بسم الله الرحمن الرحيم احترقت أحشاء الأسرة العريضة والجيرة ..بفقدان فتاة في مستهل الشباب الغض .. إثر حادث مروري تسبب فيه سائق متهور.. أمضت الأيام الخمسة الأخيرة في أيام عمرها ..تحت يد طاقم العناية المكثفة في مستشفى إبراهيم مالك..والتي يقول من تعاملوا معهم من ذويها ..أنه لو كانت في يد الأطباء أرواح يزودن بها المريضة لما توانوا..فلهم خير الجزاء ولها المغفرة ولذويها الصبر والسلوان. بعيد الوفاة..دخل ذووها في امتحان قاس ..فالطبيب كان مصراً على تشريح الجثة لكتابة تقرير أسباب الوفاة.. حيث يحفظ التقرير ..الحق القانوني للأسرة..في سبيل أن ..ينال الفاعل جزاءه ..فانقسمت الآراء ما بين مؤيد للطبيب ..مشفوعين بالسلوك المشين للسائق بعد أن أطار جسدها في الهواء وإلقاه على الأسفلت.. بعدم التوقف ..لولا أن ركاب الهايس ثارث ثائرتهم ..وزاد عليها هو واسرته بالغياب الكامل طوال أيام المستشفى ليظهروا لدى التحويل للمشرحة لتلافي العواقب..!! بيد أن القسم الثاني استفظع أمر التشريح .. واستدعى كل مخزون المفاهيم الدينية السائدة ..في أنه يومها ..وإنها كانت لتموت بأي سبب آخر. وانتصر الرأي الأخير. هذه الواقعة ..ينبغي تناولها من زاويتين..الأولى ..قانونية .فحسب ما فهمت الأسرة..فإن التشريح يعني تسليم الجثة جاهزة للدفن السريع بأمر السلطات..فكان السؤال ..كيف لا تشرف الأسرة على غسل الجثة؟ وكيف تكون النظرة الأخيرة لوجهها ساعة الوفاة فقط ؟أدرك تماماً قسوة الأمر في ميزان العاطفة السودانية.. في مقابل المبررات الصحية والقانونية فهل يجب أن يتحول أمر تشريح الجثة .. إلى حق من حقوق الدولة..لتقليل الحوداث المرورية ؟..وعدم إفلات متسببيها ؟ مع الاحتفاظ بحق الأسرة لرؤيتها قبل التكفين لليقين ؟سؤال ينبغي طرحه بقوة . أما الزاوية الأخرى فزاوية الفهم الديني السائد للآجال..بوصفها قراراً إلهياً تم تثبيته حُدد فيه تاريخ الموت..وشبهه الواعظ في الماتم بتاريخ نهاية صلاحية المنتج دون النظر في الأسباب...فلا مناص من قبول هذا القدر. في هذه الجزئية ..أورد سياقاَ عاماً لفهم مغاير..يقول به الدكتور محمد شحرور..فيبدأ بتعريف مفردة الكتاب لغوياً..بأنه حزمة القوانين الحاكمة للشئ..كما نقول كتاب النحو او الفيزياء..كونهما يختصان بالقوانين كل في مجاله..فيصبح كتاب الموت ..هو جملة القوانين الحيوية التي بتحققها يكون الموت.. كعجز القلب عن العمل وتلف الكبد وما إلى ذلك.. فالخالق جل شأنه وفقاً لهذه الرؤية ..حتم الموت بتوفر أسبابه الحيوية.. لم يحكم به في يوم محدد..أما القتل ..فتدخل من القاتل أوقف الفناء الطبيعي الذي وضع قوانينه الخالق علا شأنه..وإلا حسب رؤيته..لماذا يكون القصاص إن كان المقتول ميتاً لا محالة في نفس التاريخ بحكم إلهي مسبق؟ وبذا يكون القتل هو الإفساد للأرض سواء أكان لشجرة أو نفس بشرية أو حيوانية في غير حاجة .. تقع مسئوليته المباشرة على القاتل وليس سواه..ولا علاقة له بالعلم الإلهي المطلق ..بكل ما في الكون. أياً كان الفهم ..ينبغي أن يقر ما يحفظ الحياة ..وينيل المتسبب في إنهائها تهوراً واستهتاراً جزاءه. [email protected]