في بلادنا يتحدث المسؤولون الحكوميون عن التنمية التي لا توجد على أرض الواقع. والمال العام الذي يخصص افتراضاً لتنمية مزعومة أو تلك القروض التي تأتي من الخارج يؤكل تحت غطاء التنمية. والتنمية تعني فيما تعني المشروعات الجديدة زراعية كانت أم صناعية أم خدمية،فتضيف المزيد للإنتاج،وتستوعب وظائف جديدة،وبالتالي ينمو الناتج المحلي الإجمالي بصورة حقيقية وتنخفض البطالة، إضافة لما تحدثه التنمية من نقلة في الخدمات الإجتماعية وتحديث في البنيات التحتية،فهل رأينا هذه التنمية بالعين المجردة طوال سنوات هذه الديكتاتورية اللعينة؟ الإجابة قطعا لا . وبينما ينهب المال نقرأ في الوثائق الرسمية عن تأهيل كافتريا في مؤسسة حكومية وكأنه مشروع تنمية،ودراسة عن سبل كسب العيش بجنوب دارفور يعتبرونها إحدي مشاريع التنمية العملاقة!! وتسليف الطالب الجامعي،والدورة المدرسية،وإزالة الطمي من المشاريع المروية (وهو عمل روتيني)، وحدث ولا حرج عن أموال وصناديق مثل صندوق تعويضات دارفور،وصندوق إعمار الشرق،ولا شئ على أرض الواقع. وغياب التنمية يكشف عنه النزوح المستمر للمدن من الأرياف،للبحث عن فرص عمل،أو للهرب من جحيم الموت،وحتى هذه المدن بما فيها العاصمة لم تعد توفر الحياة الكريمة في حدها الأدني للمواطنين،الذين يبحثون عن الهجرة للخارج بأي طريقة. والفساد يختبئ وراء البيانات الرسمية عن ما يسمى التنمية،وشركات الجماعة تحصل على الأموال قبل أن يتم التأكد من أنها أنجزت ما كلفت به،هذا ما قاله المراجع ذات يوم، وعليه فإن ال20 مليار جنيه جديد(20 تريليون بالقديم)التي تخصصها ميزانية هذا العام للتنمية بالمركز والولايات ستلحق(أمات طه)وليس هنالك جرد حساب سنوي للمال الميري. وعلى الجانب المقابل تزداد الضرائب على الفقراء ومحدودي الدخل، ومطلوب منهم أن يدفعوا ثمن الكهرباء والمياه مقدما وهي غير موجودة،والنفايات وهي متراكمة أمام منازلهم، ومحظور عليهم العلاج المجاني في المستشفى الحكومي الذي بني بأموالهم،ومحظور عليهم التعليم المجاني في الجامعة التي شيدت بمال الشعب،والبعض يطردون وتهدم مساكنهم لأن حظهم العاثر جعلهم يسكنون بالقرب من سكن(الحرامية)الفاخر، ولهذا يعتبرونهم مناظر مؤذية،والميادين الرياضية تصادر،والمدارس في المواقع المميزة تباع للسدنة والتنابلة، ولا تبنى السدود(التي يقال عنها تنمية) لفائدة تنمية الأهالي بل لتهجيرهم والإستيلاء على أرضهم، والكباري التي تشيد على النيل تبنى حيث يحتاجها سكان المخططات الفارهة،الذين يودون العبور من شرق النيل إلي غربه للعب الغولف في أقصر زمن ممكن . ولأن التنمية حق وليس منحة، فالتظاهر والإحتجاج ومحاصرة السدنة من أجل تشييد مستشفي أو طريق أو مصنع هو الطريق الوحيد الذي يرغم النظام على الإستجابة للمطالب الشعبية،وللشعب أدوات ضغط كبيرة ومنها الامتناع عن دفع الضرائب والرسوم طالما لم تكن مقابل خدمات، وبالتالي تضعف الموارد المالية التي يخصصها السدنة حاليا للقمع والقهر،ومقاومة نزع الأراضي. وكلما زادت المقاومة كلما انتزع الناس بعض حقوقهم المسلوبة إلي أن يتحقق الإنتصار النهائي. في يوم ما دعي وزير اتحادي لافتتاح مشروع تنمية في شركة خاصة، واحتفلوا وغنوا ابتهاجاً بالبوهية الجديدة والبوماستك التي طليت بها حوائط المطعم القديم والتربيزات،ولم ينسوا تناول الفطور والمرطبات. كمال كرار