في إحدى أمسيات العام 1976 كنت مع أستاذي رحمي محمد سليمان عليه الرحمة نتسامر في نهاية ذلك اليوم العملي في مكاتب المؤسسة التي كنا نعمل بها فدخل علينا أحد الأجانب يحمل في يدة ورقة من فئة المائة دولار طالباً أن ندله على مكان ليبيعها .. فدهشنا من طلبه ووجهناه بالذهاب الى المصرف صباحا لصرفها عبر القنوات الرسمية .. فلم يكن في ذلك الزمان ان السوق السوداء او الموازية دلالاً بمسى الدلع قد وجد لها فرع بالسودان..! بعد ذلك بشهور قليلة غادرت السودان وكنت أحمل معي ستاً وعشرين جنيها استرلينيا استبدلتها بعشرين جنيه سوداني من أحد البنوك بموجب تأشيرةالزيارة التي تمنحتي ذلك الحق لتغطية رحلتي السياحية ! هكذا كان حال جنيهنا من القوة وكانت حالة العملات القوية التي تتودد له طلبا للحنية والرأفة بها من قطع النفس في حلبة المصارعة الإقتصادية ! من بعد فشل المصالحة الوطنية التي تسلل جماعة الإتجاه السياسي من فجوتها الى حيرة جعفر النميري حيث ضاع له درب الرشاد في مياه تخبطه .. بدأت السوق السوداء تطل بوجهها الكالح وعرف السودان خلال سنوات قليلة تجارة العملة خارج القنوات الرسمية .. التي صاحبها إفتتاح ما سميت بالبنوك الإسلامية بدءاً بالبنك اياه.. ثم صاحب ذلك مسلسل شراء السلع وتخزينها وإحتكار تجارة بعضها وما يلزم ذلك من التكويش على العملة الخضراء في الأسواق بالقدر الذي أضعف قدرة مصرف السودان المركزي على ضبط الأمور التي إضطرته حتى قيام الإنتفاضة الى الإنحناء للعاصفة مسلماً للواقع الجديد الذي خلق إقتصاداً منافساً خارج سيطرة الدولة ! سبعة أعوام في أخريات نظام نميري و عام واحد من سلطة سوار الدهب الواهنة وثلاثة مثلها في ديمقراطية كسيحة واقتصاد بلا ملامح تعثرت خلالها كل تروس الإنتاج بصدأ الإضرابات التي كانت تريد للوطن المُقعد زمناً طويلاً أن يقوم ويركض دون إكمال علاج علل الديكتاتورية بالحرص على تناول أدوية الديمقراطية و المداومةعلى تمارين العلاج الطبيعي المطلوبة لتقوية عضلاته و تنشيط مفاصله.. بينما كان أخوان البنية يعيقون قيام المعاق برفع المصاحف فوق أسنةالرماح إرهابا للشعب من دنو جون قرنق بمعاونة العلمانية التي تمثل له طابورا داخلياً خامسا .. والغرض من لعبتهم تلك هو إلهاء الناس عن لعبة ميسرهم الإقتصادية وحماية مصالحهم وهم يعدون لليلة إنقلابهم السوداء بينما السيدين الجليلين يتسابقان بجر السبح في مسيد الصراع على الفوز بقلب الحركةالشعبية وخطب ودها ! بعدالإنقاذ و في أول بيان قال صلاح كرار لولم نأتِ لوصل سعر الدولار فوق العشرةجنيهات وكان حينها أربعة فقط إن لم تخني الذاكرة! بعملية حسابية بسيطة وإذا اسقطنا سنوات محل الديمقراطية الثالثة عنهم و عام سوار الدهب المجدب ..فإن سبع سنوات في عهد نميري و ثمانٍ وعشرون عمر الإنقاذ هي خمسة وثلاثون عاما سيطر فيها الإسلاميون على قياد الإقتصاد .. تجارة و هيمنةعلى مفاصله و تسيدا على مشاربه .. فأوصلو سعر الدولار بسياساتهم الرعناء و تحديهم للأفيال الى عشرين الفاً يتحايلون على تسميتها بعشرين جنيها بعدحذف الثلاثة أصفار التي وقعت عبئا على قفة ملاح المواطن ! الان خبراؤهم الذين قادونا الى هذا المصير إما أنهم تنصلوا عن جريمتهم بعد أن ركلهم الزمن خارج أسوار الحكم ..أو أن الذين لازالوا يعبثون بورقةالجنيه السوداني تعفيصاً و إنقاصا لحجمه بسياسة البصيرة أم حمد لازالوا يتحدثون بضرورة تحسين حالته الصحية بحثا بعدفوات الآوان عن ترياق الإنتاج وزيادة الصادر من الضرع الذي حلبوه حتى أخر قطرة أو باعوا كل مصادرالأمل في إكتساب عافية الوطن .. فيأتي كلامهم مثل الذي نثر غلته بعد إنقضاء موسم الخريف وينتظر حصاداً من مشروعه المطري البعيد عن الري الصناعي ! أخر السخريات من حالة تردي الجنيه مقابل الدولار جاءت من أحد الاساطين الذين أثروا من حالة تردي البلد .. ليقول أن مسالةارتفاع الدولار هي حالة نفسية فقط .. أي أنها نوع من البرانويا أو التوهم والتخيل إن صح تفسيري لمعنى المصطلح .. وكان فهمي لقصده صحيحاً..! لكن الدكتور المتعافي لم يتكرم ويشرح لنا من المصاب بتلك الحالة النفسية تحديدا الدولار الذي تحدانا بعضلاته المتزايدة في عقر دارنا ..أم الذين إستضافوه في بلادنا كمستضعف في بداية أمره ,, فلما إستّد ساعده رماها بجنون عظمته أم الذين أصابهم جنون اللهط فباتوا يتحدثون خارج منطقة العقل والمعقولية .. أم أن الجنيه المسكينً هو الذي يجب إدخاله الى مصحة التيجاني الماحي ..عله يرتاح من بهدلة كل أولئك ليجد داخل المصحة كل الشعب السوداني في إنتطاره بعد أن فقد رشده هو الآخرولم يعد فاهماً للحاصل من حوله !