كل عام عندما تؤجز المدارس، تؤجز معها وزارة التربية والتعليم، بل هي أصلاً في حالة إجازة منذ 28 سنة، وخلال العطلة الصيفية لا تفعل شيئاً إلاّ حين يتبقى من نهايتها أسبوعان، وحين تفتح المدارس أبوابها لا شئ يكون جاهزاً وتظل الوزارة طيلة العام في حالة (مُكابسة) تتحدّث عن خُطة لتوفير المُعلِّمين، وثانية لتجليس الطلاب، وثالثة لتوفير الكتاب المدرسي، ورابعة لتهيئة البيئة، وتُكوّن لجان لكل خُطة ويستمر العام الدراسي ولا شئ يتحقّق الى أن تأتي الإجازة القادمة ثم تنوم الوزارة لتصحى مع آخر أسبوعين وتعيد نفس السيناريو، وهكذا مرّت الأعوام إلى أن انهارت المدارس، والتي نراها اليوم هي آثار مدارس، والأسوأ من كل ذلك وزارة التربية والتعليم بكل قداستها تلك أصبحت ضمن الوزارات الأرخص المَعروضة للترضيات والمُساومات، وحَقيقَةً ما يحدث يُعرِّض المدارس للتجفيف التلقائي بسبب تخلي المُواطنين عنها والاتجاه إلى المدارس الخَاصّة التي تنتعش على حساب الحكومية! العام الدراسي الحالي يُعتبر أسوأ الأعوام خلال 28 سنة الماضية، فهو إعلان رسمي لانهيار المدارس الحكومية، وتأكيدٌ بأنّ وزارة التربية والتعليم الاتحادية أصبحت منظراً، مُجرّد ديكور يُجمِّل شكل الحكومة، أما الولائية فأصبحت تعمل كما الأسواق تحت إدارة المحليات، وحتى تشهدوا على الأمر بأنفسكم نطّلعكم على بعض التوجيهات التي خَرَجَ بها اجتماع لوزارة التربية الولائية يوم واحد يوليو الجاري أي قبل يومٍ واحدٍ من بداية العام الدراسي، والاجتماع يُدين الوزارة الولائية والاتحادية، بل ويُدين الحكومة كلها، وكل ما قاله المسؤولون عن الاستعدادات كان كذباً، فهي لم تكن مُستعدة بالمَرّة ونحن نعلم ذلك، وقلنا يا ريت لو يتم تأجيل العَام الدراسي حتى تتم تهيئة المَدارس ولو ب50%، ولكن لأنّ المُواطن ساكتٌ فالحكومة تعتقد أنه قد صدّقها واقتنع. الاجتماع الذي انعقد يوم الوقفة أغرب ما فيه البنود التي تقول، استلام أمنية من كل تلميذ تُسترد بعد إرجاع الكتاب نهاية العام طبعاً، قيمة الأمنية 50 جنيهاً، وان ينتهي اليوم الدراسي لتلاميذ الحلقة الأولى من حصة الفطور، ويُوزّع تلاميذ المدارس التي ليست بها حَمّامَات على المدارس المُجاورة، ثُمّ أخيراً تنبيه التلاميذ لإحضار صابونة معهم، تخيّلوا كل طالب سيدفع أمنية 50 جنيهاً أي أنه إن كان هناك مواطن لديه 4 أطفال (إلاّ يشحدوا في الإستوبات)، هذا إذا علمنا أنّ الكتاب ربما يضيع أو يتقطّع، أما اليوم الدراسي الذي سينتهي من حصة الفطور يعني أن هناك حصتين يومياً، فهل تكفي لتعليم الأطفال مبادئ القراءة والكتابة والحساب والدين، أمّا الأغرب وهو توزيع تلاميذ المدارس التي ليست بها حَمّامَات على المدارس القريبة، فهذا يفرض أسئلة كثيرة، هل هذه المدارس مُستعدة ولديها ما يكفي من حَمّامَات وفصول تتحمّل أعداداً جديدة قد تتجاوز أعداد تلاميذها، وأين ستذهب المدارس المُفرغة؟ ثُمّ كيف يُمكن لكل تلميذ أن يحضر معه صابونة؟ هذه بدعة جديدة لم نسمع بها وإنْ كانت الوزارة لا يُمكنها توفير القليل من الصابون الذي يُستخدم في نظافة أيدي الأطفال فلتشحد مصانع الصابون، بل يُمكنها أن تلزم كل مصنع بعددٍ من المدارس من باب المسؤولية الاجتماعية، ولكن ماذا نقول، فالحكومة نفسها غير مسؤولة اجتماعياً، لذلك تُفكِّر بهذا الغباء، وبالمُناسبة الكتاب المدرسي في السوق الأسود مُتوفِّرٌ جداً. على أيِّ حال، لقد وَصَلَ حَال المدارس إلى الحضيض، وليس هناك حَلٌّ يجبر الحكومة على فعل شئ غير مُطالبة المُواطنين بحقوقهم والضغط على الحكومة بشتى الوسائل فهذا حَقٌ، لا يجب أن يهرب المُواطنون بأطفالهم إلى المدارس الخَاصّة، حيث سيُعانون أكثر.. الحكومة لا تريد الصرف على التعليم وعليه كل ما تقوم به يُصب في مصلحة خَصْخَصَة التّعليم، فانقذوا مدارسكم قبل أن يأتي يومٌ وتجدون دولتكم بلا مدارس!! التيار