الحقيقة الوحيدة في الأمر أن الهدف من مواصلة اجتماعات ما يسمى بلجنة التشاور السياسي السودانية المصرية المشتركة هو الإبقاء على قنوات الاتصال والتشاور والتنسيق بشكل دوري ومتصل. هذه هي غاية ما يمكن أن تحققه اجتماعات هذه اللجنة، أنها تحقن الجرح بمخدر مصري فاسد لم يعد الجسد السوداني يستجيب له أو يخفف من ألم الجراح السيادية العميقة التي تزيد وتزيد في كل مرة فاصلة بين الاجتماع والآخر. نعتبرها مجرد مضيعة للوقت أو مثل جلسة سمر وتداعي لإنتاج المزيد من العبارات والجمل العاطفية من قريحة دبلوماسية لا تنقصها الفصاحة في التعبير والقدرة على التمثيل.. سامح شكري في الخرطوم اليوم وفي حقيبته مخزون وافر من أيقونات ورموز التعبير عن الاندهاش والتفاجؤ والتأسف والوعد بالتحقيق في ما يسمع من شكاوى هو في الواقع على علم مسبق بها واطلاع كامل عليها وتوقع بطرحها.. قتلت سلطاتكم مواطنين في حلايب.. الإجابة (مش معقول).. اعتقلتم اعداداً كبيرة من المواطنين السودانيين.. الإجابة (معرفش حاجة عن الموضوع دا).. حاكمتم.. صادرتم.. منعتم.. انتهكتم كل عرف وقانون في تعاملكم مع مواطني حلايب المحتلة (معرفش.. محصلش.. مش ممكن.. هاكلم الريس.. ها أولو الجماعة بتوع السودان زعلانين أوي).. ثم يعقد الوزيران بعد نهاية الاجتماعات مؤتمرهما الصحفي الروتيني ويحدث سامح الصحافة عن جريمة الإعلام الذي يخرب علاقات البلدين الأزلية.. وكأن الإعلام هذا هو السلطة الأولى في مصر لا يحمل فقط قلماً أو حنجرة أجيرة، بل بيده السلاح والقرار وهو الذي ينفذ تلك الجرائم والمطاردات والممارسات القمعية اللئيمة ضد السودانيين. كأنه هو الذي دفع مصاريف ترحيل المدرعات المصرية وسلمها لمناوي.. كأنه هو الذي يحتل بآلياته العسكرية حلايب السودانية منذ سنوات. بعدها سيتحدث سامح شكري ويقول إن الاجتماعات كانت تسودها روح أخوية طيبة وقد بحثت مجمل العلاقات الثنائية بين البلدين وبحثت سير تنفيذ المخرجات السابقة للجنة (المش عارف إيه)، للتعاون، التي استضافتها القاهرة في أكتوبر الماضي وأوصت بتنفيذ وثيقة التعاون الاستراتيجي والتنسيق في المحافل الإقليمية والدولية والوقوف على تطورات الأوضاع في المنطقة واتفقنا على أن نرتقي بعلاقاتنا الأخوية وأن نفعل ونفعل ونفعل. ثم يعود سامح الى القاهرة وفي ظنه أنه أكمل مهمة التخدير المكلف بها بينما جسد السودان يتحمل ألمه بلا صراخ تماماً مثل موسى بشير حين كانت نيران الشرطة العراقية الطائفية تأكل شعر لحيته وهو يبتسم.. وتعود أخبار القتل والاعتقال والإذلال في حلايب ومناطق التعدين على الحدود مصحوبة بما يتيسر للقنوات والصحف المصرية من إساءات جديدة واستفزازات وقلة أدب. أنتم تبيعون للسودان في كل مرة شحنات من بضاعة (الأوانطة) السياسية المصرية طالما تعذر أمامكم بيع البرتقال الفاسد ليس أكثر من ذلك. شوكة كرامة لا تنازل عن حلايب وشلاتين. اليوم التالي