إعادة إكتشاف العالم محمد الأمين القرشي وُلد محمد الأمين برفاعة، والده الأمير القرشي وهو حفيدالشيخ القرشي ود الزين ،مؤسس خلاوي طيبة وأحد معلمي الامام المهدي والدته هي فاطمة بنت القاضي إبراهيم حفيدة البنا المعروف برفاعة. أما جد القاضي محمد الأمين فهو الشيخ أحمد بن عبد الرزاق بن محمد نور الملقب بالبصير مؤسس خلاوي البصير بقريته المعروفة بالشيخ البصير بمنطقة الحلاوين. تلقي تعليمه بخلوة أبي فروع ثم بطيبة القرشي و عقب حفظه القرآن الكريم رجع إلي رفاعة ليتلقي العلم علي يد الشيخ يوسف ود نعمة.و واصل تعليمه بمدارس بابكر بدري ليتحصل علي الرياضيات و العلوم الأخري التي أهلته لدخول كلية غردون – حيث قضي فيها خمس أعوام و تخرج في القضاء الشرعي.و عمل في ذات المجال في مختلف أنحاء البلاد: الدويم/الخرطوم، بارا، سنجو، أبو زبد، أمدرمان، الحصاحيصا، بورتسودان، أتبرة...حتي تقاعده في عام 1946م. زامل في مجال القضاء محمد أحمد المحجوب و قد مدحه : قل للقضاة، قضاة كل زمان كونوا كصاحبكم فتي الفتيان رب الفصاحة والبلاغة والنهي قاضي القضاة مؤرخ الأعيان .... ................... أو كابن خلكان زمانه أدباً و فضلاً ظاهراً لعيانٍ تم تعيينه عقب تقاعده بكلية غردون أستاذاً في قسم الشريعة في عام 1948م. ثم عمل بمسجد الامام عبد الرحمن المهدي ، مدرساً للعلوم الدينية و من بعد مديراً للمعهد العلمي بالجزيرة أبا و كانت تربطه صلة النسب بالامام المهدي فهو عديله – حيث كان متزوجاً من إبنة الأمير ود البصير .وعمل بعد ذلك بكلية القانون بجامعة الخرطوم في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي. أسس جماعة التبشير الاسلامي بعد صراع مع السلطة الاستعمارية في عام 1954 للعمل في جبال النوبة و في جنوب السودان.وقد إشتهر بنشاطه الدعوي لنشر الاسلام و تم إغفال الجوانب الأُخري للقاضي القرشي و هو إنتاجه العلمي و الفكري في مجالات عديدة كما ذكرفي موقع آخر من هذا المقال. ذهب إلي السعودية و عمل بمعهد الأشراف بمكة المكرمة في منتصف الستينيات من القرن الماضي. و عاد مرةً أخري ليعمل في التبشير الاسلامي و الدعوة. عرفتُ القاضي منذ الستينيات و حتي وفاته و لم أكن علي علم بانتاجه العلمي و الفكري و الشعري إلا بعد لقائي بحفيده – أبي بكر أحمد الأمين، الضابط السابق بالقوات المسلحة و الباحث وقد وجدت لديه عدد من الكتب التي ألفها القاضي محمد الأمين القرشي في مختلف ضروب المعرفة: في المنطق و في اللغة العربية و في القضاء و في التاريخ، وهو عازم علي طباعة ما توفر لديه من إعمال القاضي القرشي في مجلد واحد. سبق أن قرأت كتاباً واحداً من تلك المؤلفات و هو في سيرة التابعي الكبير : يزيد بن أبي حبيب ، العالم السوداني المتوفي في عام 128هجرية وقد طبعه بالقاهرة في عام 1954م. لذلك كانت مفاجأة أن أعثر علي ذلك الكنز من المعارف وتمت صياغة معظمها شعراً وهو أمرٌ ليس باليسير! كان يزيد عالماً وقد كلفه الخليفة العادل عمر بن عبد العزيزبالقضاء و الافتاء في مصر وقد أنكر أهل مصر ذلك فقال عمر" ما ذنبي إذا إذا كانت الموالي تسمو بأنفسها و أنتم لا تسمون؟" وما زال هذا حال أهل مصر ! يزيد من منطقة دنقلا .