلتفات لما حولها وشاردة الذهن مما لفت نظري وإشتعل حب الإستطلاع في خاطري وكيفية بدء الحديث معها وقد أصابتني الرهبة لأنني قرأت في وجهها كل مآسي الجنوب حيث الحرب التي أدت إلى القتل والسحل وتشريد الناس ونزوحهم إلى كافة دول الجوار كما قرأت في عينيها وتحت الجفون عذاب الأطفال والنساء وهم يموتون بويلات الرصاص والجوع الذي خيم على كل سكان الجنوب في سابقة لم تحدث في العالم. قرأت كل ذلك مع دوام نظري تجهاها ولم تعرني بنظرة. جمعت أطرافي وتشجعت وسلمت عليها بلهجة الجنوب مع إستصحاب كلمة سلطانة فتبسمت وردت التحية بالعربية وعرفتها أنني عملت في الجنوب وذكرت لها بما يطيب في الجنوب ومعرفتي ببعض الأشخاص من كبار الجنوب مما شرح صدرها لمواصلة الحديث وقد قادني للسؤال عن سر شرودها الذهي (مع علمي بذلك) وبعد مداخلات ذكرت لي أنها عادت من الجنوب قبل يومين وقالت فعلاً أنها سلطانة بل إدارية كبيرة في الجيش وتحدثت بأسي ومرارةلما يدور في الجنوب من زلزال وأنها فقدت الكثير من أهلها من الشباب والأطفال والنساء وقالت أن بعض العوائل أنقطع عرقها على وجه الأرض وقالت أن همها كبير رغم المآسي وفقدها لأهلها فهي تعمل من أجل وقف الحرب في الجنوب ولكن بعد نظرة بعيدة وصمت أقلقني قالت أن الوصول إلى السلام شائك جداً وقالت أنها جاءت إلى السودان مضطرة وقد ضاق بها الأمر ولم ولن تركن للمكوث في الخرطوم وهي في عمل دائب رغم ما يحاصرها من مشاكل في سبيل السعى إلى تحقيق السلام بأي ثمن مهما كلفها الأمر وذكرت لي أنها قبل وصولها إلى الخرطوم قد مرت على معسكرات أهلها الجنوبيين بجنوب ولاية النيل الأبيض وهم أفضل حالاً من غيرهم في الجنوب وعبرت لي عن شكرها لإهتمام والي بحر أبيض الذي فتح أبواب الولاية وإستضافته لللاجئين من الجنوب ولكن المشكلة كبيرة جداً. هذه مآسي سطانة من الجنوب شردتها الحرب التي تنطبق على كل أبناء الجنوب الذين ذاقوا مرارة الحرب وفي هذه الحرب يتساوي كل أبناء الجنوب في تأثرهم بويلات الحرب فلماذا لا يتساوون في حلاوة السلام ويتذكروا حال أهلهم في نار الحرب وهذه الحرب كل من مات فيها أو تشرد له قريب في جيش الحركة الشعبية من جهة بقيادة الرئيس سلفاكير أو الجناح الآخر بقيادة الدكتور رياك مشار وهم يعلمون أنهم لا يحاربون عدواً بل يحاربون أهلهم الأبرياء من النساء والأطفال وبذلك أصاب الدمار والخراب كل إنسان في الجنوب فلماذا لا تقوم ثورة شعبية داخل الجيش الشعبي بجناحيه المتحاربين للإطاحة بزعامتي مشار وسلفاكير من أجل فتح الطريق أمام الأمل بالتسويات والسلام وإلقاء السلاح وتسلم نفسها لدول الجوار حتي يصبح الجنوب خالياً من الحرب تركت الجنوبية والخوف في عينيها وهذا حال كل أبناء وبنات الجنوب بعد وداعها ووداع الوصيفات كان الشكر من الطرفين وما زال الخوف في عينها يا سلفاكير ويا مشار. [email protected]