كل من يزور الخرطوم يُخيّل إليه أنه ليس بها والٍ وسبعة معتمدين ووزير للبيئة ورئيس للمجلس الأعلى للبيئة ومدير لهيئة النظافة، بل يُخيّل إليه أنّ ليس هناك وجود لكل هذه المؤسّسات، وأن المدينة عبارة عن بادية لا يحكمها قانون ولا نظام، وأن هذا الرتل من المسؤولين لا يقومون بأيِّ مجهود إلاّ حين تحرجهم الصحف، وما يحدث الآن من انتشار للإسهالات المائية والملاريا والتايفويد وأمراض أخرى لها علاقة مُباشرة بالأوساخ والتلوث، يُؤكِّد أنّ فَجيعة هذا البلد أكبر ممّا نتخيّل. الأسبوع الماضي تناولت زميلتنا سعدية الصديق موضوع التلوث في السوق المركزي تحت عنوان: "الإسهالات المائية تأتي من هنا"، وليس من السوق المركزي وحده تأتي الإسهالات المائية بل ومن كل الأسواق، وغداً ستأتيكم الأخبار منها سوقا تلو الآخر، معتمد الخرطوم أول أمس فاق من نومه العميق الذي جعل أطناناً من النفايات والمياه الآسنة تتراكم لزمن طويل في السوق المركزي للخُضر والفاكهة حتى أصبح منبعاً للأمراض، مع أنه واحد من مشاريع تنمية عمر نمر المعتمد السابق والذي دعا لافتتاحه كل الفعاليات وفي النهاية طلع كذبة، معتمد الخرطوم بعدما (صحوهو من النوم) أطلق حملة نظافة شاملة للسوق المركزي، سمّاها خُطة احترازية وبرنامجاً وقائياً لمكافحة الإسهالات المائية، قيل إنه تمّت خلالها إزالة مُتراكمات النفايات وتجفيف البِرَك والمُستنقعات واُستخدم الرش الضبابي والرذاذي للمصارف وفرض إجراءات صارمة على المتلاعبين بالأغذية المتداولة، ومُخالفات عرض الخُضر والفاكهة حول السوق، ووجّه بإزالة جميع الأماكن المُخالفة والعشوائية وإغلاق جميع الكافتيريات غير المُلتزمة بالاشتراطات الصحية ومنع البيع الجائل، وأكّد استمرار عمل آليات وعمال النظافة بصورة دورية ومُكثفة في إطار البرنامج الوقائي لمُكافحة مسببات الإسهالات المائية بالمحلية.. طيِّب ما كان من الأول..! ما قام به معتمد الخرطوم ليس خطة احترازية وبرنامج وقائي، بل أداء واجب بعد وقوع الفأس على الرأس، رغم أن هذا البرنامج يُعتبر واحداً من أبسط الواجبات التي يجب أن تكون فاعلة على مدار السنة، وإن فعل لما أصبح السوق المركزي مصدراً للإسهالات ولما مات الناس وشارك في مسؤولية قتلهم. مشكلة نظافة العاصمة الخرطوم ليست مالاً وإنّما عقلية.. فلا يُعقل أن يكون بها سبعة معتمدين ووزير للبيئة ومدير هيئة نظافة ورئيس مجلس أعلى للبيئة توفّرت لهم ملايين الدولارات ولديهم عددٌ من الشركات تحت إمرتهم ورغم هذا تصبح الخرطوم أوسخ عاصمة في العالم وتجتاحها الأوبئة وأمراض التخلف..! ما وصل إليه حال النظافة في الخرطوم لم يكن له أن يحدث إن تُركت بدون والٍ وكل هؤلاء المسؤولين، وان اتقوا الله وتضافرت جُهُودهم مع المُواطنين لأصبحت الخرطوم أنظف عاصمة في العالم، فالمال وحده وأن توفّر لن يقدم خدمة مثالية ما لم يكن المسؤولون من النوع المُلهم الذي يستطيع أن يصنع من الفسيخ شربات، وهؤلاء المسؤولون العشرة من نظافة الخرطوم وبيئتها أثبتوا أنهم (رمتالة) بمعنى الكلمة كل طموحهم هو الاستمتاع ببريق السلطة، لذلك لن تنظف الخرطوم مهما صرف عليها من مالٍ. أسماء محمد جمعة التيار