أن تكون منغلقاً على ذاتك لاترى الدنيا إلا بعيونك التي لا يتعدى مداها أرنبة أنفك ولاتسمع صوت الآخرين إلا وفق ما يتفق مع فجوة سمعك الضيقة ..فهذا يعنى أنك تعاني من مشكلة في تركيبتك النفسية تجعلك غير مؤهل لإدارة حتى شئؤنك الخاصة فيتطلب الآمر أن تفرض عليك الوصاية بثبوت عدم أهليتك ! وهكذا هم جماعتنا هنا الذين ابتلانا بهم الدهر فظنوا أنهم ملكوه كله مثلما تملكوا أرواحنا حسب فهمهم القاصر ..فلا مجال في نظرهم لغيرهم من البشر أن يزاحموهم في دولتهم الحصرية ..فالنقابات سحقوا شوكتها بالتمكين فأصبحت مجرد كورس يسير مغمض العينين خلف زفة الحكم بلا صوت ولا ايقاع..وبعد أن دمروا كل معطيات الحياة الكريمة للناس في شتى الضروب ومختلف المرافق ! اتجهوا الان الى ما تبقى للجماهير من فسحة البوح جهرا بغضب الحناجر عبر المدرجات الرياضية حائط الصد المنيع وربما الأخير لملل الكروب اليومية ! ولفرط ما تمكن منهم الغرور ظنوا أن سلطة الفيفا ستكون مجرد خيال مآتة يمكن أن يتلاعب بها هواء نزقهم التسلطي السافر وهوى خطلهم السياسي العقيم ..وهم لا يعلمون أنها جهة إعتبارية مستقلة السيادة والصفة خارج الاعيب السياسة ومزاجية الأشخاص ولا تنكسر لكبير يريد لي ذراعها لانه عضو دائم في مجلس الأمن على سبيل المثال .. فكان انذراها لفرنسا الدولة العظمى حينما حلت إتحادالكرة فيها بقرار سياسي في لحظة غضب على خلفية هزيمة فريقها في إحدى المونديالات .. فما كان من باريس إلا أن جاءت لاوية ذيل الإعتذار متراجعةعن قرارها بعد أن جاءها التحذير بتجميد نشاطها الكروي خلال ست ساعات فقط من إتخاذها خيار الحل الغاضب ! وهذا ما لم تستطع دولة الكويت الغنية هي الآخرى تجنبه وشراءه بالمال ..حينما خلطت صبغة الرياضة بماء تدخل الدولة في الشأن الرياضي ! نعم الفيفا يديرها بشر وهم غير معصومين عن الخطأ و مرت بها سحابات فساد خيمت على أجوائها ..لكن العبرة في أن الأمور حينما تكشفت عولجت بشفافية القوانين و سمو الأخلاق وفي الفضاء الواسع دون تحلل عنه أو دمدمته بنظرية خلوها مستورة ! ولعل ما ذكره الزميل الأستاذ كمال حامد في مقاله الذي نشر بالأمس من إفادات خطيرة واعترافات حول اسلوب الرشى القذر الذي تم في واحدة من مراحل إنتخابات إتحاد الكرة لهو دليل على أن المسالة ليس فيها غرابة طالما أن النهج العام المتبع في الدولة يبيح كل المحظورات كوسائل للوصول الى الغايات في ظل دولة ترفع شعارات أن الإسلام هوالحل ومنه يمكن لهم إيجاد مخارج التحلل بالتحايل الفقهي للمحسوبين على النظام والمنتمين الى الحركة الإسلامية التي تتبنى تلك الشعارات .. وهي أساليب يتأفف عنها من هم خارج ملة الإسلام والذين يتمسكون بقيم لاتعرف المداهنة أو التساهل في المحاسبة العلنية ..فجاء قرار جنائيتهم صريحا وقوياً سيجعل لامحالة إن اليوم أو غداً لسان السياسة عندنا يلحس كل أسطر تشدقه بالجسارة الفارغة و رأس العناد الأجوف من كل حكمة يطأطي إنكسارا تحت عصا التجميد التي لوحت بها الفيفا وظنها المستخفون أنها تطل عليهم براسها تهويشا ليس إلا .. ولن تصلهم عبر المسافات ..فاكتشفوا أنها تهتزجادة بالضرب الحاسم من زيورخ البعيدة مسافة والقريبة سطوة حديدية لا تنثني ولا تلين . فيا لهم من جهلاء بسطور التاريخ مثلما لايعرفون خارطة الجغرافيا ! محمد عبد الله برقاوي ..