لا أحدٌ لا يفهم أنّ إسرائيل لديها حُلم تأسيس دولتها المَزعومة، ولا أحدٌ لا يعلم أنّ أمريكا لديها حُلم البقاء على قمة العالم وإقامة نظام عالمي هي سيدته، وإسرائيل الآن أقوى حليف لأمريكا يعملان معاً لتقسيم الدول العربية الراسخة تاريخياً وإزالتها من أمام إسرائيل، ومَعلومٌ أنّ أمريكا تدعم خُطط إسرائيل في الشرق الأوسط وإسرائيل تدعم خُطط أمريكا في أيِّ مكان في العالم، وهي خُطط لا تسقط بقدوم رئيس أو ذهاب آخر، كل يقدم ما يملك لتنفيذها واعتماد هذه الدول على الديمقراطية يعتبر سبباً مُهماً جعلها دائماً قادرةً على تطوير الأدوات التي تُحقِّق طُموحاتها، بقية دول العالم جهّزت نفسها واستعدت لحماية وجودها لتبقى حُرةً وذات سيادة، عدا الدول العربية التي تغلي الآن فقد جعلها الجبروت وجبةً جاهزةً لإسرائيل وسهلة الانصياع لأمريكا. مأساة الدول العربية أنّها ترزح تحت سُلطة أنظمة ديكتاتورية حرمتها من أن يكون لها هدفٌ وحلمٌ واستراتيجية، ومن ثَمّ حرمها هذا من تطوير أدواتها لحماية ووحدة الأمة العربية رغم ما تملك من مُقوِّمات الوحدة، فالتّبادل السَّلمي للسُّلطة يمثل جوهر التقدم في أن يكون للدولة حُلمٌ تحميه الأجيال المُتعاقبة. بعض القادة العرب على علمٍ تامٍ بما تريده إسرائيل وأمريكا، ولكن على صخرة مصالحهم الخاصة تتحطّم مصالح ووحدة شعوبهم ، فكل الإرهاب الذي أنتج في الشرق الأوسط مَعروفٌ أنّه استراتيجية إسرائيلية أمريكية، ولكن رعاها غباء العرب الذين لا هدف ولا حلم لهم إلاّ البقاء في كراسي السلطة مُستبيحين كل شئ، لا يطمعون إلاّ في بعضهم ولا يحلمون إلاّ بهزيمة بعضهم، ولا يضعون استراتيجية إلاّ ومصالحهم كانت حَاضرةً فيها وهكذا، هذا التفكير سهّل على إسرائيل وأمريكا كثيراً جداً في أن ترمي بُذور الفتن في هذه البيئة المسمدة بالغباء والأنانية وجهل الشعوب لتنبت ويرعاها هؤلاء حتى تأذوا منها هم أنفسهم ورغم ذلك لا يتعظون، وبدلاً من أن يعترفوا ويتّفقوا على علاج الخلل، يختبئون خلف تجريم بعضهم ، ثم يتخذون إجراءات ضد بَعضهم زارعين في شُعوبهم الكراهية والبغض فيلغمون لهم الحَاضر والمُستقبل. بعض العرب هُم الآن تحت خدمة أمريكا وإسرائيل رضوا أم أبوا بقصدٍ أو دُون قصدٍ، جعلوا دولهم مصانع للإرهاب تنتجه وتُصدِّره كل للأخرى، فبعض قادة الإرهاب وُلدوا في أحضانهم وتبادلوا رعايتهم بأفكارهم ومَذاهبهم المُضلّلة وبدعمهم المادي المُباشر وغير المُباشر، الآن الزعماء العرب أصبحوا أعداءً لبعضهم، ونسوا عَدوّهم الحَقيقي، بل أن بعضهم اعتبر هذا العدو حبيباً أقرب إليه من حبل الوريد، ونسوا أنّ شعوبهم مُعرّضة للإبادة، هكذا ينتصر بعض القادة العرب لأنفسهم بتعريض مَصالح شُعوبهم وهويتهم وثقافتهم وتاريخ دولهم العَظيم إلى الزَّوال، ويَتَبَارزون مع بعضهم بدون أيِّ فَهمٍ. أمريكا وإسرائيل نجحتا في تقسيم الدول العربية ودعم استمرار الصراع فيها وشغلها بنفسها، فجعلاها تنتج الإرهاب وتستهلكه وحدها لتعيش إسرائيل في أمان وتُحقِّق حلمها، وتهيأت كل السُّبُل لأمريكا لتمارس الابتزاز على الدول العربية، فكل الإرهاب الآن بعيدٌ عن إسرائيل، وأمريكا تطلب ثمن حماية لم تُقدِّمها فعلاً، وما يحدث الآن أثبت لكل العالم أنّ مأساة الشعوب العربية هي أنانية زعمائها التي حوّلتها إلى أمة مُقسّمة تعيش في العصور المظلمة أفرادها إرهابيون أو لاجئون ومتشردون، يَدفعون كل تلك الأثمان ليبقى الرؤساء والملوك والأمراء تُطاردهم اللعنة أينما حَلُّوا. أسماء محمد جمعة التيار