كنت أشاهد قناة كوميدي سنترال الأمريكية، والتي ألجأ إليها يوميا، مساهمة مني في تطبيع العلاقات مع واشنطن، استعدادا للفرج المرتقب في 12 يوليو المقبل، وتهدئة أوعيتي الدموية كي لا تنفجر مما تراه على شاشات التلفزة العربية الرسمية والتجارية، عندما جاءت حكاية توماس مكفيرسن، الذي اقتحم محل مراهنات في مدينة جلاسجو الأسكتلندية مسلحاً بمسدس، ليطالب موظف الخزينة بتسليمه ما عنده من نقود سائلة. كانت مشكلة مكفيرسن تكمن في أنه تمتام، وبالتالي وقف أمام الخزينة ملوحاً بمسدسه وبدأ يقول «بالإنجليزية طبعاً»: قققققق قف مممممممم مي ... سلللللل... أووووول.... ذذذذذذذذذا. وظل على هذا المنوال وهو يحاول أن يقول: سلمني ما عندك من نقود،.. أريد النقود التي في الخزينة كلها، دون أن ينجح في إكمال جملة تنم عن مراده وطلبه، فأصيب موظف الخزينة بالزهج بعد أن استمر مكفيرسن يتمتم لست دقائق بالتمام والكمال، ومد له 341 جنيهاً، فانفرجت أسارير مكفيرسن ووقف يقول: ممممممممور، أي هات المزيد، فجاء رجل من خلفه وأعطاه «مور»، وملأ يديه بالحديد أي الكلبشات. نعم كان رجال الشرطة قد وصلوا وقيدوا مكفيرسن، وحكم عليه لاحقاً بالسجن ست سنوات. حزنت للرجل كما أحزن كلما وقع لص غلبان في يد العدالة! فكم من لص عندنا قد يعاني من التمتمة الناجمة عن عي معرفي أو لغوي، ولا يستطيع أن يقول جملة مفيدة من فعل وفاعل ومفعول به، ولا يحتاج لشهر مسدس أو بندقية، ليملأ جيوبه بكل ما يقع بين يديه من مال عام أو خاص، وتعطيه الشرطة «تعظيم سلام»، وعندك جيوش التنابلة التي تملأ مكاتبنا وتتحكم في سير العمل العام، دون أن تكون لديها أدنى دراية بطبيعة العمل الموكل إليها، وبعضهم يحمل درجات علمية رفيعة، في زمن صار فيه ممكناً أن يقدم أحدهم بحثاً عن «تأثير الفسيخ على أداء نادي المريخ»، وينال الدكتوراه، وطالما أنه دكتور فلابد من منصب خطير، تقول لهم إنه طرطور وديك تور، وليس دكتورا، فيقولون لك إن كلامك هذا مغرض وإنك تشك في أهلية وحكمة من منح الدكتور المنصب... ويكون من حق الطرطور وغيره من طراطير لا يحملون حتى الدرجة العلمية الفسيخية، أن يديروا مرافق عامة لحساباتهم الشخصية. وقرأت حكاية رجل آخر اقتحم مصرفاً في مدينة مودستو بكلفورنيا مسلحاً، ومرتدياً قناعاً، ولكن يبدو أنه كان يحمل دكتوراه في «الطُرْشي يتسبب في انقطاع المياه في 24 القرشي»، فقد نسي أن يفتح في القناع ثقوباً تعينه على الرؤية، فظل يتخبط داخل البنك حتى تعب، ثم وجد نفسه معلقاً في باب دوار فسقط وأصيب بجروح، وجاء جماعة الإسعاف واقتادوه إلى المستشفى، ولم توجه له الشرطة تهمة محاولة السطو المسلح، لأنه لم «يلحق» ويشهر سلاحه ويطالب بالمال، وكان مسدسه مرخصاً، واكتفت الشرطة بتوجيه إنذار إليه بعدم حمل السلاح في مكان عام. الغربيون الأغبياء يحتاجون إلى أقنعة عندما يريدون ممارسة السرقة، أما نحن فإن السرقة عندنا لا تكون ناجحة إلا عندما يكون اللص مكشوف الوجه، كي يرى الآخرون عينه الحمراء، وكي تعرف السلطات أنه من أصحاب الوجاهة فلا تعترض طريقه!! مجتمعاتنا «آمنة» لأن اللصوص ليسوا بحاجة إلى استخدام السلاح لنهب الأموال. نعم عندنا شوية لصوص يستخدمون السلاح ولكن من الغباء مقاومتهم ومطاردتهم لأن الواحد منهم لا يطمح في أكثر مما يساوي خمسة دولارات. وشخصياً تعرضت للنشل مرة في حديقة الحيوان في الخرطوم، وحاولت ملاحقة النشال فشهر في وجهي مطواة حادة الأطراف فقلت «ما بدهاش»، فقد نشلني علبة سجائر برنجي بها ثلاث سيجارات مستعملة الصحافة