وقد صاغ القاضي القرشي مدحاً في يزيد: لله درك يا يزيد و لأنت في الدنيا فريد فليفخر سوداننا بك أيها الحبر المجيد عمر النقي رآك شيخاً أهل مصر لهم تفيد تلميذك الليث بن سعد قال سيدنا يزيد لاقيت أصحاب النبي وهم ألو الرأي السديد وأخذت مما عنده فغدوت كالنيل السعيد كتب الصحاح ملأتها بحديثك الدر النضيد وقف البخاري و مسلم و الترمزي بالوصيد يا دنقلا أنجبت أستاذاً و ليس له نديد ختم القاضي محمد الأمين القرشي إحدي زياراته إلي القاهرة بزيارة الطلاب السودانيين بالأزهر الشريف و وقف علي حالهم و أورد قائمة بأعدادهم 2355 و مختلف مجالاتهم و طالب بعونهم و مساعدتهم! كما أهدي إليهم أحد كتبه. تُري كم يبلغ عدد الطلاب الآن ؟ كنت أظن بأن القاضي القرشي من خريجي الأزهر الشريف و هو ما يعتقده آخرون.لعله علمه الغزير، خاصة في المجال الشرعي و الفقهي و مؤلفاته العديدة. وقد يعود هذا اليقين بأن القاضي القرشي قدم لغالب مؤلفاته علماء من الأزهر الشريف، كما قرظها علماء آخرون من الأزهر. بلغت المؤلفات التي عثرتُ عليها لدي الأستاذ/أحمد الأمين ثمانيةً و وجدت تاسعاً في ثنايا كتابه عن يزيد بن أبي حبيب – حيث أشار إلي كتاب أسماه الفتح الرباني في أحاديث يزيد السوداني ! و مما أعجبُ له فخر القاضي محمد الأمين القرشي بشعبه و هو رجل الدين الذي يدعو إلي ذم العصبية و الشعوبية ! لعلها نزعة إنسانية لا يمكن تجنبها ! أيضاً مما لاحظتُ في آخر حياته شدته تجاه بنيه و هم كبار في السن – بعضهم زاد عن السبعين ، لعلها أيضاً نزعةٌ إنسانية يستوي فيها الجميع، رجل الدين و الشخص العادي ، فهم دوماً يرون أبنائهم صغاراً مهما تقدم بهم العمر! مؤلفات القاضي محمد الأمين القرشي تعود للفترة بين عام 1935م و عام 1954م: 1- سفينة الوصول لطالبي علم الاصول،المطبعة الاسلامية بالأزهر ، نظماً ،1935م. 2- تحفة الآثار في مصطلح حديث النبي المختار، نظماً ،1936م 3- مرشد الاخوان في منطق اليونان، نظماً،1937م 4- روضة البيان،نظم لرسالة الشيخ الدردير في علم البيان، قرظها محمد الطيب النجار،المدرس بالأزهر الشريف،1938م.(لعله شيخ الأزهر الحالي؟) 5- منظومة القضاء الجنائي علي مذهب الامام مالك،1954م. 6- مناسك الحج علي مذهب الامام مالك ،1954م 7- خلاصة ما يرام من علم الكلام، 1940م 8- سيرة يزيد بن أبي حبيب، العالم السوداني، 1954م. أشرف الأستاذ/أحمد علي جمع هذه الأعمال في مجلد واحد بغرض طباعته. ونسبة لظروف مرضه هنالك حاجة لمن يساعده في هذا العمل الكبير.مع الأمل أن يتمكن من إنجازه و أن يمنحه الله الصحة و العافية و الشفاء. أمرٌ آخر عجبتُ له وهو إهمالنا لمبدعينا و إغفال أعمالهم ! لذلك لا نجد مؤسسة تقوم بمثل هذا العمل.ومن السهل جداً في زماننا هذا التوثيق لمن نريد كما توجد الآلات المساعدة – من كاميرات رقمية و أجهزة المسح الالكترونية و الحواسيب و مجموعات الواتس أب أو الفيس بوك، فما علينا إلا أن ندعو كل من لديه إنتاج أن يقوم بتصويره و وضعه علي الشبكة أو المجموعات توفي القرشي في عام 1976 و دفن بقبة جده البصير بقرية الشيخ البصير. [email protected]