الخبر الملفت بتقدم عدد من شيوخ الطرق الصوفية بطلب الى مجلس تسجيل الأحزاب بغرض التصديق لهم بتكوين حزب سياسي تحت مسمى الحزب الصوفي الديمقراطي ..يطرح أسئلة هامة حول الدوافع الى تلك النية و الهدف من الفكرة وطريقة التشكيل المؤسسي والهرمي لهذا الكيان وطبيعة البرنامج الذي يقوم عليه وماهي الإضافة المتوقعة التي يمكن أن يحدثها حزب جديد الى مجموعة اللافتات الباهتة والتي علاها الصداء ملتصقة ببوابات موصدة على عضويتها التي لا تزيد أحيانا عن رئيس مزعوم يحمل أوراقاً مطموسة الأسطر داخل حقيبة مهترئة ! وما يثير الإهتمام حقيقة ان المسمى لم يكن الحزب الصوفي الإسلامي .. بل الديمقراطي ...في ظل ديمقراطية ناقصة الأركان يتسيد الريادة والسيطرة فيها حزب حكومي يقوم على شمولية المبدأ رغم معالم الموسسية التي يتظاهر بها في صورته الخارجية وتشكيلاته التصعيدية بروافع معلومة الوسائل والتمويل والتي تقف حدود سلطتها الوهمية خارج قاعة شورى التماسيح الكبار الذين يسيرون أمور الحزب المرتبط بفكر الحركة هيمنة على الدولة بكل مفاصلها وتفاصيلها ! فواحدة من كوارث هذه البلاد التاريخية التي جعلت جسدها يتقيح عند مراوحة تخلفه و تراجعه هي الطائفية المتمثلة في الحزبين الكبيرين وقدعجزا أو قل تعمدا عدم الإستسلام الى واقع الحداثة الذي يقتضي فصل قداسة السجادة عن نجاسة السياسة .. بل يزيدان الطين بلة في مهادنة أوعلى الأقل عدم مقاومة الأنظمة الشمولية التي حكمت السودان طويلا وينتظران من يقوم بمهمة إقتلاع تلك الأنظمة ليتسيدا المشهد بعد ذلك في غمرة دوران تلك الحلقة الجهنمية مابين ديمقراطية هشة وديكتاتورية قابضة على الزمام ولكنها تتبع التُقية نفاقا بالديمقراطية الشوهاء لذر الرماد في عيون الخارج وبالتالي ضمان إستمراريتها في الحكم مثلما هوحاصل في سودان اليوم ! ومن المعروف أن الصوفية تعتمد في تكوين هرمية بيوتاتها الحاكمة روحياً وإجتماعياً والمحاطة بملايين المريدين والحيران على أسلوب توريث الخلافة .. من الأب المتوفى أوالعاجر الى الإبن أو الأخ أو أحد ابناء البيت دون أن يكون هنالك منفذ لخروج سلطتها عن محيط المسيد المتوارث ! وهنا ينعقد حاجب الدهشة حيال كيفية التوفيق بين ذلك النهج المتبع في تلك البيوتات منذ الآزل و بين تطبيق المعنى الحقيقي والعملي لعبارة الديمقراطية التي تستوجب الإنتخاب الحر لزعامة الكيان السياسي أوكما يفترض في الممارسة الشفافة في أي بلد كان يتبع ذلك الضرب من الممارسة بمصداقية وبالتالي قيام اللجنة المركزية و المكتب السياسي توافقا على الأهلية والكفاءة وليس تقبيلا لأياد القداسةبالولاء المطلق ..مثلما هوماثل وحي في تشبث قيادات كيانات الطائفتين وقد شكلتا نموذجا متكلسا ودائما يرفض التزحزح عن أي من مقعدي الزعامة الدينية والرئاسة الحزبية إصرارا على الجمع بينهما كما الآختين ..! فإن كان هذا الحزب الصوفي الديمقراطي في حالة التصديق بقيامه سيشكل مثلثاً يكمل تماسك الهيمنة الطائفية على مجتمع لا زالت أغلبيته تتوسل بأهل الطوائف و البيوتات الصوفية لتكون وسيطها الى جنة الآخرة وهي التي لطالما سجدت طويلا لزعمائها وشيوخها و رقصت في حلبات ذكرهم .. فإن تلك بالتأكيد تكون مصيدة إنقاذية لجرجرة القطاع الصوفي الواسع بالتقرب اليه خروجاً من ضائقة عزلة النظام الشعبية ..تماما كتلك الخديعة التي نصبها جماعة الجبهة الإسلامية لهذا الشعب من خلال اللعب بعاطفة جعفر النميري الذي تاه في صحاري حيرته بعد أن جال وصال مع كل إتجاهات رياح السياسة حتى فقد بوصلته .. فاستلمه الإسلاميون دائخا وحددوا له مسار التهلكة الذي سار فيه مغمض العينين ومغيب العقل! أما إذا كانت دوافع الصوفيين هي دخول معترك السياسة الشائك التعقيدات كمجرد ردة فعل آنية على التضييق الذي مارسه النظام عليهم في الظروف الأخيرة بعد دخوله في وطيس عاصفة الحزم الوهابية في اليمن التعيس بساسته ومن والاهم وهو ما أعتبره الصوفيون إعلاءاً لشان غريمهم التقليدي المتمثل في التيارالسلفي وتفرعاته فإن ذلك الفخ ستكون نتائجه أكثر كارثية على المشهد العام القاتم المعالم .. لانه ببساطة يشكل جراً لأرجل الطائفية الى ساحة وطيس الصراع المذهبي في لبوس سياسي يزيد من إرتباك ذلك المشهد ..والمستفيد بالطبع هوالنظام و عجوبة حركته الإسلامية التي تسعى في ظل حصارتنظيمها الخارجي وسوء سمعتها الداخلية الى إحداث تلك الربكة لترتيب أمورها في غمرة فوضى إنشعال الآخرين ببعضهم ..ولوكان ذلك على حساب خراب سوبا من جديد ! محمد عبد الله برقاوي..